الجمعة، 17 شوال 1445 ، 26 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

العفو بانتقام

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

أحرص في نهاية كل عام على تحليل حساباتي في الشبكات الاجتماعية ، وأتأمل التغيرات التي طرأت على طرحي تارة وتفاعلي مع الآخرين تارة أخرى وأحاول ربطها بالظروف التي مررت بها حينها وكيف يمكن أن أتفادى ذلك، وتنبهت في نهاية هذا العام أنني انفعل بشكل مبالغ فيه في ثلاثة مواضع، وأولها هو الذي يترك في قلبي مساحة أسى عظيمة لا أملك أن أعبر عنها بما يكفي، ذلك حينما (يزخرف المسيء هواه بكلمات التقوى المضيئة، ويداري حلكة في أعماقه بقبسات الوحي الإلهي) وفكرت أن أشرحها في مقال فلم أجد كلمات تصفها، ثم تصادف أن قرأت صفحات من كتاب (المرقاة) لصاحبه (سليمان العبودي) عبر عنها بطريقة جعلتني أحمد الله أني لم أكتب ذلك المقال!

اضافة اعلان

كنت أرى الصورة من زاوية واحدة ولكن العبودي جعلني أدرك أنني لست بمنأى عن ما كنت أغضب منه، حيث تحدث عن رسالة وصلته على بريده الإلكتروني من شخص مجهول، صاغ رسالته بحروف متعالية نزلت على العبودي وكأنها صاعقة سماوية، كشف صاحبها عن جانب شديد الحلكة في قلبه متسترا خلف جدار المجهولية دون أن يدرك أنه هتك ستره بـ(كلمة) كتبها في السطر الأخير، كان قد عرف باستخدامها بين أقرانه، حيث دمرت تلك الكلمة كل ما بذله من جهد في تغيير أسلوبه لئلا ينكشف أمره ويواصل تظاهره بالنقاء في صفحته المفعمة بالتعابير الودودة!

هذا الموقف مر على كثير منا كما مر بالعبودي، صدمة أن تكون مجتهدا في إيصال رسالتك ومحتفيا بصحبة طيبة حولك تأنس بقربهم، وتحسن الظن بهم، وتعلق الآمال بأنهم سيكونون صاحب المسك الذي يفوح مسكه في الأرجاء، ثم تصعق برسالة من أحدهم أو فعل يكشف لك عن جانب شديد الحلكة في قلبه، تتمنى من شدة الألم أنك بقيت على جهلك.

هنا يطرح العبودي الأمر من زاوية أخرى، حيث ينتشلك من الغرق في دور الضحية، ليكشف كيف أن هذه الخيبة وما يصحبها من ألم الإهانة يجعلنا ننفعل بطريقة متهورة لا تليق بنا، والأسوأ أننا نعمد إلى تغليف ردودنا بطريقة تتيح لنا أن (نفوز بلذة الانتصار للنفس دون أن تفوتنا أبهة الغافر وصولجان الحكيم)، نتجه إلى طريقة ردود نناقض فيها أنفسنا ونقع فيما نعيب به ذلك المسيء، فنزخرف أهوائنا بزخرفة التقوى وندعي العفو دون أن نشعر أنه إنما كان (عفوا بانتقام)!

كلمات العبودي عرضت حيلة نفسية نقع فيها دون أن نشعر وهي أننا أحيانا نجنح إلى شرعنة الخوض في الجدليات التافهة وننفخ بالون العراك الصغير ببعض الأدلة الشرعية والحجج المنطقية، لنبرر لأنفسنا دفاعنا عن ذواتنا المقدسة، وإن لم نتنبه لضرر مثل هذه الحيل، فسينتهي الأمر بنا لأن نجعل من ذواتنا أصناما، نرتج حينما لا يرحب بنا في مكان ونغضب حينما لا تحظى آراؤنا في الشبكات بالقدر اللائق من الإعجاب، ونحزن حينما لا يؤيد مشاركاتنا في مجموعة الواتساب من أعضائها أحد!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[email protected]

 Twit: @hindamer

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook