الخميس، 09 شوال 1445 ، 18 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

بس ولو!!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

لا شك أن الحوار والنقاش من علامات الوعي المجتمعي، كما أنهما مؤشران على تحري الناس الحقيقة وطلب مَا يؤكدها. الحوار والنقاش يثري المعلومات التي يحملها كل فرد منا، وأَيْضَاً ينقل الخبرات والتجارب من فرد إلى آخر.

اضافة اعلان

لكن بعض الحوارات تتحول من هدفها الرئيس، الذي يكون في الغالب لتبادل المعلومات الصحيحة، وبيان تفسيرها بالأدلة والبراهين، لتصبح جدالات فارغة، لا تسمن ولا تغني من جوع. ومن أهم أسْبَاب تلك الظاهرة مَا عرف بإعجاب كل ذي رأي برأيه! فتصير النقاشات ميداناً يحاول فيها كل شخص أن يثبت أن رأيه هو الصواب، وأن رأي غيره خطأ، ليس بِحُجَّة عقلية أو علمية، ولكن فقط من باب "هذا رأيي؛ إذن فهو حَتْمَاً عين الصواب"؛ محققاً بذلك المثل القائل: "عنز ولو طارت".

وربما سمعنا جَمِيعَاً بالمقولة الشهيرة: "رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب" حيث تظهر فيه ثقة الشخص برأيه، مع تقبل الرأي الآخر، والاسْتِعْدَاد لقبوله لو أيده الدليل والبرهان. ولعل من أجمل مَا يجسدها مَا يُروى عن بعض الأعلام الأوائل أنه كان يناقش أحدهم في مسألة، فما انتهى النقاش إلا وقد قد ترك كل منهما رأي نفسه وتقبل رأي الشخص الذي كان يناقشه! فقد ظهرت قمة التجرد والخضوع للحق، بغض النظر عن قائله!

هناك من يرى أن مجتمعاتنا غير معتادة على النقاش والحوار، خَاصَّة بين الأجيال؛ وَبِالتَّالِي فقد صار قمع الرأي المخالف سمة لكبار السن والمعلمين وأَحْيَانَاً الشيوخ! فصار الشباب بالتالي يعانون أزمة التناقض بين الدعوة لقبول الحق بدليله نظرياً، والقمع المتعسف على أرض الواقع عملياً! فما أن حانت فرص الحوار والنقاش عبر وسائل التواصل الاجْتِمَاعِيّ - مثلاً - إلا وانْطَلَقَ بعضهم بلا ضابط ولا قيد، لا عِلْميّاً ولا أَخْلَاقياً، فصرنا نرى التطاول أَحْيَانَاً على بعض الثوابت، فَضْلاً عن التسفيه والسخرية من الرأي المخالف. وكأنما صار هؤلاء يثأرون من بعض القمع الذي عايشوه في ماضيهم، مترجمين ذلك "الثأر" بسوء التعامل مع أَي شخص يجمعه بهم حوار أو نقاش، ولا سِيَّمَا في القضايا التي قمعوا لأجلها فيما مضى!

الوعي بمعنى الحوار ضرورة تسبق ممارسته، ومن يجهل أهداف الحوار فينبغي عليه ألا يحاور بزعم أنه ينتصر للحق أو للدين! ولا ننسى في هذا المقام قوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) التي نرى من بعض المتحمسين العكس منها تَمَامَاً، وكأنما كلفوا بتشويه صورة الدين الذين يزعمون نصرته، والحق الذي يريدون إِرْشَاد الناس إليه. لو كانت الغلظة والفظاظة مقبولة في إِرْشَاد الناس لكان الشارع الحكيم أول من يدل عليها، ولكنه حَذَّرَ منها، كما في قوله تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).

لعل من أبجديات الحوار أن ندرك أننا لسنا ملزمين بتغيير قناعات الناس أو مواقفهم، حتى وإن كنّا نظن أن الحق معنا. فرض الرأي بالقوة، أو بالصراخ، أو بالتسفيه، ليس أسلوباً مناسباً لإقناع شخص يخالفنا الرأي. ولسنا ممن يملك السلطة لفرض "رأي" معين على غيرنا. وَلِذَلِكَ؛ أنزِلت الشرائع، وسُنّت القوانين حتى يلتزم الناس بمواقف تُنَظِّم حياتهم، يؤدي تجاوزها إلى ضرر يقع على الآخرين.

نحتاج أن نتعلّم، ونُعلّم الأجيال القادمة، أن هناك آراءً يسعنا فيها الاختلاف، مثلما وسع الصحابة رضوان الله عليهم، والرسول صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهم، ولم ينكر على أحد منهم، أو يرجح رأياً على الآخر؛ لأنها آراء اجتهادية لا ينبغي فيها التعصب لرأي دون الآخر. فليس كل نقاش أو خلاف رأي يستوجب الانفعال أو التشنج، وكأن الكون سينقلب رأساً على عقب لمجرد أن شَخْصَاً بسيطاً خالفنا الرأي في مجلس، أو في نقاش "واتساب"، أو "تويتر"! فالأمر أبسط من ذلك بكثير. كل مَا علينا هو بيان مَا نراه حقاً بحكمة وهدوء، ونترك الموضوع بَعْدَ ذَلِكَ؛ لأنه ليس لنا من الأَمْر بَعْدَ ذَلِكَ شيء!

د. محمد بن عبدالعزيز الشريم

@mshraim

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook