الجمعة، 17 شوال 1445 ، 26 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

حدث في مثل هذا اليوم.. 23 شعبان

253_587767060
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل – فريق التحرير:

يصادف اليوم 23 شعبان، العديد من الأحداث التاريخية، وفي هذه الفقرة تسلط “تواصل” الضوء على أبرز هذه الأحداث

اضافة اعلان

13 هـ

نشوب معركة الجسر بين المسلمين والفرس

في مثل هذا اليوم من سنة 13هـ الموافق 22 أكتوبر 634م، نشوب معركة الجسر بين المسلمين بقيادة "أبي عبيد بن مسعود الثقفي"، والفرس بقيادة ذي الحاجب "بهمن بن جاذويه"، وكانت معركة هائلة قتل فيها أبو عبيد الثقفي، وتولى القيادة المُثَنَّى بن حارثة، ولم يوفق المسلمون في تحقيق النصر.

مقدمات معركة الجسر

ظن الفرس أن الساحة قد خلت لهم، فحاولوا التخطيط لتصفية الوجود الإسلامي، ولكن أفشل المثنى بن حارثة رضي الله عنه خططهم وتحيز بالمسلمين على حدود العراق، وذهب مسرعًا للمدينة ليقابل الخليفة أبا بكر فوجده في النزع الأخير، ولما مات وتولى الفاروق عمر رضي الله عنه ندب الناس للخروج لبلاد العراق، فلم يستجب له بعد محاولات متعددة سوى ألف رجل، أمَّر عليهم أبا عبيد الثقفي أول من استجاب لنداء الجهاد.

ودخل أبو عبيد العراق، ونظم الجيوش واستطاع بفضل الله ثم شجاعته المهولة وإقدامه أن يستعيد كل ما تخلى عنه المسلمون من أراضي العراق في تسعة أيام فقط لا غير، وانتصر بجيشه الصغير الذي لا يبلغ العشرة آلاف في ثلاث معاركة النمارق 8 شعبان 13هـ / أكتوبر 634م،  ثم معركة السقاطية 12 شعبان 13هـ، باقسياثا 17 شعبان 13هـ، على جيش قوامه قرابة الربع مليون فارسي، فاستطاع أبو عبيد بذلك أن يفعل ما لم يفعله أحد.

اجتماع المدائن

كان لهذه الانتصارات المدوية أثرًا سيِّئًا على القيادات العليا في المدائن، وثار خصوم رستم عليه واتَّهموه بالتقصير والتخاذل عن قتال المسلمين فعقد رستم اجتماعًا على أعلى المستويات القيادية واستدعى رستم القائد "الجالينوس" الذي فر من قتال المسلمين وغضب عليه بشدة وحكم عليه بالإعدام مع وقف التنفيذ، وأنزل رتبته من قائد عام إلى مساعد القائد العام، ثم تشاور رستم مع كبار قادة جيوشه في كيفية تحقيق النصر على المسلمين ولو مرة واحدة لرفع الروح المعنوية لجنود الفرس الذين هزموا في كل لقاءاتهم مع المسلمين.

وكان رَسْتُم داهية فبدأ الإعداد للجيش باختيار قائده، فسأل عن أمهر القادة الفرس وأدهمهم؟ فقالوا له "ذو الحاجب بهمن جاذويه"، وكان من أشدِّ قادة الفرس كِبْرًا وحقدًا على المسلمين والعرب، وإنَّما تسمَّى بذي الحاجب لأنَّه كان يعصب حاجبيه الكثيفين ليرفعهما عن عينيه تكبُّرًا، فأسند له رستم قيادة الجيش.

واختار رستم بنفسه أمراء الجند وأبطال الفرسان وزوَّدوه ولأوَّل مرَّةٍ بسلاح المدرَّعات الفارسي وهم الفيلة، وليُضفي رستم أهميَّةً خاصَّةً على هذا اللقاء أعطى لهذا الجيش راية الفرس العظمى واسمها "دارفن كابيان"، وكانت مصنوعةً من جلد النمور، طولها اثنتا عشرة ذراعًا وعرضها ثمانية أذرع، وكانت هذه الراية لا تخرج إلَّا مع ملوكهم في معاركهم الحاسمة.

استعدادات المسلمين

نقلت استخبارات أبي عبيد تفاصيل ما دار في المدائن، وأخبار الجيش الفارسي الجرار الخارج لقتالهم، فسارع أبو عبيد وعبر بجيشه الفرات نحو الغرب حتى وصل بابل شمال الحيرة وجنوب المدائن، وكانت تلك المنطقة صالحة للقتال، ولكن أبا عبيد رأى أن يعبر الفرات مرة أخرى ناحية الحيرة، وعسكر على مقربة من نهر الفرات على أطراف الصحراء، وهذا المكان أفضل مكان للقتال لخبرة المسلمين في قتال الصحراء ولسهولة الكر والفر.

خطأ قاتل

وصل الفرس بقيادة بهمن جاذويه فنزلوا على الشاطئ الشرقي لنهر الفرات المقابل، وأرسل برسول من عنده إلى القائد أبي عبيد، وكان هذا الرسول من دهاة الفرس واسمه "مردان شاه" قائد سلاح الدروع، وكانت فحوى الرسالة: "إما أن تعبروا إلينا وندعكم تعبرون، وإما أن تدعونا ونعبر إليكم".

عقد أبو عبيد اجتماعا مع قادة جيشه للتشاور في عرض الفرس وأجمع قادة الجيش على ترك الفرس يعبرون لهم؛ لأن أرض المعركة ستكون أوسع وأسهل لحرب الصاعقة التي يجيدها المسلمون، وحتى يسهل قدوم الإمدادات للمسلمين ولئن عبور المسلمين للفرس سيحشرهم في مكان ضيق من ورائهم حاجز مائي خطير هو نهر الفرات والزاخر بالمياه الهادرة.

غير أن أبا عبيد القائد العام رفض هذا الرأي وأصر على العبور إلى الفرس، وتحجج بحجة واهية عندما قال: "لا يكونون أجرأ منا على الموت، بل نصير إليهم".

أمر أبو عبيد بعقد جسر يمر عليه المسلمون للطرف الشرقي من النهر، وكلف أبو عبيد بهذه المهمة رجلًا معاهدًا في ذمة المسلمين واسمه "ابن صولبا"، وبالفعل أقام "ابن صولبا" الجسر ولكن بصورة واهية يجعل من السهل قطعه على مجموعة صغيرة من الرجال، ولعله فعل ذلك عمدًا ليقع المسلمون في الكماشة القاتلة، وبدأ المسلمون في العبور إلى الطرف الآخر وتركهم الفرس حتى تكامل عبورهم، فوجد أبو عبيد جيشه محصورًا في مكان ضيق يكون فيه نهر الفرات وروافده تحيط بالمسلمين من الخلف واليمين واليسار، والفرس بجيشهم الجرار أمام المسلمين.

معركة الجسر

وبمجرد أن تكامل المسلمون على الشاطئ الشرقي هجم الفرس بكل قواتهم خاصة سلاح الفيلة على المسلمين، ولم تكن خيل المسلمين قد رأت فيلة من قبل فنفرت منها بشدة وهربت في كل مكان، وقامت الفيلة بتمزيق صفوف المسلمين وأوقعت خسائر بالغة بهم، وعندها أمر القائد العام أبو عبيد بالتعامل مع الفيلة فنادى في أبطال المسلمين: "احتوشوا الفيلة"، أي أحيطوا بها واقطعوا أحزمة بطنها ليقع ما عليها من قادة، وكان أبو عبيد أول من نفذ ما أمر به المسلمين، وبالفعل تم للمسلمين ما أرادوا وقطعوا أحزمة جميع الفيلة.

 

أبو عبيد شهيد معركة الجسر

استمر القتال، وما زال سلاح الفيلة يفعل الأفاعيل في المسلمين، وسأل القائد أبو عبيد عن موضع قتل الفيل، فقالوا له: "خرطومه"، فنادى في المسلمين: "يا معشر المسلمين إنِّي حاملٌ على هذا المخلوق -يعني الفيل الأبيض قائد كلِّ الفيلة- فإن قتلته فأنا أميركم، وإن قتلني فأخي الحكم أميركم، فإن قُتِل فولدي وهب، ثم عدَّ سبعةً من القادة آخرهم المثنى بن حارثة.

ثم حمل على الفيل الأبيض، فاتَّقى ضربات سيف أبي عبيد، وألقاه على الأرض وداسه بأقدامه فاستُشهد القائد أبو عبيد وقاتل المسلمون على جثته حتى لا يأخذها الفرس، ثم تولَّى مكانه أخوه الحَكَم مكانه ولكنَّه سرعان ما استُشهد، ثم ولده، ثم الذي بعده حتى استشهد السبعة الذين عيَّنهم أبو عبيد، وتسلَّم الراية أسد العراق المثنى بن حارثة الذي حاول تصحيح الوضع حتى حدث ما لم يكن في الحسبان.

المثنى يقود المعركة

بينما المثنى ينظم صفوف جيشه ويدعو الفارِّين للثبات إذ سارع رجلٌ متهوِّرٌ من بني ثقيف واسمه "عبد الله بن مرثد الثقفي" إلى الجسر فقطعه، وتعصَّب مجموعةٌ من بني ثقيف لفعلته ونادوا في المسلمين "موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا"، وفرح الفرس بهذه الفعلة وركزوا هجومهم على المسلمين ليفنوهم بالكامل، وركزوا هجومهم ناحية الجسر المقطوع حتى لا يُصلحه أحد، ووقع الاضطراب الشديد في صفوف المسلمين، وفرَّ الكثير منهم وألقوا بأنفسهم في نهر الفرات، وكان أكثرهم لا يعرف السباحة فغرق منهم ألفان.

وانتخب المثنى كتيبة من الأبطال بقيادته لإصلاح الجسر المنهار، وكان المتهور عبد الله ابن مرثد الثقفي قد وقف عند الجسر ليمنع المسلمين من  الفرار فألقى المثنى عليه القبض وضربه وربطه على فعلته فاعتذر له عبد الله بن مرثد فإنه أراد أن يثير حمية المسلمين للقتال، واستطاع المثنى ومن  معه إصلاح الجسر، ونادى في الناس قائلًا: "أيها الناس أناديكم فاعبروا على هيئتكم -أي على مهلكم- ولا تدهشوا فإنا لم لن نزايل -أي نتحرك- من مكاننا حتى نراكم في الجانب الآخر"، وبالفعل استطاع ستة آلاف أن يعبروا الجسر للضفة الأخرى.

وبعد أن اكتمل الانسحاب ولم يبقَ مسلمٌ في مكان المعركة، كان آخر من انسحب المثنى بن حارثة فانسحب ووجهه نحو الفرس يقتلهم وظهره للمسلمين، وقد أُصيب إصابةً بالغةً أدَّت لوفاته بعد ذلك بشهرين رحمه الله.

نتائج موقعة الجسر

كانت معركة الجسر أول معركة يخسرها المسلمون أمام الفرس، وعلى الرغم من تكبُّد الفرس ستَّة آلاف قتيل، انتهت هذه المعركة باستشهاد أربعة آلاف شهيد، منهم الأمراء السبعة وثلاثمائة رجلٍ من قبيلة ثقيف وحدها، لذلك فإن وقعها كان شديدًا على نفوس المسلمين، حتى أن ألفين من الجيش قد فروا حتى دخلوا البادية فاختفوا فيها خجلًا مما جرى، ولم يبق مع المثنى سوى ثلاثة آلاف هم الذين انتقموا لمصرع إخوانهم في معركة البويب في شهر رمضان 13هـ.

ولم يتعقب بهمن جاذويه المسلمين؛ لأنَّ أخبارًا وصلت إليه عن نشوب ثورة ضدَّ رستم، فآثر العودة إلى المدائن حتى يكون قريبًا من مجرى الأحداث، إلَّا أنَّه ترك اثنين من قادته في المنطقة هما جابان، ومردان شاه ليتعقبا المسلمين، والواقع أنَّ المثنى كمن لهما في أَلِيسَ وأسرهما وقتلهما مع جندهما، وتحصن في هذه المدينة بانتظار جلاء الموقف.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook