صالح شاب عربي تخرج في الثانوية العامة، وكان يريد دخول الجامعة ودراسة الهندسة... ولكنه أمام إصرار شديد من والده الذي لا يرى تأمين المستقبل إلا في العسكرية!! ولا يرى الرجولة إلا فيها!! بل ولا يقبل في ذلك أي نقاش!!.... لأنه ببساطة لا يعرف لغة الحوار.... قرر صالح أنه ليس أمامه إلا الانقياد لرغبات والده.... فذهب صالح إلى الفحص الأولي في الوظائف العسكرية ورسَب في الوزن؛ حيث كان وزنه 130 كيلو وكان أعلى المسموح لطوله 100 كيلو فقط.. فرِح صالح بذلك؛ لعله يجد عذراً مقنعاً يتخلص به من إلحاح والده... ولكنه فوجئ أن والده يطلب منه أن يُنزل وزنه 30 كيلو خلال شهرين!! ويسوق كثيراً من الأدلة في ذلك: شوف ولد فلان!! وولد فلان!! و"أمام الرجل ليس هناك مستحيل"...إلخ... وأخيراً تقبل صالح التحدي مرغماً عنه.... وامتنع عن الأكل نهائياً إلا عن السوائل وقطعة من الخضراوات والجري والمشي يومياً.... ولكن الوزن لم ينزل كثيراً في أول شهر، فاستشار أصدقاءه من حوله؛ فأشاروا عليه بـ"حارق الدهون" وهو مركبات خطيرة يدخل فيها الثيروكسين الذي يضعف القلب وقد يسبب ارتفاعاً في الضغط واختلالاً في نبضات القلب.... وبعد استعمالها بأسبوعين أُدخل صالح إلى المستشفى بفشل في القلب وعلى الرغم من وضوح معاناة صالح لكل ذي عقل... إلا أن الجاهل عدو لنفسه ولأبنائه.... فطلب الأب من صالح أن يغادر المستشفى ويترك علاجات الأطباء ويذهب إلى من "يكويه" حيث تم كيّه 13 كيّة متفرقة حول القلب وفي الظهر لمعالجته؛ وتدهورت صحة الولد من جديد وأُدخل العناية المركزة!!
هذه الواقعة فتحت أبواباً كثيرة من التعجبات وعلامات الاستفهام:
أتعجب كثيراً من إصرار الوالد وتعنته وتسلطه على ابنه حتى في صحته!
وأتعجب كذلك من انقياد الابن وشخصيته المسلوبة نهائياً أمام تصرفات والده!
وأتعجب من سكوت من حوله (الأسرة، المشرف الاجتماعي في المستشفى) عن تدهور حالة الابن!
بلا شك إن الوالد أساء إلى ابنه وسيلاقي مَن سيسأله وسيحاسبه على ذلك في الدار الآخرة (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) ولكن يجب علينا كمجتمع وأسرة صغيرة ومرشدين اجتماعيين في المدارس والمستشفيات وممثلي جمعية حقوق الإنسان أن نحارب هذه الظاهرة ونبلغ الجهات المسؤولة عن هذه الحالات... فكما أن للأب حقوقاً فعليه واجبات يجب أن يقوم بها ويحسن في ذلك.
