الجمعة، 17 شوال 1445 ، 26 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

لا تشوهوا جمالها!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

تقدم بعض وسائل التواصل الاجتماعي نظرة سلبية تجاه العلاقة بين الزوجين، والحياة الأسرية عموماً! كثير منها يعرض في صورة نكات أو طرائف، الهدف الظاهر منها هو الضحك والتسلية. ولكن هل هذه الرؤى بريئة كبراءة ضحكاتنا ونحن نقرأها ونشارك فيها أقرباءنا وأصدقاءنا؟!

اضافة اعلان

كثير من هذه الطرائف تقدم مواقف طبيعية، وسلوكيات فطرية، ترتبط بالرجل أو بالمرأة، إما كصفة ولدوا بها، أو أنها تعد من ردود الفعل الطبيعية لكل من الجنسين في أوقات معينة، كالسفر، أو الدعوة إلى مناسبة، أو التسوق، أو الطعام، وغيرها. لكن المشكلة في البناء التركيبي لتلك الطرائف هو أنها تقدم تلك السلوكيات الطبيعية في قالب يستحث النفوس لتفسرها بشكل غير طبيعي! هذا فضلاً عن المقارنة غير العادلة بين الشعوب وتمييز أفرادها عن مجتمعنا، شكلاً وجمالاً واهتماماً ووعياً وغيرها.

ومن المعلوم أن لهذه الرسائل السلبية آثاراً خطيرة عندما تتقبلها العقول أو تتشربها القلوب على مستقبل الحياة الزوجية لدى الشباب والفتيات، سواء كانوا على أبوابها، أو في بداياتها. فكثيراً ما نسمع من الشباب أو الفتيات عبارات تزهيد في الزواج، تظهر في تأخير سن الزواج لأعذار لا ترتبط بالقدرة المالية، أو النضج، أو الاستعداد! لكنها في الغالب نفور من "قيد" حتمي، كلما تأخر كلما خف الحمل عن كاهل من يحمله.

وحينما يرضخ الشاب أو الفتاة للواقع "المر" الذي رسمته تلك الصور السلبية عن الزواج، فإنهما ينظران للزواج على أنه بناء هش، ضعيف الأركان، هزيل البنيان، غير قادر على الصمود أمام المشكلات اليومية، ولا تحمل الخلافات الطبيعية التي لم يخلُ منها ولا بيت النبوة. وما ذاك إلا لأن العقول تبرمجت على السلبية الطاغية، فتبعتها القلوب تبعية عمياء؛ فلم تتعلم كيف تتعامل مع تلك العوارض اليومية بالطرق المناسبة. حتى إنه قد غاب عن بعضهم مفهوم "ملح الحياة الزوجية" التي كانت توصف به المشكلات العارضة بين الزوجين، التي ما إن تزول، حتى يعود الود والاشتياق بينهما أكبر مما كان قبلها.

لن أكون مبالغاً إن قلت إن معظمنا يصله ما لا يقل عن نكتة يومياً على الوتساب من هذا النوع من الطرائف المشوِّهة لجمال صورة الحياة الزوجية، فضلاً عما نقرأه مصادفة في مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.

تستثير هذه النكات بمجرد قراءتها في أذهاننا شيئاً من المقارنة بين ما نعايش وبين المبالغة التي تصورها تلك النكات. أحياناً، نقع فريسة لهذه النكات دون أن نشعر، حيث تستقر الصورة السلبية في أذهاننا، ويبدأ الشيطان في عقد مقارنات بين السلوك المثير للضحك في تلك النكتة وبين ما نعيشه. ولأن البشر متشابهون كثيراً في التفاصيل الإنسانية لحياتهم الخاصة؛ فإن الصورة السلبية الكبرى التي رسمتها النكتة قد نسقطها على حياتنا، ونبدأ - دون شعور بذلك غالباً - في النظر إلى شريك حياتنا على أنه نسخة من الشخصية التي تسخر منها النكتة، والتي لا تسلم من المبالغة!

في الأخير، تستقر هذه الصورة تدريجياً في الذهن (أو العقل الباطن)، ثم تزداد الصورة قتامة يوماً بعد يوم، ونكتة بعد نكتة؛ فتصبح بعدها نظرتنا للحياة الزوجية سلبية قاتمة. وما ذاك إلا لأننا سمحنا لجزئيات تلك الصور السلبية الصغيرة بالتراكم داخل عقولنا تدريجياً حتى غزتها. فإذا بنا نجد أنفسنا قد طمسنا معظم الإيجابيات مع شريك حياتنا، وحولنا الصورة الجميلة إلى صورة مشوهة، نحتكم إليها في تفسير معظم المواقف التي نمر بها!

د. محمد بن عبدالعزيز الشريم

@mshraim

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook