الخميس، 01 ذو القعدة 1445 ، 09 مايو 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

هادم البيوت .. أسباب وحلول !

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

كلمةٌ من الكلمات أبكَت عيون الأزواج والزوجات، وروَّعَت قلوب الأبناء والبنات، هي كلمة صغيرة، ولكنها عظيمة خطيرة ، كم فرَّقت من شمل للبنات والبنين، وقطعت من أواصر للأرحام والمحبِّين والأقربين! يا لها من ساعة حزينة، ومصيبة أليمة! ، يفرح بها الشيطان ، ويكرهها الرحمن ... ففي صحيح مسلم عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ إبليس يضَع عرشَه على الماء، ثم يَبعث سراياه، فأدناهم منه مَنزلة أعظمهم فِتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثمَّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت))، قال الأعمش: أراه قال: ((فيلتزمه))

اضافة اعلان

مما يقلق ويحزن كل مسلم ارتفاع نسب الطلاق والفراق في كثير من الدول العربية والإسلامية، وبالمقابل ارتفاع سن الزواج وكذلك انخفاض نسب الزواج ، وليس ما أقوله هنا نوعاً من المبالغة والتضخيم ، بل هي إحصائيات رسمية منشورة وسأذكرها مع مصدرها لمن أراد الرجوع لها ، ففي موقع هيئة الإحصاء السعودية لعام 2020 ذكروا ارتفاعاً في معدل الطلاق بنسبة 8. 13%للسكان السعوديين في هذا العام ، كما ذكروا وفقاً لبيانات السجلات الإدارية لوزارة العدل أن عدد عقود الزواج 150117 عقداً.

وبلغ إجمالي عدد صكوك الطلاق 57595 صكًا ، وذكرت صحيفة الوطن في عددها الصادر بتاريخ 17 / 6 / 1443 (أن الطلاق في الدول العربية بات ظاهرة واضحة، فإضافة إلى 7 حالات طلاق تقع كل ساعة بمعدل 162 حالة يوميا في السعودية، تسجل تونس 940 حالة طلاق شهريا بمعدل 4 حالات كل 3 ساعات، وفي العراق 62 ألف حالة طلاق سنويا، وفي الجزائر ارتفعت حالات الطلاق إلى 64 ألف حالة سنويا أي بمعدل حالة كل 12 دقيقة، وفى الأردن 14 ألف حالة طلاق سنويا...) وفي صحيفة صدى البلد المصرية بتاريخ 11 مايو  2022 ذكروا (أن حالات الطلاق وصلت إلى حوالي 213 ألف حالة في عام 2020 بواقع حالة كل دقيقتين، الأمر الذي يؤكد أن "هذه الظاهرة زادت في السنوات الأخيرة وتمثل تهديدا للواقع الاجتماعي في بلدنا".) وهذا يبين أن هذا الموضوع يتلظى بعواقبه كثير من المجتمعات ، فيجب على كل من له مقدرة أن يساهم في علاجه والتخفيف من أضراره ومعرفة مسبباته ، ولعلي أذكر شيئاً منها مع ذكر العلاج مُضَمنا مع السبب

فأول الأسباب وأكبرها خطراً هو ضعف استشعار عظمة هذا العقد، (عقد الزواج) وانظر لقوله تعالى ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ قال الشيخ ابن عثيمين ( الميثاق: العهد، والغليظ: المشدَّد أو الشديد؛ أي: أخذن منكم ميثاقًا غليظًا وذلك بعقد النكاح... ميثاق غليظ لا يوجد له نظير من العقود، أشد ما يكون من العقود وأخطر ما يكون من العقود هو عقد النكاح؛ لأنه يترتب عليه أشياء كثيرة؛ كثبوت المحرمية، ولُحوق النسب، ووجوب النفقة، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة...) فهذا العقد ليس نزهة أو رحلة مؤقتة يجربها الإنسان ثم إذا لم تعجبه قطعها أو استبدلها بل هي ميثاق غليظ ينبغي استشعاره ، وهذا الميثاق يستلزم بطبيعة الحال حقوقاً وواجبات ينبغي مراعاتها والعمل بها ، والعجب أن بعض الناس من الرجال والنساء لا يفكر في الزواج بحجة أنه ارتباط ومسؤولية ، وهذا من أعجب العجب ، فالحياة كلها لا تقوم إلا على المسؤولية واستشعارها ، فكيف بما هو أساس التكاثر والتناسل وهو الزواج ، وهذا يقودنا لأمر في غاية الأهمية وهو من أكبر أسباب الطلاق والخلع ، وهو أن بعض من يقدم على الزواج يظن أن الزواج ( كافيهات وسفريات ، ونزهات ، وتصوير ، وعلاقات رومانسية ...) وغيرها مما تصوره المسلسلات والأفلام ، أو مما  تنقله وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة من بعض المشاهير ، الذين يصورون الحياة هكذا ، ولا شك ولا ريب أن الحياة الزوجية يترتب عليها كثير من الارتباطات والالتزامات ، وهذه هي سنة الله في الحياة منذ خلقه لآدم ،ومَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ نَجِدُ التَّسَرُّعَ فِي اِتّخَاذِ قَرَارِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً مِنَ الشَّبَابِ حَدِيثِي الزَّوَاجِ مَلْحُوظًا؛ فَهُمْ لَمْ يَتَعَوَّدُوا عَلَى أَجْوَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنْ قُيُودٍ وَتَحَمُّلٍ لِلمَسْؤُولِيَّةِ، بَعْدَ تَرْكِهِمْ لِحَيَاةِ الْعُزُوبِيَّةِ الَّتي فِيهَا التَّفَلُّتُ مِنَ المَسْؤُولِيَّةِ؛ فَيُرِيدُونَ الجَمْعَ بَيْنَ مَزَايَا الزَّوَاجِ وَمَزَايَا العزوبِيَّةِ، وَهَذَا مِنْ الصُّعُوبَةِ بمَكَانٍ؛ لِذَا يُضَحِّي بَعْضُ الشَّبَابِ بِزَوَاجِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَجْوَاءِ العزوبِيَّةَ وَعَدَمِ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ.

وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ فِئَةٍ مِنْ الفَتَيَاتِ اللَّوَاتِي اِعْتَدْنَ عَلَى الدَّعَةِ، وَعَدَمِ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ فِي بُيُوتِ أَهْلِهِنَّ، وَفُوجِئْنَ بِمَسْؤُولِيَّاتٍ وَتَبَعَاتٍ لِلحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ ؛ فَصَعُبَ عَلَى بَعْضِهُنَّ تَركُ حَيَاةِ الدَّعَةِ وَعَدَمِ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ فَسَارَعْنَ بِطَلَبِ الطَّلَاقِ. وَغَالِبُ هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ وَالفَتَيَاتِ يَنْدَمُونَ بَعْدَ فَتْرَةٍ؛ حِينَمَا يَرَوْنَ أَصْحَابَهُمْ قَدِ اِسْتَقَرَّتْ حَيَاتُهُمْ، وَكَوَّنُوا أُسَرًا، وَتَحَمَّلُوا الْمَسْؤُولِيَّاتِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتي لَابُدَّ مِنْهَا لِتَوَارُثِ الأَدْوَارِ فِي الحَيَاةِ...

ثم ليُعلم أن الحياة الزوجية أصلها يقوم على المودة والمحبة والألفة والرحمة مع القيام بالواجبات والحقوق ، والمقصد من ذلك أن الزوج أو الزوجة إذا قصَّر أحدهما في حق الآخر ينبغي التجاوز والتغافل ، ولا ينبغي كثرة التدقيق والمحاسبة في كل صغيرة وكبيرة ، إلا في حال الضرر المستمر لأحدهما

ومن أهم الواجبات التي اختلت بسببها موازين الأسر ، ضعف استشعار الزوج بأنه المسؤول الأول عن الإنفاق على الأسرة ، والقيام بحقوقهم وخدمتهم فيما يتعلق بخارج البيت ، فتجد بعض الأزواج سلَّم الخيط والمخيط كما يقولون للزوجة كي تقوم بهذه الأدوار الشاقة عليها ، أو سلمها للسائق  كي يقوم بها ....وتجده انشغل بالاجتماعات والاستراحات والزملاء عن مهامه البيتية

وبالمقابل ضعف استشعار الزوجة أنها المسؤولة الأولى عن داخل البيت فتجد بعض الزوجات سلَّمت الخيط والمخيط للخادمة وانشغلت بالذهاب والمجيء ، والزيارات والنزهات ، فأصبحت خرَّاجةً ولَّاجةً وألقت مسؤولية البيت الذي أصبح كالفندق لها، وأصبحت تربية الأبناء وخدمة الزوج أمور ثانوية غير واجبة !

والحل يكمن في تدبر هذه الآية وتأملها وتطبيقها (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ...) ففيها بيان لقوامة الرجل وأنه المسؤول الأول عن البيت وبينت واجبات هذه القوامة ، ثم أوضحت واجب المرأة مع زوجها وأنها تعيش تحت قوامته ويجب عليها طاعته وعدم منازعته في هذا الشأن ، وإن من أخطر ما تهدم به المرأة بيت الزوجية استعلاءها على زوجها وظنها استغناءها عنه بوظيفتها أو مالها أو تجارتها أو غير ذلك...

ومن أهم أسباب الطلاق في وقتنا المقارنات بمشاهدة المشاهير والمترفين ومقارنة حالهم بالحال , ومطالبة كل طرف للآخر بما يراه في هذه الوسائل التي أفسدت الكثير, وسببت جحود النعم وعدم الرضا ،ونسأل الله أن نكون ممن إذا أُعطي شكر

وأختم بسؤال انحرف فيه الكثير في زماننا هذا وهو :ما حكم طلب الطلاق بدون سبب وجيه ؟ والجواب أن  شيخ الإسلام ابن تيمية اختار اخيارا جميلا مستنده الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة فقال ـــ رحمه الله ـــ (الأصل في الطَّلاق الحَظر، وإنما أُبيح منه قدر الحاجة؛ كما ثبت في الصحيح عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ إبليس يضَع عرشَه على الماء، ثم يَبعث سراياه، فأدناهم منه مَنزلة أعظمهم فِتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثمَّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت))، قال الأعمش: أراه قال: ((فيلتزمه)) ، وقد قال تعالى في ذمِّ السِّحر: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ ، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المنتزعات والمختلعات هنَّ المنافقات)) (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ) ، وإذا كان إنما أُبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باقٍ على الحظر...) ومما يدلُّ على كراهية الطلاق في الإسلام، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما امرأة سألَت زوجها طلاقًا من غير بأس، فحرامٌ عليها رائحة الجنة)) قَالَ الشَّوْكَانِي -رَحِمَهُ اللهُ-: "وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا تَحْرِيمًا شَدِيدًا؛ وَكَفَى بِذَنْبٍ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَبْلَغِ مُنَادِيًا عَلَى فَظَاعَتِهِ وَشِدَّتِهِ".. وقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن خبَّب امرأة على زوجها)) وهذان الحديثان صححهما الألباني وغيره.

ومن المحزن كثيرا أن نرى من يدعو النساء في وسائل التواصل وغيرها للطلاق أو لطلب الخلع بل ويسهل لهم معرفة الإجراءات وكأنهم يدعون للخيرات , ولا شك أنهم مأزورون غير مأجورين , فهم يدعون لتصدع البيوت ولتمرد النساء على الرجال بطلب الخلع بدون سبب وجيه ، ويدعون الرجال كذلك للطلاق وإفساد الحياة الزوجية وكما يقولون (بدل المرأة ألف) ، وياليت أن مثل هذه الأفعال تُجرم ويعاقب من يفعلها ، ومثلها حفلات الطلاق والخلع وإنا لله وإنا إليه راجعون

وبالجملة فأسباب الطلاق كثيرة ، فمنها ما كان سببه داخلي بين الزوجين ، كسوء الظن بينهما وعدم التماس العذر ، ونسيان الفضل ، ومنها ما هو خارجي ، كتدخل الأهل في كل صغيرة وكبيرة ، والتخبيب من قِبل أصدقاء أو أقارب أحد الزوجين ...

وأعظم قاعدة وعلاج للطلاق والخلع ذكرها النبي ﷺ في قوله: (لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ) رواه مسلم ، والفَرْكُ: البُغْضُ والكُرْهُ، والمُرادُ بالمؤمِنِ والمؤمِنةِ هنا الزَّوجُ والزَّوجةُ ، فلو طبق كل زوج وزوجة هذه القاعدة لحُلَّت كثير من المشاكل...

أسأل الله أن ينفع بهذه المقالة كاتبها وقارئها وناشرها ، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فيصل بن محمد القعيضب

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook