الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

خطيب المسجد الحرام: حصنوا أنفسكم وأهليكم بلزوم فهم السلف الصالح (فيديو وصور)

DSC_9020
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - فريق التحرير:

أدى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، خطبة الْجُمُعَة مستهلاً فيها قوله: عباد الله في توديع عام واستقبال آخر يَجْدُر بالنفس أن تقف وقفة محاسبة، وقفة صدق، وتفكر واعتبار ومساءلة، فمن حاسب نفسه في دنياه خف عليه حسابه في أخراه، ومن أهمل المحاسبة دامت عليه الحسرة، وساءه المنقلبُ والمصير، وأن من غفل عن نفسه ضاعت أوقاته، واشتدت عليه حسراته، وأي حسرة أعظم من أن يكون عمر العبد عليه وبالاً، لا يزداد فيه إلا جهالة وضلالاً؛ فوربكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتجزون بما كنتم تعملون.

اضافة اعلان

وأَضَافَ "بن حميد" يا معاشر الأحبة: وخير مذكر وأعظم واعظ ذكر هادم اللذات، ومفرق الأحبة والجماعات، نعم حفظكم الله: جدير بمن الموت مصرعه، والقبر مضجعه، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده؛ ألَّا يكون له تفكير إلا في المصير، والنظر في العاقبة، فالقبر مقر، وبطن الأرض مستقر، فتفكروا – رحمكم الله – في الموت وسكراته، والكأس ومراراته، وإنه لوعد ما أصدقه، وحاكم ما أعدله، كفى به للقلوب مقرحاً، وللعيون مبكياً، وللجماعات مفرقاً، وللأمنيات قاطعاً.

وَتَابَعَ: تذكر يا عبدالله يوم مصرعك، وانتقال موضعك من السعة إلى الضيق، ومفارقة القريب والصديق، وأن الموت انتقال من دار إلى دار حتى يستقر بالعبد القرار، حين يؤمن الكافر، وينتهي الفاجر، ويصدق الكذوب، اليقين بالموت هو الضمان ليقظة القلب، والموت مصيبة، والغفلة عنه أعظم المصائب، الموت غيب لا يدري الإِنْسَان متى يفاجئه، فمن أراد ألا يموت إلا مسلماً فليكن مُنْذُ اللحظة مسلماً؛ فيعيش ابن آدم في الدنيا من أجل التهيؤ للحياة الآخرة؛  ليرى ما عمل، ويحصد ما زرع، وليس مهماً أن يعرف متى الموت ومتى موعد الأجل، ولكن المهم هو صدق الاسْتِعْدَاد في حسن معتقد، وعمل صالح، وتوبة، وإنابة، واستغفار.

وَأَشَارَ إلى أن الحافظ بن الجوزي – رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: "من أطرف الأشياء إفاقة المحتضَر عند موته، فإنه ينتبه انتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو تُرك يتدارك ما فاته، ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف"، وأما بعد عباد الله: فالموت حتم، وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، ولن يعجل الله شَيْئَاً قبل أجله ولن يؤخر شَيْئَاً بعد موعده، ونعوذ بالله من عذاب في النار، وعذاب القبر، فاحذر – حفظك الله – أن يكون عمرُك عليك حجة، وأيامُك عليك شقوة، إن الموت لا يستمع لصرخة ملهوف، ولا لحسرة مفارق، ولا لرغبة راغب، ولا لخوف خائف.

ولفت مَعَالِي الشيخ أن من وقفات المحاسبة والنظر في العواقب والاعتبار بالأحداث؛ الخوفُ من مضلات الفتن، فتن - عياذاً بالله - تتزين أو تتسلل بألقاب مغلفة، أو أقنعة مزخرفة، فيمتطيها الأشرار، ويفتن بها الأغرار، وأن مما يستحق التوقف والتأمل في المضلات ما تجلبه الغفلة، وأن من أعظم ما تجلبه الغفلة الملل من نعم الله، والرغبة في التغيير، استبدالاً للذي هو أدنى بالذي هو خير، وهل رأيتم بعد نعمة الإسلام أعظم من نعمة الأمن، ورغد العيش واجتماع الكلمة.

ومضى يقول: ما أشبه الليلة بالبارحة حينما ترى غافلين، أو أعداء حاقدين يدعون إلى حراكات وتجمعات، وكأنهم ما علموا، بل لقد علموا أنها مستنقع وبيء، تغرق فيه الشعوب، وتكثر فيه الأوبئة والأمراض، وتفتح فيه الأبواب العريضة للتشرد والمنكرات، أَي عقل لمن ينادي ليهدم بيته؛ ومِنْ ثَمَّ يفترش الغبراء، ويلتحف السماء، ويعيش في العراء؟ وهل من عاقل يخلع ثيابه ليبدي سوءته، ويكشف للناس عورته؟ كيف يسعى عاقل للتنكر للنعم، ليستنزل العقوبات والنقم؟ دعوات تقوم على الإفساد، والخروج على الجماعة والإمامة، ومنازعة الأمْر أهله. وذلك لا يحل في ديننا ولو بشطر كلمة، ولا يمكن لسوي أن يسعى في خراب بيته، وتمزيق وطنه، وتشتيت أهله، وتعريض دمه وعرضه للخطر.

وأَرْدَفَ "بن حميد": نحن في هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين المملكة العَرَبِيّة السعودية نعيش في نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، ومنح من ربنا جليلة، نسأله سبحانه - بمنه وكرمه أن يديمها ويتمها ويحفظها، أجلها نعمة التوحيد، توحيد الله وحسن عبادته، ثم توحيد البلاد، واجتماع الكلمة، ونعمة الأمن ورغد العيش، ونعمة الالتفاف حول القيادة، وانْتِشَار العلم والعلماء، ونعمة العيش في رحاب المقدسات (الحرمين الشريفين)، ونعوذ بالله من غضب الله وأليم عقابه إنها والله لو اشتعلت نار الفتن – لا قدر الله – لأحرقت الأخضر واليابس، ولسالت الدماء، وانتهكت الأعراض، وسلبت الأموال، ونهبت الديار، ولساد القتل والنهب، وما حال من حولكم منكم ببعيد، ممن ذاقوا ويلات الفتن، ومآسي الخروج على الحكام. أعاد الله لهم أمنهم، وجمع على الحق كلمتهم، ورد عليهم غربتهم، وإن الحفاظ على البلاد، والالتفاف حول ولاة الأمور واجب شرعي، ويقول عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "يلزم جماعة المسلمين وإمامهم".

واختتم مَعَالِي الشيخ: إن مسؤوليتكم - والموقف موقف محاسبة - أن تجتهدوا وتصدقوا في تحصين أنفسكم وأهليكم من هذه الفتن بلزوم فهم السلف الصالح، ومسلك أَهْل السُّنَّةِ والجماعة، في لزوم السمع، والطاعة، والدعاء بالثبات والصلاح والإصلاح، وعليكم أن تعلموا أن الحق ولله الحمد مع أهل العلم الأثبات، قد رأيتم مواقفهم القوية الثابتة فيما مر بالمنطقة من أحداث فكان الخير والحق فيما قالوه وأفتوا به، أما غيرهم فكانت عواقبهم الخذلان والانتكاس، ألا فاتقوا الله رحمكم الله وسيروا في الديار، وانظروا في الآثار، تفكروا فيمن سبقكم ماذا فعلوا؟ وعما انْتَقَلُوا؟ وأين حلوا؟ وكيف نزلوا؟ فأعجب العجب سرور في غرور، وسهو في لهو، فأصلح مثواك - حفظك مولاك - ولا تبع آخرتك بدنياك.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook