السبت، 18 شوال 1445 ، 27 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

«السديس» لرُوَّاد الإعلام: أَرْسُوا القيم وآزِرُوا العلماء وتَحَرُّوا المصداقية

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - واس:

أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس, في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام، أن مِن معاقد القول المؤكدة وعَزَائِمه المُقرَّرَة المُوَطَّدَة, أنَّ مِنَنَ الباري - سبحانه - على عباده عظيمة مُترادفة، هَتَّانة مُتَوَافِدَة، ومن أجَلِّ نِعَمِ الله على عباده أن أرسل فيهم رسولاً من أنفسهم، يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة، فقام برسالته خير قيام، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وقد حمل مشعل الهداية بعده أهل العلم على ميراث ومنهاج النبوة في البلاغ والبيان، فَهُمْ في الأمة أنوار الهدى، ومصابيح الدُجَى، وزَوَامِل الإسلام، وحراس الدين، وحماة العقيدة.

اضافة اعلان

وقال فضيلته: لقد خَصَّ الله تعالى أهل العلم بالتكريم والتشريف، والمقام العليِّ المنيف، فالعالِم في الأمة بدرها الساري، وسَلْسالها العذب الجاري، لاسيما أئمة الدين وعلماء الشريعة، ومهما دبجت النعوت في فضائلهم فلن توفيهم حقهم، كيف وقد قال نبي الهُدَى: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير" أخرجه الترمذي بسند صحيح، وصحّ عند أحمد في المسند من حديث أنس, أن رسول الله قال: "إنما مثل العلماء كمثل النجوم يُهْتَدَى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة"، قال الإمام أبو بكر الآجري: "فما ظنكم بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلةٍ ظلماء, فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فِئَامٌ من الناس لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا, فبينما هم كذلك إذ طُفِئَتْ المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟..!! فهكذا العلماء في الناس".

وأفاد "فضيلته" أن مسؤولية العلماء في الأمة عظيمة، ومهمتهم جسيمة، وأوجب الواجبات عليهم: بيان صحيح الدين كما أُنزل على سيد المرسلين: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ" فلو لم يَقُم العلماء بواجبهم في البلاغ والبيان، لبقي الناس حيَارَى يتيهون في دياجير الضلال، وظلمات الجهل؛ لذا قال: "من سُئِل عن علم ثم كتمه أُلْجِم يوم القيامة بلجام من نار" (رواه الترمذي وقال: حديث حسن)، وكان أبو هريرة يقول: "لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم، ثم يتلو: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ", لافتاً النظر إلى أن عملهم لا يقتصر على البيان فحسب، بل يَعْظُم دورهم، ويَنْبُل قدرهم بمحاربة البدع والضلالات، والمنكرات والمحدثات، لِيَمِيزَ الله بهم الخبيث من الطيب، والحق من الباطل، والصحيح من الزائف، فأسمى مقاصدهم: إبراز الرؤية الإسلامية، لكافَّةِ القضايا التأصيلية، والمستجدات العصرية، فَيُحْيُونَ بكتاب الله الموتى، ويُبَصِّرُون به أهل العمَى، ويَهْدُون من ضلّ إلى الهدى.

وأكد "فضيلته" أن العلماء رُمَّانة الميزان، وأهل التوسط والاعتدال، يواجهون الأفكار الضالة، ويحاربون الآراء الشاذة النادَّة، بسلاح العلم البتَّار، فهم حصن الأمة الحصين، وركنها القوي المكين، وهم صمام الأمن والأمان، خاصة وقت الفتن والمدلهمات، كما هي الحال في زماننا، الذي سادت كثيراً من أرْجَائه أنقاض التَّناحر والأرْزَاء، وأنكاث العصبيّة الرَّعناء، والمَسَاغِب والعناء، والحَملات الحاقدة الشعْوَاء، مع قُصور الهِمم، عن أعالي القِمم، واستهدف أصحابُ هذه الحملات المسعورة الشباب، يُلْقِمون عُقولهم الغَضَّة، النظريات الفاسدة، والأفكار الطائشة، والآراء الهزيلة، وكم للفهوم المنحرفة الجانحة بين المسلمين من مَعَرَّاتٍ وويلات، ألْهَبَتْ فيهم رُوحَ الكراهية والصِّراعات، وأجَّجَتْ أُوَار التعصب والنِّزاعات، عبر المجالس والمنتديات، والإعلام والفضائيات، تَقْضِمُ بِهُبُوبِهَا الأصول والثوابت، وتشرخ بِشُبُوبِها معالم الدِّين البَاسِقةِ النَّوابِتْ.

وأضاف يقول: إلا علماء الأمة يقفون لهذه الحملات بالمرصاد، يكشفون زيفها، ويُجَحْفِلُونَ أُوَارها، بالفَهْم الوثيق والإدْرَاك المتين الدَّقيق، للوَحْيَيْن الشريفَيْن الذي يَسْمُو صَاحِبُه، وتَجِلّ مَنَاقِبُهُ، وتَنْبُو عن الفَرَطاتِ عَوَاقِبُه.

وقال فضيلته: ولله در العلامة ابن القيم، حيث قال: "العلم هاد، والحال الصحيحة مهتدية به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وأهله عَصَبتهم وَوُرَّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين، والغي والرشاد، والهدى والضلال، به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون.

وأشار "فضيلته" إلى أنه في زمن الانفتاح الإعلامي العالمي، بفضائياته، وتِقَانَاتِه، لزم العلماء بَذْل مزيد الجهود، لتحقيق أسْمَى القُصود في تصْحِيح المفاهيم المَدْخُولة العَلِيلَة، والآرَاء الجَافِية الوَبيلة، وبيان المنهج الحقِّ وآلِيَّاته في التَّلَقِّي عن الله ورسوله، وإدراك مَعَاقِدِ مُرَادِهِمَا، وأن تُجَيَّشَ في سبيل ذلك كل الطاقات والإمكانات، من الدعاة الفضلاء، ورجال الإعلام وحملة الأقلام لمؤازرة العلماء، مع ربط الأمة بِفُهوم السَّلَفِ الأخيار.

وأبان "فضيلته" أنه لن تخطو أمتنا شطر العِزَّة والمجد ورفيع الدرجات، ولن تَنْعَتِق مِمَّا هي فيه من الفتن والمعتكَرَات، وزَرِيِّ الاحترَابات، إلا باتباع ذوي الألباب الحصيفة السديدة، والنُّهى المَكِينَة الرشيدة، والذُّؤَابة من علماء الشريعة، الذين استَوْقَدُوا لِبِنَاء أوطانهم، مواهبهم وأذهانَهم، واسْتَنْفَرُوا للإبداعِ حَوَاسَّهم وأبدانهم، وللإخلاص والطُّهر، مشاعرهم ووُجْدَانهم، القائمون لله بحجته، خلفاء نبيه في أمته، فهم ورثة الأنبياء وَرِثُوا العلم.

ودعا "فضيلته" علماء الأمة إلى الحفاظ على هُوية الأمة الإسلامية ووحدتها ووسطيتها واعتدالها، وتعاهدها بالتفقيه والتوعية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والتصدي للشبهات المضللة والدعوات المغرضة، وفوضى تكفير المسلمين وتفسيقهم واستحلال دمائهم، وتقوية التواصل مع شباب الأمة لتعزيز نهج الوسطية بينهم، وتحذيرهم من التفرق والتحزب والمذهبية والطائفيةِ والتعصب، وتحقيق القدوة الصالحة لهم.

كما دعا شباب الأمة إلى معرفة قدر العلماء، والاعتصام بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة والحذر من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، والتمسك بنهج العلماء الربانيين فإنهم أعلم الناس بالمصالح والمفاسد، وتحقيق الخُيُورَات والمراشد، واجتناب موارد الفُرْقَة والنزاع والاغترار بالشعارات البَرَّاقة التي ترفعها بعض التيارات والانتماءات، دون أصل شرعي من كتاب أو سُنَّة، والحذرِ من إعطاء الفرصة للمجاهيل، وأنصاف المتعلمين في انتزاع ثقتهم بعلمائهم.

ووجه "فضيلته" دعوته إلى حملة الأقلام، ورُوَّاد الإعلام قائلاً: آزِرُوا العلماء، وتَحَرُّوا المصداقية والنقل الهادف، ولا تكونوا عَوْناً لأصحاب الفكر الضال، ببث رسائلهم، ونشر أخبارهم، بل أَرْسُوا القيم والأخلاق الإسلامية، وعَزِّزُوا الوحدة الدينية والوطنية، وَوَظِّفُوا الإعلام في نشر الوعي بحرمة الدماء، ومخاطر الظلم، والتصدي لمروجي الإشاعات والفتاوى الشاذة، ودعاوى الفتنة والطائفية، وآفة التطرف والإرهاب بكافة أشكاله وألوانه، وتبيان زيفه وكشف ضلال أتباعه، وبيان خطورته على حاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها.

ومضى الدكتور السديس يقول: إنه ليجدر بأبناء الأمة أن يَرْعَوا للعلماء حقهم، ويعرفوا لهم فضلهم، ويرفعوا مكانتهم وذلك: بمحبتهم وموالاتهم، واحترامهم، وتقديرهم: روى الإمام أحمد والحاكم من حديث عبادة بن الصامت, أن رسول الله قال: "ليس مِنَّا من لم يُجِل كبيرنا ويَرْحم صغيرنا ويعرف لعالِمنا حقه"، وقال الإمام الطحاوي: "وعلماء السلف من السابقين ومَنْ بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل"، ولقد كان العلماء أنفسهم يعرف بعضهم قَدْرَ بَعْض.

وقال فضيلته: مما يُؤَكَّدُ عدم الطعن عليهم أو القدح فيهم: فإن ذلك من مسالك أهل الضلال؛ لأن الطعن في العالِم ليس طعناً في ذاته فحسب، بل هو طعن في الدين، والعلم الذي يحمله، كيف وهم الموقعون عن رب العالمين؟ قال الحافظ ابن عساكر: "عادة الله في هتك أستار منتقصي العلماء معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه بَرَاء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، ومن أوقع لسانه للعلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".

ومن حق أهل العلم الرجوع إليهم والصدور عنهم، خاصة في النوازل والمستجدات، وعند حصول الفتن، ووضع الثقة بِهم: "وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" فهم أهل الدراية، لا سيما عندما تشتبه الأمور، وتلتبس الحقائق، ويكثر التشويش والخلط، حينئذ تُعْطَى القوس باريها ليقول أهل العلم قولتهم، والناس لهم تَبَع. قال الحسن البصري: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالِم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".

والتماس الأعذار لهم: والأصل عند أهل الإسلام التماس العذر لعامة الناس، فكيف بعلمائهم؟ يقول أمير المؤمنين عمر: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً".

كما يجب الحذر من تتبّع الزلات، وتَلَمُّس السقطات، وإبداء السوءات، والنفخ في الهنات، فالعالِم بَشَر غير معصوم.

وفي المدينة المنورة، تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة اليوم، عن التحكم في النفس ومحاسبتها, موصياً فضيلته المسلمين بتقوى الله تعالى عز وجل.

وقال فضيلته: "اعلموا أن فلاح الإنسان وسعادته بالتحكم في نفسه ومحاسبتها، ومراقبتها في كل صغيرة وكبيرة في الأقوال والأفعال, فمن حاسب نفسه وتحكم في أقواله وأفعاله وخطراته بما يحب الله ويرضى، فقد فاز فوزاً عظيما لقوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) وقال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) وقال تعالى: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ), قال المفسرون أقسم الله بالنفس التي تلوم على التقصير في الواجبات، وتلوم على اقتراف بعض المحرمات، فتلوم كثيراً حتى يستقيم أمرها".

وبين "فضيلته" أن المؤمن يحاسب نفسه ويراقبها ويقيمها على أحسن الأحوال فيحاسب نفسه على الأفعال، فيجاهدها في العبادات والطاعات ليأتي بها كاملة بكل إخلاص نقية سليمة من شوائب الابتداع والرياء والعجب بالعمل، مبتغياً بعمله وجه الله والدار الآخرة, كما أن المؤمن يحاسب نفسه ليعمل العمل الصالح موافقاً لسنة النبي - عليه الصلاة والسلام - مع الالتزام بدوام العمل واستمراره بلا ردة، ولا انقطاع لقوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).

وقال فضيلته: إن على المسلم أن يجاهد نفسه في الخطرات والواردات على القلب والوساوس، فإن مبدأ الخير والشر من خطرات القلوب ووارداتها, فإن تحكم في الواردات على قلبه ففرح بواردات الخير، واطمأن لها ونفذها أفلح وفاز, وإن طرد وساوس الشيطان ووارداته، واستعاذ بالله من وساوسه نجا وسلم من المنكرات والمعاصي.

ونبه فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، إمام وخطيب المسجد النبوي، من أن الحفظ من الذنوب لا يكون إلا برصد وساوس الشيطان أولاً، والاحتراز من نزغاته ووساوسه، مستدلاً بقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ), مشيراً "فضيلته" إلى أن عدم القرب من الفواحش بمحاسبة النفس عند أول أسبابها, فمن حاسب نفسه وجاهدها كثرت حسناته، وقلت سيئاته، وخرج من الدنيا حميداً وبعث سعيداً.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook