الثلاثاء، 09 رمضان 1445 ، 19 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

منهجية الحسن في صلاح الأمة وجمع الكلمة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

لا يخفى على كل غيور على هذه الأمة ما آل إليه أمرها من انفراط العقد، وذهاب البأس، واقتتال وفساد ذات البين الذي وصفه نبي الأمة بأنه الحالقة لا تحلق الدين بل تحلق الشعر.

اضافة اعلان

ولعل هذه الحالقة هي من أبرز المفاسد التي جرت على الأمة، وأجرت دماءها أنهاراً في كل صقع، فلا غرو حينئذ أن يأتي المدح لهذا الابن البار الذي أصلح الله عز وجل به بين فئتين عظيمتين من المسلمين!

إنه الحسن بن علي رضي الله عنهما! نعم الحسن الذي قال عنه نبينا: ((إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ)). (البخاري: 2704).

ومن لنا بمثل الحسن ومنهجه وسيرته، فهو أول خليفة يتنازل عن منصبه ويخلع نفسه طواعية، ومن مركز قوة لا من مركز ضعف؛ من أجل إصلاح ذات بين المسلمين، وتجنب إراقة دماء المسلمين، ويقابله الرضا وطيب النفس واللطف من معاوية رضي الله عنه.

ففي السنة الأربعين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم صار الحسن بن علي رضي الله عنهما خليفةَ المسلمين؛ حيث بايعه الناس بعد استشهاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فنازعه في الخلافة معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما، وكادت تحدث مقتلة عظيمة بين المسلمين.

قال الحسن البصري: اسْتَقْبَلَ - وَاللَّهِ - الحَسَنُ بن علي مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لاً تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عبدالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعبداللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولا لَهُ: وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلا عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالا لَهُ: فَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عبدالمُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا، قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شيئاً إِلَّا قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ.

وقال الحسن رضي الله عنه في خطبته التي أعلن فيها عن تنازله عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه: إن سبب تنازله عن الخلافة هو إرادة صلاح حال الأمة، وحقن دمائها، والحفاظ على بيضتها أن يستبيحها العدو الغادر.

قال الحسن: "إِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وَإِنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقّاً لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَحَقْنِ دِمَائِهِا، أَوْ يَكُونُ حَقّاً كَانَ لِامْرِئٍ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأنبياء: 111].

وكان من ثمار هذا الصلح أن حقن الله به دماء المسلمين، وجمع كلمتهم على إمام واحد بعد سنوات من الفرقة، وسُمي ذلك العام بعام الجماعة، وهو من الأحداث العِظام في تاريخ الأمة الذي يغفل عنه قادة اليوم وساستها.

إن الحسن لم ينظر إلى جانب الحق وفقط، وقد كان في جانبه، ولكن نظر كذلك إلى صلاح الأمة، وحقن دمائها، فآثره على حقه المطلق في الخلافة، فحفظ الله به الأمة، ولو بين ظهرانينا مثل الحسن لكان لهذه الأمة شأن آخر.

فاللهم ارزقنا حسناً كالحسن بن علي.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook