السبت، 18 شوال 1445 ، 27 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

أرجوك يا أمي اسنديني حين أغازل!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

«سأحكي لك براً جديداً يا أمي لم أسمعه في مجلة أو صحيفة، أبدأ بدعاء لم أشهده على منبر، ولم أقرأه في السير: يا رب اجعل أمي تعيش ذاتها، تحب نفسها، تقدر شخصها.. يا رب علم أمي أنها لا تملكني!

اضافة اعلان

أنا أتيت من خلالها، شكراً لرعايتها، توقفي يا أمي استريحي حان دوري في معرفة طريقي!!

كفاك إرشاداً وتوجيهاً، شبعت بل سئمت: افعلي واجلسي وقولي!!

هل تعلمين أنني أريد منك فقط السند والشعور بالأمان؟!

أريدك أن لا تخافي، تعلمي يا أمي الشجاعة، فحينما أرى الشجاعة في عينيك لا أمرض ولا أقلق ولا أخاف، اتركيني أمشي أتعثر أواجه كل شيء وحدي، فقط سألتفت في عينيك لأرى لمعة الشجاعة، هذا كل ما أحتاجه..

اسنديني حينما أقول لك: سأقفز سأغوص سأرقص سأشتري سأغازل!! فقد اخترت ذلك.

اسنديني حينما أقول لك: سأخسر سأفشل سأذنب سأسقط!! فقد اخترت ذلك، نعم أنا اخترت الفشل!!

فقط اسنديني.. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ.

كيف تعد أماً لتربي شعباً؟!

لا تقولي: عيب حرام كوني حذرة ولا تفعلي.

علميني: جربي تذوقي خوضي الغمار.

علميني: افعلي ما شئت فأنت طليقة حرة..

عندما تربيني على الحرية والحب ستفخرين بي أمام كل الناس!

أنت في حل ومسامحة، لكن: اتركيني الآن أشق طريقي وحدي، فقط أريني لمعة عينيك!

أخوالي وأعمامي علمتِني حبهم واحترامهم شكراً لك!!

علميني ألا ارتبط وجدانياً بهم، فإذا فعلت أو قلت فلا أخاف منهم، أنا حرة!!»

قالت كاتبة تلك المقالة – هدانا الله وإياها للحق - وهي من رائدات العلاج بالطاقة: هذه المقالة لخصتها من جلسات استشارية لشباب وبنات يشكون آباءهم وأمهاتهم، يبكون عندي ويتألمون، ترك الشاب الزواج من محبوبته لأنها ليست من قبيلته!! وآخر لم يفعل ما يسعده لأنه يهاب أعمامه، والفتاة تشكو من مراقبتها الشديدة، وإجبارها على الحجاب!! سأخاطب في هذه المقالة أمي، لا أقصد بها أمي بل جميع الأمهات!! وأنا سأكون جميع الشبان والفتيات، أنا لسانهم، وعنهم أتحدث". ا.هـ.

ذاك نموذج من نماذج خلط الحق بالباطل، والتدريب على مخاطبة الوالدين بعلو وتكبر وأنَفة، وتضخيم الاستحقاق، وتغيير المعتقدات، والطرح المتمرد، يُدَرّب في مراكز تدريبية تبث التعليم الطاقي باسم السلام والحب والجمال والامتنان!

وبحسب اطلاعي خلال أربع سنوات على أنشطة تلك المدارس الطاقية وسماعي لبعض دوراتهم والقراءة في صفحات التواصل، وسؤال من حضر لهم، أستطيع تقسيمها إلى 4 مدارس:

المدرسة القدرية: مدرسة تنفي القدر تماماً، وكل آية في كتاب الله فيها ذكر الإيمان بالقدر يؤولونها إلى قدرة الإنسان، فالإنسان هو صانع قدره وراسم خريطة سير حياته وملونها، وينفون عن الله القدر تنزيهاً له عن الظلم.

المدرسة المادية: يثبتون القدر لكن يغفلون معاني البركة والتوفيق، يرتكزون كثيراً على التجربة الحسية دون البراهين العلمية.

المدرسة الروحية: وهي نوعان:

أ‌. من ينهج منهج الجبرية فينفون عن العبد الاختيار ويجعلونه كالريشة في مهب الريح يقلبها الله كيفما يشاء دون قرار أو اختيار.

ب‌. وأحياناً يسلكون منهج أهل السنة في إثبات القدر واختيار العبد، لكن مشكلتهم في التصوف وتضخيم جانب الحب في التعبد، وإغفال الخوف والرجاء، أو ربطهم لجناحي الطائر «الخوف والرجاء» ليحلق إلى ربه في سماء التعبُّد برأس المحبة فقط، وأنى لطائر أن يحلق بلا أجنحة! فلا بد من تَحقيق التَّكافؤ والتَّوازُن بين الخوف والرَّجاء والحب؛ حتَّى تستقيمَ حياة المؤمن في الدُّنيا، ويفوز بالنَّعيم في الآخرة؛ فتغليب الخوف دون حاجةٍ إليه يُفضي إلى القنوط، وتغليب الرَّجاء دون حاجة إليه يُفضي إلى الأمن المؤدِّي إلى التفريط، وتغليب الحب يؤدي إلى الذوبان في الذات الإلهية المفضي للاتحاد والحلول.

ولهذا قال السَّلف - رحمهم الله - كلمة مشهورة، وهي: "مَنْ عبدالله بالحبِّ وحده، فهو زنديق، ومَن عبدَه بالخوف وحده، فهو حروريٌّ - أي: خارجي - ومَن عبدَه بالرَّجاء وحده، فهو مرجئ، ومن عبدَه بالخوف والحب والرَّجاء، فهو مؤمن موحِّد".

المدرسة المختلطة: كحاطب ليل تأخذ من المدارس السابقة ما يحلو لها، دون منهجية واضحة.

وثمة قواسم مشتركة بين هذه المدارس الطاقية ما بين مقل ومستكثر تتقاطع في:

الإرجاء: ومقتضاه: لا يضر مع الإيمان معصية، أو بعبارة أخرى: التقوى في القلب لا يشترط أن تُرى مظاهر التدين والاستقامة على الجوارح.

وكثير ممن قابلتهن ممن دخلن تلك الدورات الطاقية تغير حالهن الظاهري للأسوأ: فكن لا يُرى منهن إلا السواد، وبعد أيام تحولت العباءة من ساترة إلى فاتنة، ومع مرور الوقت رأينا من كشفت عن وجهها واقتصرت على خرقة قماش تغطي شعرها، بل منهن من نزعت تلك الخرقة باسم «التقوى في القلب، وأحسن ظني بربي وسيجازيني على قدر نيتي به»!!

ومنهن حافظات لكتاب الله في صدورهن {فلا تخضعن بالقول} وتتعالى أصوات ضحكاتهن عبر السناب أو اليوتيوب!

وكذلك الرجال سمعت عن بعض من انخرط في سلكها كيف تغير حاله الظاهري للأسوأ: فالناظر لصورهم وهيئاتهم قبل تلك الدورات وبعدها يدرك كيف عبث المقص في اللحى، ومتى ما شمت اللحية رائحة المقص أو آلة الحلق أدمنته!

وأُرخيت ذيول الثياب حتى لامست الأرض، بل وساهمت في كنسها وتنظيفها بحجة الإيمان في القلب!

ومنهم... ومنهن... ، الانقلاب ظاهر لمن يعرفهم أو سمع عنهم «قبل وبعد» انخراطهم في تلك الدورات، نسأل الله أن يردنا وإياهم إليه رداً جميلاً ويثبتنا وإياهم وإياكم على ما يحب ويرضى.

الدين كل لا يتجزأ، ليس من ملتنا لبٌ وقشور {ادخلوا في السلم كافة} فإذا زاد منسوب الإيمان في القلب فاض على الجوارح، وأصل العلم الخشية، فلو أن رجلاً ربح في صفقة تجارية 10 ملايين ريال، ولم يُر أثر ذاك المال على هندامه ومسكنه ومركبه وأهل بيته لنُعت بالبخل واختلال التوازن، ومثله من زاد منسوب الإيمان في قلبه ولم يُر على هديه وسمته وملبسه وقوله وفعله سينعت بالغفلة والحرمان واختلال التوازن، وقد أكد على هذا المعنى ابن الجوزي - رحمه الله - في كشف المشكل من حديث الصحيحين ص881 حين قال: «وليس حسن الظن به ما يعتقده الجهال من الرجاء مع الإصرار على المعاصي، وإنما مثلهم في ذلك كمثل من رجا حصاداً وما زرع، أو ولداً وما نكح، وإنما العارف بالله عز وجل يتوب ويرجو القبول ويطيع ويرجو الثواب. قال الحسن - رحمه الله –: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم حسنة يقول إني لحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن بربه لأحسن العمل».

وقد تلمس ابن القيم - رحمه الله - في الداء والدواء 1/ 45 داء القوم فقال: «وأحسنُ الناس ظنّاً بربّه أطوعُهم له».

استجلاب الطاقات الخفية وإيقاظ العملاق النائم داخل كل شخص، كما جاء في كتاب السر ص164 ترجمة الشيخ العجيري في حاشية كتابه خرافة السر ص83: «أنت إنسان عظيم قادر متكامل منسجم، أنت سيد حياتك، أنت صاحب قدرة مطلقة، وحكمة ليس لها حدود، وذكاء لا نهائي، وطاقات خارقة، بل إن القوة التي تحرك العالم كامنة بداخلك!!» فمنسوب الاعتداد بالذات في تلك الدورات مرتفع جداً، السامع لطرحهم لا يشعر بفقره ومسكنته وعبوديته وضعفه، وأنه لاحول ولا قوة له إلا بربه، ولا أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه لذا يزيد نسبة استحقاقه بتمارين الريكي، وتطبيقات الجذب تؤهله للوصول لكل ما يريد ويجذب كل ما يتمنى!

إذا سلمتُ جدلاً: أنك تستحق أن يصرف عنك كل بلاء في هذه الدنيا، هل معنى ذلك أن كل خير ظاهر يناسبك؟ ألا يوجد من البشر من لا يصلحهم الخير الظاهر كالغنى والعافية، فصلاح قلوبهم بالفقر أو المرض ونحوها من الابتلاءات المبطنة بالخيرات: {قل أأنتم أعلم أم الله}، ثق باختيار ربك..

لا أكشف النوايا ولا أستخرج الخفايا، فأحسب أن مكنون أفئدة بعضهم طيبة طاهرة، لكن صلاح النية لا يبرر ما ظهر من تقاسيم الفساد، ولا يقوى على رفعه إلى قمم الحق السامية.

لَيُّ أعناق النصوص لتوافق فهمهم، رغم أن الدليل لا ينهض ولا يقوى للاستدلال فيرغمونه ليستشهدوا به على ما يريدون، لا على ما يدل عليه! وقد أجاد ابن تيمية – رحمه الله – في وصف أمثالهم في بغية المرتاد ص: 219: «تلك المعاني التي تلقوها عن الفلاسفة وضعاً وضعوه، ثم يريدون أن ينزلوا كلام الله تعالى ورسوله على ما وضعوه من اللغة والاصطلاح؟! وهذا لو كانت تلك المعاني التي يذكرها الفلاسفة صحيحة ما جاز، بل كان من الكذب على الله تعالى وعلى رسوله أنه يقال إنه أرادها!! فكيف وأكثر تلك المعاني باطلة ومضطربة وما يذكرونه من الأقيسة العقلية على ثبوتها أقيسة ضعيفة بل فاسدة؟! وقد اعترف أساطين الفلاسفة بأنها لا تفضي إلى اليقين وكل منهم يعبر عن المعاني الفلسفية بعبارات إسلامية، ومنهم من لا يبين لأكثر الناس أن مراده ذلك».

وأكد على هذا المعنى أ.د. عبدالله الدميجي - وفقه الله - في كتابه فهم السلف الصالح للنصوص الشرعية والرد على الشبهات حوله ص120 في قوله: «إن العدول عن فهم السلف للنصوص هو من أخطر أبواب الانحراف والضلال». ونص شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في مجموع الفتاوى 13/ 243 على أن :«من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفترٍ على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام».

وجاء في حلية الأولياء 8/ 282 ما كتبه عباد بن عباد إلى إخوانه: «إخوانكم إن أرضوكم لم تناصحوهم، وإن أسخطوكم اغتبتموهم فلا أنتم تورعتم في السخط، ولا أنتم ناصحتموهم في الرضا، إنكم في زمان قد رق فيه الورع، وقل فيه الخشوع، وحملوا العلم ففسدوا به، أحبوا أن يُعرفوا بحمله وكرهوا أن يعرفوا بإضاعة العمل فيطغوا فيه بالهوى ليزينوا ما دخلوا فيه من الخطأ، فذنوبهم ذنوب لا يُستغفر منها، وتقصيرهم تقصير لا يعرف فيه كيف يهتدي السائل إذا كان الدليل حائراً؟!».

ونص د.أيوب جرجيس العطية – وفقه الله – في كتابه المعدّ للنشر: الخطاب القرآني بين إشكالية الفهم ودلالة النصّ على أن: «أشد ما تتعرض له النصوص خطراً: سوء التأويل لها، بمعنى أن تُفسر تفسيراً يُخرجها عما أراد الله تعالى ورسوله بها إلى معنى آخر يريدها المؤولون بها، وقد تكون هذه المعاني صحيحة في نفسها ولكن هذه النصوص لا تدل عليها، وقد تكون المعاني فاسدة في ذاتها، وأيضاً لا تدل النصوص عليها فيكون الفساد في الدليل والمدلول معاً».

وبَيّن ابن الوزير مسلك أئمة السنة في إيثار الحق على الخلق ص122: «فلا أحد يسلم من البدعة، ولا يسلم له عقيدة إلا أن يسلم كما أسلم السلف، وأن يفهم النصوص كما فهموا، ويترك علم ما لم يكلف، وهذا مسلك أئمة السنة».

مستند بعض تطبيقاتهم (ثبت بالتجربة نفعها)، ومن مقولاتهم (التجربة لا يدركها سوى العارف)، ومن مسوغاتهم (أنها تحدث في اللاواعي دون شعور أو إدراك)! والتطبيقات الثابتة بالتجارب متجددة لا تنتهي!! وهل ديننا مبني على الأدلة أو التجارب؟

وبعض من حاورتهن في هذا الأمر قلن لي: «عن أي مخالفات عقدية تتحدثون؟! الآن فقط زاد خشوعي في صلاتي، وتقربت لربي أكثر بعد تلك الدورات الطاقية، أنا ممتنة للمدرب الذي عرفني ربي، أشعر بسعادة تغمرني، وراحة بال تطوقني، فيوض الحب الإلهي تحيطني، ونورانية الحفظ الرباني تحميني، فهمت الحكمة من التشريع، يحق لي أن أعلنها صريحة مدوية: أنا صوفية الاعتقاد حنفية المذهب»!

سرّحت فكري في قولهن أتأمله، مستظهرة ما أعرف من أحوالهن الشخصية، والابتلاءات التي مرت بهن لأجفف بلل هذا القول الذي سار إلى عبر صدق نبراتهن، وحبهن النقي لأعيش معهن تلك السعادة اللاتي شعرن بها.

وقد أحسن د. عمرو شريف – سدده الله – وصف التجارب الروحية في كتابه: ثم صار المخ عقلاً ص242 حين قال: «التجربة الصوفية عروج روحي، يدور حول التسامي فوق الذات والوجود المادي، ويحقق الشعور بالتوحد مع الكلى المطلق، وهذا هو الخيط الذي ينتظم التجارب الصوفية جميعها في الماضي والحاضر وفي الشرق والغرب».

كل ماسألتهن عن «دليل صريح صحيح» لما يمارسن من تدريبات قلن: ثبت بالتجربة، يكفينا الشعور بالراحة والسعادة بعد تطبيق ما أثبته المدرب العارف بالأدلة!

هل التجربة كافية وحدها أو تعتبر دليلاً قاطعاً لأسلّم بما يقال؟!

كيف تأكدت من معرفة المدرب للأدلة وصحة استدلالها؟

هل بالضرورة كل من تخرج من تخصص شرعي كان فاهماً للأدلة ومدلولاتها أو أصبح مؤهلاً للفتيا؟!

وهل كل من كان ظاهره الاستقامة كان عارفاً بالأدلة ومدلولاتها؟!

ألم يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: "تحقرون صلاتكم عند صلاتهم"؟

هل لزاماً علي أن أفهم الحكمة من كل تشريع؟ ألا يوجد أحكام تعبدية صِرفة كتقبيل الحجر الأسود مثلاً؟

أليست التجارب الشخصية متفاوتة النفع، قد تنفع مع شخص دون آخر فكيف أجعلها دليلاً قاطعاً، هل يكفي هذا للإيمان بجدواها ونفعها؟! بل كيف أتعبد لله بها وأنا مأمورة باتباع المنهج النبوي؟!

أليس شروط العبادة: الإخلاص، والمتابعة، هل هذه التجربة فيها متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم؟!

لا بأس سأُسلم جدلاً بنفعها لأن بعض تلك التطبيقات لا تكون تعبدية صرفة، وإنما للاسترخاء أو التشافي، أو تعزيز الحرية النفسية، لكن هل مرت تلك التجارب بمراحل إثبات صحتها فنضجت وولدت لنا نظرية أو قانوناً أو حقيقة علمية «ملاحظة، فرضية، توقع، اختبار؛ نتيجة، نظرية، وأخيراً: حقيقة علمية».

ربما لا يحرك الحوار العقلي في القلب ساكناً، سأخاطب القلب الغض الطري الذي شعر بالخشوع والسكينة بعد تلك التجارب بما خاطب به الشيخ عمر الأشقر – رحمه الله – في كتابه عالم الجن والشياطين ص: 149: ذكر في فصل: أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان، وتحدث عن أنواع القلوب، سأعرج عليها بتصرف ومن أراد المزيد فليراجع الكتاب: «حال الشيطان مع القلوب إقبال وإدبار، ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال، مع من يجد فيه مطمع، - أما القلب الذي فيه بدعة، أو أصابته شبهة، أو اعتراه الحيدة عن منهج الرسول واتباع الأهواء والأقوال والتجارب، فما يفعل الشيطان في ذاك القلب؟! لم يضع وقته معه وقد أغواه بعدم المتابعة، وأوقعه في شباك البدعة! -.

قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب؟!».

سأحرك مجاديف الأحرف لتوصلنا إلى وصف ما يجده المتصوف في قلبه كما ذكره د. عمرو شريف – غفر الله له – في كتابه ثم صار المخ عقلاً ص237: «قالوا: لب هذه مشاعر تحس ولا تفهم، بل ربما أربكت من يتصدى لفهمها دون أن يتذوقها».

ذاك الشعور كفيل لأن يُربت على كتف من استمتع به فلا ينصت لمن يَحرِمه تلك اللذة، وأعزو ذلك الجوع الروحي ربما وأظن ظناً لست بمستيقنة إلى انشغال العبد في دنياه بالماديات عن الإيمانيات والرقائق، فإذا جاء ذاك الطرح الذي يُعرّف الناس بربهم ويذكرهم بجماله وكماله، وجليل مننه ونعمائه، «صادف قلباً خالياً فتمكنا»، وامتلأ خزان الروحانيات فعرجت روحه في سلالم عبودية الفقر، ولذة الأنس بخالقها الذي طالما قَصّرت في عبادته، فتغشاها الحياء، وطوقها حبه رغم تقصيرها فلم يقطع خيره وفضله وبره وإحسانه عنها، ثم ماذا؟

هي درجات وسلالم إلى أن يصل إلى الفناء، أو الاستشراق الروحي، أو النشوة، أو النيرفانا أي: الانفصال عن الزمان والمكان أو الاندماج في ذات الإله والفناء فيه؛ وهو ضرب من ضروب «وحدة الوجود».

يا ترى هل يدرك هذه الدرجات من يُدرب مثل تلك الدورات أو يتدرب على أيديهم؟!

ما الفارق بين الصوفي وغيره ممن يتعبد لربه بالحب والخوف والرجاء مستشعراً فقره في كل شأنه؟! هل كان رسولنا صلى الله عليه وسلم صوفياً، ماذا عن أصحابه الكرام أبر الناس قلوباً، اصطفاهم الله لصحبة نبيه هل عاشوا درجات التصوف وترقوا في سلالمه؟ ألا يسعنا ما وسعهم؟!

من حيل بعض المدربين في هذا المضمار تصريحهم بأن ما سيُطرح في دوراتهم الدرجات الأولى من سلم الروحانيات الصوفية فقط لتسترخي أذهانهم وتستروح قلوبهم وتستجم أرواحهم، وصَدَفوا عن خطر الشبهات التي تنخر بساط القلب ليتسوس بشبهات القوم فيشوه منظار الحقيقة، جاء في الشريعة للآجري 1/ 145 التحذير من مجالسة أهل البدع ومثيري الشبهات: قال محمد بن الحسين - رحمه الله - : «ألم تسمع رحمك الله إلى قول أبي قلابة -رحمه الله -: "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يُلّبسوا عليكم في الدين بعض ما لُبِس عليهم"، أو لم تسمع إلى قول الحسن وقد سأله عن مسألة فقال :" ألا تناظرني في الدين؟ فقال له الحسن - رحمه الله -: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أنت أضللت دينك فالتمسه"، أو لم تسمع إلى قول عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل"، قال محمد بن الحسين - رحمه الله -: فمن اقتدى بهؤلاء الأئمة سلم له دينه إن شاء الله تعالى».

ولعل في قول شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ذكره في اقتضاء الصراط المستقيم 1/542 لملمة شعث الكَلِم في تعظيم النكير على من أحدث البدع، وخالط أهلها، وبيان لمادة غذاء القلب التي بها صلاحه قال رحمه الله: «الشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه - ويروى مرفوعاً -: «إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن»، ومن شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته؛ استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة، وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه ويكمل إسلامه.

ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه؛ تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها؛ لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم؛ لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير.

ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها» رواه الإمام أحمد.

وهذا أمر يجده من نفسه من نظر في حاله من العلماء، والعباد، والأمراء، والعامة وغيرهم؛ ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع، وكرهتها؛ لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافاً لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفاً، بل لا بد أن يوجب له فساداً، منه نقص منفعة الشريعة في حقه؛ إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين الجاهليين: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيراً منهما» فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة مانعاً عن الاغتذاء، - أو من كمال الاغتذاء - بتلك الأعمال الصالحة النافعة الشرعية، فيفسد عليه حاله من حيث لا يشعر كما يفسد جسد المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر، وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع».

الخروج من الدنيا بقلب سليم يستلزم الامتثال للتوجيه الرباني {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً}، فمن سعى لسِقاء قلبه بغير الوحي على فهم سلف الأمة النقي العذب الزلال، فلا يلومن إلا نفسه إذا بات سقيه عائقاً صاداً له عن صلاح قلبه {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

يزهدون في العلماء الربانيين، ويكممون معدة المرجعية الدينية حتى يشعروا بالشبع من النهل من مورد العلماء الذين شابت لحاهم بين قال الله وقال رسوله على فهم سلف الأمة، فينعتونهم بالتشدد وعدم معرفة الحال، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، فهم لم يتصوروا هذا الفن لذا يهاجموه!

ماذا عن الأطروحات العلمية التي قُدمت للرد عليهم في جامعات معترف بها، هل تلك الأبحاث التي رجعوا فيها لأصول كتبهم الأجنبية وترجموها للغة العربية لم يتصوروا هذا الفن وتكلموا أيضاً بغير علم؟!

تطعيم بعض الدورات بالموسيقى، إما أن تكون خلفية الدورة بأكملها، أو مقاطع محددة في أثنائها، والبعض قد يستغني عنها في بعض الدورات، وسبب حرصهم عليها تلك الأبحاث التي أثبتت أثرها على الإنسان، وأنها تساعد على تهدئة الأعصاب وتساعد على تسريع عملية الشفاء.. فباتت الموسيقى أمارة تدل على بعضهم!

ختاماً:

قال لها المدرب: اليوم سيحدث لكِ حدثٌ مميزٌ!!!

يا ترى ماذا حدث؟

وكيف عرف المدرب أنه سيحدث؟

في المقال القادم سنتعرف بإذن الله على «الحدث المميز».

——————- مقال سابق: «لطفاً قفي بجواري نتأمل معاً»

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook