السبت، 11 شوال 1445 ، 20 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

«ابن حميد» في خطبة الحرم: الفتوى لا تتمشى مع الأهواء والشهوات بل تلتزم الأصول الشرعية

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل – فريق التحرير:

أَمَّ المصلين لصلاة الجمعة إمامُ وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، مبتدئاً خطبته بحمد الله والثناء على نعمه والصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم، وتوصية المصلين بتقوى الله، والحذر من علم لا عمل معه، وعمل لا إخلاص فيه، ومال لا يُنفَق في وجوه الخير منه، وقلب خالٍ من محبة الله والشوق إليه، ووقت معطل من فعل الخيرات واغتنام المبرات.

اضافة اعلان

وذكر فضيلته: أن العلماء ورثة الأنبياء، والسؤال مفتاح العلم، والشرع ورد بالأمر بالسؤال، وحث عليه، ورغب فيه; قال عليه الصلاة والسلام: "هلا سألوا إذا لم يعلموا إنما شِفاء العيّ السؤال " ؟؟. والسؤال : استفتاء، والإفتاء أمانة، والاستفتاء في مواضع الحاجة ومواطن الإشكال، والسؤال لطلب مزيد من العلم والاستبصار، كل ذلك مما جرت به عادة الأخيار في الأعصار والأمصار، والسؤال مفتاح يتوصل به إلى ما في القلوب من معالي العلوم وأسرار الغيوب.

ومن القواعد المحفوظة في ذلك: اسأل سؤالَ الجاهل، وافهم فهمَ العاقل، وحُسن السؤال نصف الجواب، ومَن أحسن السؤالَ وجد حُسنَ الجواب، ومن أساء السؤالَ فلا يأمن الحرمانَ، ومَن ذَلَّ في التعلم طالباً عِزًّا في التحصيل مطلوباً، ولا ينال العلم إلا صاحب اللسان السؤول، والقلب العقول، ودأب غير ملول.

كما لا ينال العلم مستحيي ولا مستكبر، يقول الحسن : " مَن استتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله ".

وأضاف: أنه نظراً لأهمية ذلك سؤالاً وجواباً، فقد بسط أهلُ العلم الكلامَ في آداب السؤال والاستفتاء، وآداب الجواب والإفتاء.

وحينما ينظر المتأمل تصدر بعض المفتين، ومواقع الفتوى في الصحف، والمجلات، والقنوات، وشبكات المعلومات يتبين خطر هذا الأمر، وعظم المسؤولية.

وهناك وقفات في هذا الباب تجمع هذه الآداب:

(الوقفة الأولى): في أدب السائل والمستفتي.

على المستفتي والسائل أن ينظر فيما يُبرئ ذمته، وينجيه حين يقف بين يدي ربه في صحة ما يقول، ودقة ما ينقل، حتى يكون السؤال مطابقاً للواقع، وينبغي الوضوح في السؤال في كلماته وتفاصيله، وليحذر الكتمان والتدليس، أو التزوير في الألفاظ والوقائع، وليسأل عما وقع له، ولا يتنقل بسؤاله بين المفتين وأهل العلم، فهذا ليس من الديانة ولا من الورع; كما يجب أن يحذر من أن يتتبع الرخص، ويتخير من فتاوى أهل العلم ما يروق له.

وليحذر من يريد الخير لنفسه أن يضرب أقوال أهل العلم بعضهم ببعض، فأهل العلم لا يزالون يختلفون في اجتهاداتهم، وآرائهم، وأجوبتهم منذ عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، بل يجب الحرص على براءة الذمة ليسلم الدين، وتصح العبادة، وتحل المعاملة، وتستقيم الحياة.

وإذا سمع في مسألة أكثر من جواب أو قول فعليه أن يأخذ بفتوى الأوثق عنده في دينه وعلمه وورعه، وليغلق عن نفسه باب الهوى، وتتبع الرخص، وليحذر المستفتي كل الحذر أن يكون قصده اختبار المفتي، أو تصنيفه، أو إحراجه، أو تعجيزه، أو الإيقاع فيه، أو إظهار التعالم، وسعةِ الاطلاع.

ومن الأدب تحري الأوقات المناسبة للمفتي فلا يسأل في كل وقت، ولا سيما مع تيسر أدوات الاتصال والتواصل واختلاف الأوقات بين الدول والمناطق، فينبغي مراعاة ذلك حتى لا يتسبب ذلك في إيذاء المفتي، فللمفتي الحق في الراحة، والأكل، والشرب، والقراءة، والعبادة، والجلوس مع الأهل، وغير ذلك من الحاجات والأغراض.

أما (الوقفة الثانية) :فمع المرأة وحقها في السؤال وآدابها فيه :

إن سؤال المرأة أهلَ العلم عن أمر دينها حقٌّ مشروع، وأمر لا يستغنى عنه; فعن البخاري رحمه الله : " كانت عائشة رضي الله عنها لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، ولم تزل نساء الصحابة يكلمن الرجال في السلام، والاستفتاء، والسؤال، والمشاورة.

وعن مسلم : " قالت عائشة رضي الله عنها : " نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين ويتفقهن فيه ".

فليعلم المستفتي أن فتوى المفتي لا تحرم حلالا ولا تحل حراما إذا كان المستفتي قد أخفى في سؤاله أو تحايل، أو كتم، ما يؤثر في الحكم أو في الجواب، فالمفتي يفتي على حسب ما يسمع من المستفتي.

(الوقفة الثالثة): في أدب المفتي:

المفتي موقّع عن رب العالمين، فهو يفتي بما يرى أنه حُكم الله، إما بشرع مُنزَّل ونصّ مباشر، أو باجتهاد سائغ صادر من أهله في محله، فالمفتي يوقِّع عن الله في إخبار الناس بأحكام الله، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا سُئل يقول: يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون عليه إلى جهنم "

ويقول عبدالرحمن بن أبي ليلى: " لقد أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما منهم أحد يُحدِّث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا " أخرجه الدارمي في سننه.

كيف وقد جاء في الحديث: " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء فحُرِمَ من أجل مسألته ".. فهذا يشمل السائل والمسؤول.

إذا كان كذلك، فعلى المفتى أن يكون واسع الصدر، يتغاضى عن غليظ العبارات، وجفاء التعامل، فضلا عن سفه السفهاء، وجهالة العوام.

ويحسن فيه ألا يتسرع في الفتوى أو يتعجل; بل يتأنى، ويتفهم السؤال ويتصوره مع فكر ونظر، وعليه أن يكون واضحا في الإجابة، مبيناً لها بياناً شافياً كافياً، ويرفق بالسائل، ويصبر على تفهم السؤال، وتفهيم الجواب; كما ينبغي العناية بالتيسير على الناس ومراعاة أحوالهم، وظروفهم، وعوائدهم، ورفع المشقات عنهم ودفعها.

ولئن كانت الفتوى تتغير بتغير الأزمان والأمكنة، والأحوال والعوائد - كما يقول أهل العلم -، لكنها لا تتمشى مع الأهواء والشهوات، بل تلتزم الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح الحقيقية.

ومن الأدب ألا يفتي إذا كان لديه ما يشغله ويصرف قلبه من مرض، وشدة غضب، أو غلبة نوم، أو نعاس، وكل ما يخرج عن حد الاعتدال.

وتأملوا ما قاله الصيمري والخطيب : " وقلَّ من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها، إلا قل توفيقه، واضطرب أمره، ومن كان كارها لذلك غير مؤثر له ما وجد عنه مندوحة وأحال الأمر إلى غيره كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاحُ في جوابه أغلب.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook