الجمعة، 17 شوال 1445 ، 26 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

أيها الكتبة إنه سماحة المفتي

وليد الرشودي
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
بسم الله الرحمن الرحيم   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه وبعد: فإن الله تعالى قد تعهّد بحفظ دينه حفظاً لشريعته ونصرة لأوليائه، ومن صور حفظ الله لدينه قيامُ علماء يُبينون دِين الله، ويعملون بالميثاق الذي أخذه اللهُ عليهم (وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) فيقوم هؤلاء العلماء الربانيون بهذه المهمة؛ فيحفظ الله بهم دينه، كما في الأثر: يحمل هذا العلمَ من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالِين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ولحفظ مقام الشريعة والعلم؛ جعل الله توقير أهل العلم وإجلالهم من الدين، فأمر بالرجوع إليهم، ولا تكون براءة العبد فيما أشكل عليه من دينه إلا بسؤالهم (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم مبيناً أهمية أهل العلم (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعلمنا حقه) اقرؤوا، يا رعاكم الله، ليس من أمته صلى الله عليه وسلم من لم يحقق هذه الثلاث، فكيف بمن يهزأ بالعالم ويقلل شأنه ويرسم له طريقته ويحدد له عمله! إن الشريعة هي مَن حددت للعالم عمله، ورسمت طريقه وأعلت شأنه، لا لذاته ولا لنسبه ولا للونه، وإنما بما حصّله من العلم، اقرأ معي ما كتبه الألمعي الشاطبي عن مقام المفتي فيقول: المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم. والدليل على ذلك أمور: أحدها: النقل الشرعي في الحديث: إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورّثوا العلم. وفي الصحيح: بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت حتى إني لأرى الريّ يخرج من أظافري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله ؟ قال: العِلْم، وهو في معنى الميراث. وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - نذيراً لقوله (إنما أنت نذير) وقال في العلماء (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم الآية، وأشباه ذلك. والثاني: أنه نائب عنه في تبليغ الأحكام، لقوله: ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب. وقال: بلِّغوا عني ولو آية. وقال: " تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم ". وإذا كان كذلك، فهو معنى كونه قائماً مقام النبي. والثالث: أن المفتي شارع من وجه؛ لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها، وإما مستنبط من المنقول، فالأول يكون فيه مبلغاً، والثاني يكون فيه قائماً مقامه في إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع، فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتباعه والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق، بل القسم الذي هو فيه مبلغ لا بد من نظره فيه من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية، ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام، وكلا الأمرين راجع إليه فيها، فقد قام مقام الشارع أيضاً في هذا المعنى، وقد جاء في الحديث: " أن مَن قرأ القرآن، فقد أُدرجت النبوة بين جنبيه ".   وعلى الجملة فالمفتي مخبِرٌ عن الله كالنبي، وموقّع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي، ونافذ أمرُه في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي، ولذلك سُموا أولي الأمر، وقُرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) والأدلة على هذا المعنى كثيرة أ-ه.ـ ولأذكّر بمقولة ابن القيم وغيره رحمهم الله: إن المفتي موقّع عن رب العالمين. وبعد فما سبق إيجازٌ عن أهمية العلماء ومقام المفتين وخطورة الهمز واللمز بهم والتقليل من شأنهم أرقمه في وقت انبرت أقلام وتحركت مفاتيح حواسيب تغرد في النيل من مقام الفتوى، بل وأجرأ من ذلك في تطاول فجّ على مقام سماحة المفتي في أحرف عوجاء لو قرأها كاتبُها لاستحى منها؛ أحرفٌ تحدد وظيفة سماحته وترسم صلاحياته! ناهيك عن تأويل كلامه بما يتفق مع هواهم، وليعلم كل مسلم أن مقام الإفتاء والمفتين في ديننا عظيم، ومهمة المفتي العام أعظم. فبِه، أي سماحة المفتي العام، تجتمع كلمةُ العلماء على كلمة سواء، وبه يترجّح القولُ عند الخلاف. وبه تصدر الأمة عن رأيه في أمور عباداتها ومعاملاتها، وبه ترسم السياسة الشرعية، وبه تفند شُبه أهل الأهواء، إنها وظيفة عظيمة جليلة ثقيلة، لا يعرف قدرها إلا مَن نال من العلم حظاً. ولتعرف مقام المفتي؛ انظر لماذا يتهافت المبطلون من الغلاة – قاعديون أو داعشيون – والتغريبيين على النيل من مقام سماحته، فتذكر طعن ابن لادن والظواهري والبغدادي كلهم بسماحته وتخوينهم له، وانظر في المقابل ما يكتبه التغريبيون في أقلام مسمومة تنال من مقامه في مقالات وتغريدات ورسوم ساخرة، والهدف من الجميع هو إسقاط رمزيته وإنهاء مرجعيته؛ ليصبح الناس في فوضى علمية لا خطام لها ولا زمام، ليصدر أولئك رؤوساً جهالاً كما نراهم في بيانات وخطابات أهل الغلو، وكما نشاهدهم ونقرأ لهم في قنوات وصحف ومواقع التغريبيين. وثمة أمر مهم أن ارتباط المملكة العربية السعودية بالشريعة ارتباط الرجل بنَسبه، وبهدم المرجعية العلمية الممثلة بسماحة المفتي تهدم شرف قيام المملكة بتطبيق الشريعة، ولذا فهمت المملكة، أعزّها الله بدينه، خطورةَ وأهمية مقام الإفتاء فأعطته المكانة اللائقة به، ونصت أنظمتها على احترامه بل جرّمت الأنظمة النيل من مقام المفتي أو التعرض له بالباطل. وفي الختام، إن أردنا أن تستمر لُحمتنا وتدوم وحدتنا ولا ينخرم عقدُ اجتماعِ كلمتنا ويقوى صفُّنا؛ فلنحافظ على سبب ذلك في توقير للعلماء، كما ننادي بحفظ مقام مَن ولاه الله أمرَنا وتحمّل أمانة رعايتنا، ومتى استهترت الأمةُ بمقام الأمراء والعلماء وحاولت كتابة في إحداث شرخ بينهما؛ فالأمر ستكون عاقبته وخيمة لا قدر الله. وعلى العاقل أن يُقدّر الزمان قدره، وأن يعرف عظيم نعمة الله عليه بهذا الدين العظيم والبلد الأمين.   اللهم احفظنا وجنّبنا الفتن وأدِم فضلك ورحمتك علينا. وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.اضافة اعلان
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook