السبت، 18 شوال 1445 ، 27 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

خطيب المسجد الحرام: الرضا أساس الإسلام وقاعدة الإيمان وشرط شهادة التوحيد

خطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن محمد آل طالب
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - واس:

أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، الشيخ صالح بن محمد آل طالب، أن الشرع لا يهبط لمستوى تفريط الإنسان حتى يبرر له كسله وعصيانه، فالشرع لا يتبع هوى الناس، بل الشارع يطالبهم أن يرتقوا إلى عز الطاعة، ويعلوا إلى سمو التعبد, ولكن النفس وهي تتراخى عن العمل بالتدريج وتتفلّت من الواجبات وتنحدر عن قمة الامتثال شيئاً فشيئاً, لتحاول أن تجد لها تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيَها وتفريطَها، وهذه حقيقة نفسية معروفة.

اضافة اعلان

ودعا فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام، المسلمين إلى تقوى الله تعالى حق تقاته، والمسارعة إلى مغفرة الرب ومرضاته، وإجابة الداعي إلى دار كرامته وجناته، فإن العمر سريع الذهاب بساعاته وأوقاته, "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".

وأضاف: روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيدٍ الخدريُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَباً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِياً، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا علي يَا رَسُولَ اللهِ، فَفَعَلَ،... الحديث..

وأردف قائلاً: الرضا عمل قلبي يجمع القبول والانقياد، والرضا أساس الإسلام وقاعدة الإيمان وشرط شهادة التوحيد, قال الله عز وجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً), فأقسم الحق سبحانه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا الله ورسوله ويرتفعَ الحرجُ من نفوسهم من حكمه، ويسلموا له تسليماً، وهذه حقيقة الرضا بحكمه وشرعه, وقد أسند الحرج والاستسلام للنفس لا للقلب لحكمة دقيقة، وهي أن النفسَ مكمنُ الهوى والشهوات، والاحتجاج والاعتراض.

ومضى فضيلته قائلاً: من هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً) رواه مسلم, وقال أيضاً: (من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً، غُفِرَ له ذنبُه) رواه مسلم, وهذان الحديثان كما قال ابن القيم رحمه الله: عليهما مدار مقامات الدين، وإليهما تنتهي، وقد تضمنا الرضا بربوبيته سبحانه وألوهيته، والرضا برسوله والانقياد له، والرضا بدينه والتسليم له، ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصديق حقاً. وهي سهلة بالدعوى واللسان، لكنها من أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان، ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها. فالرضا بإلهيته يتضمن الرضا بمحبته وحده، وخوفه ورجائه، وإفراده بالعبادة وأن لا يشرك معه أحد لا بنذر ولا دعاء، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له. والرضا بربوبيته يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضياً بكل ما يفعل به مولاه.

وبين الشيخ آل طالب أن الرضا بنبيه رسولاً يتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يُحَكِمُ عليه غيرَه وأما الرضا بدينه فإذا قال، أو حكم أو أمر أو نهى: رضي كل الرضا، ولم يبقَ في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليماً، ولو كان مخالفاً لمراد نفسه أو هواها، أو قول مقلده وشيخه، وطائفته.

وقال: إن الرضا بالله هو والله عين العزة، والصحبة مع الله ورسوله، وروح الأنس به. من رضي بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً رسخت قدمه في التوكل والتسليم والتفويض، ومن رضي عن ربه رضي الله عنه، ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين, وينافي الرضا ويقابله: الاعتراض والكراهية لما أنزل الله، لبعضِه أو كلِه، فالرضا هو الاستسلام والقبول والانقياد، وضدُه الرد والاعتراض والإباء.

وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن أصل هذا الاعتراض هو اتباع الهوى والاستمداد من غير الوحي، والتلقي من غير الله ورسوله، فمن الناس من حكم العقل والرأي، وتتبع فلسفة التائهين، ومنهم من حكم الذوق والوجد والكشف، وتلاعب الشيطان بعقله فانتكس إلى حضيض الخرافة والوهم، ومنهم من بحث عن المصالح الدنيوية، وركن للأعراف الأرضية وتبع الهوى متذرعاً بالأقيسة والآراء لإباحة ما حرم الله وتحريم ما أحل، وإسقاط ما أوجب وتصحيح ما أبطل.

ورأى فضيلته أن سبب ذلك كله هو اتباع الهوى وعدم الرضا بالله ورسوله ودينه, ولهذا مُلِئَ القرآن الكريم بالتحذير من الهوى، بل إن من مقاصد الشريعة إخراج المكلف من داعية الهوى إلى اتباع الشرع وبهذا يحصل الابتلاء ويفترق الطائع عن العاصي والعابد عن الفاسق. قال تعالى: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض)، وقال سبحانه: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).

وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إن التزام شريعة الله وتحري طاعة الله هي قضية عقدية ومسألة إيمانية قبل أن تكون أحكاماً عملية وفروعاً فقهية. وإن سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك والتدين وسبيل الإصلاح. كما أن التفلّت من الطاعات والهرب من التكاليف والواجبات هو سبب التخاذل والتردي الذي تعاني منه الأمة.

وأكد أن الشرع لا يهبط لمستوى تفريط الإنسان حتى يبرر له كسله وعصيانه، فالشرع لا يتبع هوى الناس، بل الشارع يطالبهم أن يرتقوا إلى عز الطاعة ويعلو إلى سمو التعبد، ولكن النفس وهي تتراخى عن العمل بالتدريج وتتفلّت من الواجبات وتنحدر عن قمة الامتثال شيئاً فشيئاً لتحاول أن تجد لها تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيَها وتفريطَها، وهذه حقيقة نفسية معروفة.

وتابع فضيلته يقول: ألا وإن من أعظم أبواب الفتن في هذا الجانب، تتبع الخلافات الفقهية والاستدلال بشواذ الآراء وما لا يعتبر من الأقوال، حتى عطلت الأحكام باسم الخلاف، وانتهكت الحرمات باسم الخلاف، وانكسرت عزائم المتعبدين فكسلوا عن الطاعات، وانشغلوا بفضول المباحات، واجترؤوا على المكروهات وهي باب المحرمات، بل ولج بعض الناس في أبواب الحيرة والاضطراب بالاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص، فكلما تُليت عليه آية أو حديث أو ذكر له حكم تعلل بأن فيه خلافاً، وكأنما نسي أن الله تعالى أنزل علينا هذا الكتاب لنحكمه في الخلافات، قال سبحانه: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)، فوظيفة الكتاب هي الهداية ورفع الخلاف وبيان الحق، فنتعبد الله بتحكيم الوحي في الخلاف، لا أن نحتج بالخلاف على وحي الله, قال سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) فعَكَسَ المهازيل هذا المفهوم، وتحججوا بالخلاف لأجل الهوى، وهان عليهم الحرام إذ علموا أن في تحريمه مَن خالف, فأين الرضا والاحتكام إلى الله؟

واستطرد فضيلته قائلاً: إنها فتنة من فتن العصر، وإن من يتتبع الخلافات وشذوذ الأقوال يصنعُ لنفسه ديناً مليئاً بكل الشهوات، بعيداً عن مراد الله وهدي رسوله, فاتباع الخلاف هو طريق لاتباع الهوى، ومخالف للرضا, قال ابن حزم رحمه الله: (ولو أن امرءاً لا يأخذ إلا بما أجمعت عليه الأمة فقط ويترك ما اختلفوا فيه مما قد جاءت به النصوص لكان فاسقاً بإجماع الأمة) وقال ابن عبدالبر: (الاختلاف ليس حجة عند أحد علمته من علماء الأمصار) والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً). وشدد على أنه على الأمة أن تأخذ أوامر الله بجد وحزم، وأن تبتغي بها مراقي العز بعزم، وأن لا تنظر للأحكام على أنها تكاليف تحتال لها بالتخفيف، فإن أحكام الشرع مهما عظمت فهي ليست أثقالاً، بل هي أسباب قوة، كالنسر المخلوق لطبقات الجو العليا، ويحمل دائماً من أجل هذه الطبقات ثقل جناحيه العظيمين. والله تعالى يقول: خذوا ما آتيناكم بقوة, يا يحيى خذ الكتاب بقوة.

وقال الشيخ صالح آل طالب: مما ينبغي أن يتعلمه الناس ويبثَّ فيهم نداءات الإيمان، ومواعظُ القرآن، ومعاني الورع والعفةِ والتقوى والخوفِ من الله ومراقبته, قال جندب بن عبدالله رضي الله عنه: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، فازددنا به إيماناً رواه ابن ماجة, وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورةٌ من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبداً، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده.. الحديث. فالرضا بالله وبدينه ورسوله تمام الإيمان، والإيمان تمام الرضا.

وأوضح أن الإيمان يقين يسكن الأعماق. ومعرفة الله لها مذاق حلو يطبع النفوس على النبل والتسامي ويصفي النفوس من كدرها، إنه شوق إلى الله ومسارعة إلى مرضاته، وأن الإيمان ينفح القلب نوراً ويملأ الصدر سروراً، وأي إيمان فوق الطمأنينة بالله، والركون إليه وامتلاء القلب به وحده دون سواه.

وأبان فضيلته أن أصح القلوب وأسلمها، وأقومها وأرقها، وأصفاها وأقواها وألينها من اتخذ الله وحده إلهاً ومعبوداً وأخلص القلب له دون سواه، واطرح لأجل الله هواه: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) وإسلام الوجه لله هو إقبال العبد بكليته على الله وإعراضه عمن سواه، والخضوع لإرادته والتذلل لعظمته وكبريائه، والإيمان بوحدانيته وشريعته، وبه يكون كمال الإيمان وتمامه.

وبين فضيلته أن الخوف من الله: سراجٌ يضيء في حنايا القلوب، ومشعل نور تتلمس به سلامة الدروب، والتوقي من المزالق والحذر من المحارم: سجية المتقين وعنوان المؤمنين, وعند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح، وإذا أقبل العبد إلى الله أقبل الله بقلوب العباد إليه, قال سفيان الثوري: (عليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك يسلم لك دينُك. وقال الضحاك: أدركت الناس وهم يتعلمون الورع، وهم اليوم يتعلمون الكلام والجدل, فارضوا بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً، تذوقوا طعم الإيمان ويرضى الله عنكم ويرضيكم.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook