السبت، 18 شوال 1445 ، 27 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

التركيز يصنع المستحيل

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

النجاح لا يأتي عرضاً، وحين يأتي بهذه الطريقة فإنه سرعان ما يزول، لأن النجاح في حقيقته تركيز للجهود، واستمرارية فيها.

اضافة اعلان

والتأمل في سير الناجحين في الحياة – أياً كانت دياناتهم أو بلدانهم أو مجالات عملهم – يجعلك توقن بأن النجاح ليس ضربة حظ، وليس نشاطاً مفاجئاً ، بل هو عمل دؤوب ومستمر، لا يعرف الكلل ولا الملل، يمضي فيه المرء سنوات متتالية وهو يعمل ويعمل و يعمل،  وليس النجاح عملية تذوق للمجالات، وتخبط فيما بينها، فذلك مثله مثل "المنبتّ" الذي لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى .

وسأستعرض في مقالي هذا أربعة أمثلة لناجحين حققوا أرقاماً عالية، وأحدثوا أثاراً كبيرة وواضحة، من جراء عامل يجمعهم، هو "التركيز، والاستمرار"، وحرصت في اختيار تلك الشخصيات، أن يكون اثنان منهما من بيئتنا الإسلامية القريبة، وأن يكون الاثنان الآخران، من البيئة الغربية المختلفة عنّا، كما تعمّدت أن تكون الشخصية الأولى من كل بيئة متوفاة، والأخرى على قيد الحياة.

ولنستعرض تلك السير على عجّل، مع التعريج على نقطّة التركيز، والإنتاج الثري بناء على ذلك التركيز.

فأما الأمثلة المأخوذة من بيئتنا، فإن الأول منهما هو : الإمام محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- حيث يجد المتأمل لسيرته أن التركيز هو سمته الواضحة، والجلية، فهو قد تخصص في مجال السنة النبوية، وبشكل أدق في فحص الأسانيد، وتقييمها، وتتبعها، وتقييم رجال الحديث، ومعرفة العلل، وأمضى ما يقارب الستين عاماً من عمره في ثنايا تلك الكتب قارئاً ومتفحصاً ومدققا ومعلماً، مما جعله مرجعاً للأمة في مجاله، ولذا فليس عجيباً أن يكون نتاجه : أكثر من ثلاثمائة مؤلّف، بين تأليف وتخريج وتحقيق وتعليق، وبعض تلك المؤلفات تقع في مجلدات عديدة وضخمة، مثل : سلسلة الأحاديث الصحيحة، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، وصحيح الجامع الصغير وزيادته، وضعيف الجامع الصغير وزيادته، بالإضافة إلى صحيح الكتب الأربعة (النسائي، الترمذي، ابن ماجة، أبوداوود)، وضعيفها.

وأما الثاني فالمحقق العراقي بشار عواد معروف العبيدي ، وهو مفكّر ومؤرخ متخصص في تحقيق المخطوطات، حيث حصل على شهادة البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه في مجال التاريخ، أما نتاجه العلمي، المبني على التخصص في التاريخ والمخطوطات، فقد أثمر عن تأليف أكثر من سبعة عشر كتاباً ، وتحقيق ما يزيد عن اثنين وعشرين كتاباً في أكثر من مائة وثلاثة وثلاثين مجلداً ضخماً، تعتبر من أمهات الكتب، كما نشر أكثر من ثلاثين بحثاً علمياً، وراجع أكثر من أربعة وثلاثين كتاباً .

وأما الأمثلة المأخوذة من البيئة الغربية، فإن أولهما هي : الروائية البريطانية الشهيرة  أجاثا كريستي، فإنها عند بلوغها سن الخامسة والثمانين كانت قد ألفت خمسة وثمانين كتاباً  منها ستة وستون رواية بوليسية، و أربعة عشر  مجموعةً قصصيةً. إضافةً إلى عددٍ من المسرحيات. بيع منها أكثر من ملياري نسخة على مستوى العالم، ولذا فقد أدرجت موسوعة غينيس للأرقام القياسية أجاثا كريستي باعتبارها الروائية الأفضل بيعًا على الإطلاق، كما أن أعمالها تحل في المرتبة الثالثة في تصنيف الكتب الأكثر انتشارًا في العالم، بعد أعمال شكسبير والإنجيل فقط. ووفقًا لمؤشر الكتب المترجمة، تحتل كريستي المرتبة الأولى كأكثر كاتبة منفردة ذات أعمال مترجمة، بعد ترجمة أعمالها إلى مائة لغة على الأقل، ولذا فقد استند أكثر من ثلاثين فيلمًا من الأفلام الطويلة إلى رواياتها.

وأما الثاني: فهو  المتحدث التحفيزي والمؤلف في مجال التنمية الذاتية، براين تريسي ، الذي عمل في ما يقارب الثمانين  دولة خلال ثمان سنوات، مرّ فيها على  ست  قارات في العالم،  ، وألّف أكثر من سبعين كتابًا تُرجم إلى عشرات اللغات، كما حقق أربعين من تلك الكتب التي ألفها لقب (أفضل الكتب مبيعاً)، فضلاً عن عدد كبير من المقالات، والنصائح، والبرامج الإعلامية، التي ترجمت لأكثر من 24 لغة.

ولمعرفة أثر التركيز، فإن علينا أن نعلم أنه براين تريسي بتسجيل محاضراته الصوتية في مجال التنمية البشرية في عام 1981 ، وخلال خمس وعشرين  عاماً  أصبح لديه أكثر من ثلاثمائة  برنامج تدريبي مرئي (فيديو)، كما أنه أصبح يقوم – في كل عام - بتدريب ما يزيد عن ربع مليون متدرب.

إن هذه النماذج المشار إليها ليست إلا عيّنات فحسب، وإلا فإن استعراض حياة الكثير من الناجحين والناجحات، سيثبت لنا جميعاً بأنهم اتخذوا قراراهم الحاسم بالتركيز، ثم انطلقوا نحو العمل المركز ردحاً من الزمن، فظهرت آثار قرارهم نجاحاً وتميزاً.

أتمنى أن يثير هذا المقال في أنفسنا الكثير، وأن يدفعنا نحو تتبع سبل النجاح والسير عليها، وأن يلهمنا التركيز والاستمرار لنصنع أثراً باقياً ، وعملاً عظيماً .

دمتم بخير.

محمد بن سعد العوشن
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook