الجمعة، 17 شوال 1445 ، 26 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

رمضان ومعادلة التغيير المنشود

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

الغاية الكبرى من الصوم كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه هي التقوى, وجاء النص على ذلك في قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[البقرة:183]. إذًا القرآن يبين أن الصيام فُرِضَ لكي نتقي الله، ولم يفرض لتعذيب النفوس ولا تجويعها، بل لتربيتها وتزكيتها، ولينها ورقتها, فتقوى الله ليست إلا القدرة على الإمساك بزمام النفس وتسخيرها فيما يرضى ربنا سبحانه وتعالى. ولعل هذه اللفتة تحديدا تغيب كثيرا عند الحديث عن رمضان والصيام وعلاقة ذلك بالتقوى, إذ نتوقف في مفهومنا للتقوى عند حد اجتناب المعاصي, فيما هي أبعد من ذلك في معناها الذي يشمل التسخير الكامل للنفس في طاعة الله, ومن ضمن ذلك البعد عن المعاصي. إن رمضان يضع الإنسان أمام تحدي حقيقي, ليرى ماذا يصنع, فهو يمنحه فرصة لمدة 30 يوما للتدريب على الإمساك بزمام النفس وتوجيهها, حتى في جانب الحلال, فلسان الحال أن الإنسان يستطيع أن يمتنع عن الحلال والحرام ومن ثم يستطيع السيطرة التامة على تلك النفس في كل مراداتها ورغباتها. ويروض رمضان النفس للإنسان كي يمكنه من السيطرة التامة عليها, فهو يغير من كل العادات التي اعتادتها النفس في المطعم والمشرب والشهوة والنوم, وغير ذلك, مما هو مألوف ودارج للنفس, ويقودها من باب الطاعة لتسلم قيادتها للإنسان. وهذا التدريب يستمر لأكثر من 30 يوما متصلة والتغيير الحقيقي يجب أن يكرَّر على التوالي من ست إلى واحد وعشرين مرة ليحدث تغييرًا ناجحًا في حياتك، وهكذا في كلّ مشكلة اعتدت عليها كالتدخين، أو الغيبة، أو الغضب، أو النظرة المحرمة مثلاً. ويروض رمضان كذلك البيئة المحيطة, فالشياطين محبوسة مسلسلة, والأجواء الإيمانية شائعة ومنتشرة, وهو من أشد ما يمكن أن يعين الإنسان على التغيير, إذ البيئة المحيطة شديدة التأثير على حياة الإنسان إيجابا وسلبا, وقد غيرها رمضان إلى بيئة ايجابية معاونة. ويخلق رمضان حافزا ضخما للإنسان يدفعه نحو التغيير, فالحسنات مضاعفة, والأجور متزايدة, فهو شهر ((تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاء، وتغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتغلُّ فيه مردةُ الشياطينِ، للهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، مَنْ حُرِمَ خيرَهَا فقد حُرِمَ))[ النسائي (2105): , وصححه الألباني]. وقال الحسن البصري - رحمه الله -:"إن الله جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا. فالعجبُ من اللاعب الضاحك، في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون". إذن معادلة التغيير كلها تحت السيطرة في رمضان, النفس, والبيئة, الحافز, وكلها تدعم الإنسان كي يأخذ بزمام المبادرة ويسعى بإرادة قوية نحو التغيير الذي ينشده, والذي لا يستطيع أو لا يتمكن من التغيير في رمضان فإنه في غير رمضان, التغيير عليه أصعب وأشق.

اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook