الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

حين يدفع الحراك للهلاك

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
    ثمة أمور يختلف فيها الناس، ويكون الاختلاف فيها مقبولاً مستساغاً، إذ يكون لكل رأي مستمسك مشروع، ودليل يستأنس به، ويمكن للمختلفين التعايش معاً بكل وفاق مع بقاء قناعاتهما الخاصة مختلفة، ويمكن لكل منهما أن يطبق عملياً وجهة نظره الخاصة به في بيته، أو نفسه، أو عمله، دون أن يؤثر ذلك على من يختلفون معه. وفي الوقت ذاته ثمّة أمور لا يمكن أن يقبل فيها أن يجتهد صاحب الرأي المخالف فيطبق ما يراه، وإن خالفه الكثيرون تحت راية "الحرية الشخصية"! وذلك حين يكون الرأي ليس مجرد قناعة ذهنية، يمكن له أن يعتنقها، أو يغيّرها كيفما يشاء ووقتما يشاء، وإنما يكون ناتج الرأي عمل يطال ضرره الناس، ويسبب لهم الأذى، وربّما جرّهم إلى مهاوي الردى، فحينئذ يكون هذا الاجتهاد مردوداً، ويمنع صاحبه عن فعله، ويؤطر على الحق أطراً. ولعل لنا في الحديث النبوي عن "أهل السفينة" درساً عظيماً، وموعظة حسنة.. فلنتخيّل جميعاً هذا المثل العظيم، حين يركب جماعة من الناس في سفينة، ويقرعوا بينهم قرعة لتحديد مواضع ركوبهم، فيكون سطح السفينة وهو أعلاها من نصيب جملة منهم، ويكون "القبو" في أسفل السفينة نصيب بقيتهم، ثم يجلس كل منهم في مكانه الذي وقع من نصيبه، فتنطلق بهم السفينة تمخر عباب البحر العظيم، فلا يمضي على ذلك زمان قصير حتى يحتاج من كان في أسفل السفينة لشيء من مياه البحر، فكان كل من يحتاج للماء، يأخذ دلوه، ويصعد لسطح السفينة، فيغترف من ماء البحر ما يكفيه، ثم يعود لموضعه، عند أصحابه في القبو، وتستمر هذه العملية بين حين وآخر، يصعد هذا ويهبط ذاك.. وحين طال تردد أهل القبو على السطح نشداناً للماء، رأى بعضهم أن في ذلك مشقة عليهم، وإزعاجاً وإرهاقاً لإخوانهم في سطح السفينة، ثم بدا له رأي ظنّه رأياً سديداً، فاقترح على أهل القبو أن يخرقوا في جزء من قبو السفينة أو جوانبها المجاورة لهم خرقاً يكون من شأنه تيسير حصولهم على الماء متى أرادوه دون حاجة للصعود والهبوط كل مرّة، ودون أن تكون حركتهم تلك مزعجة لأهل سطح السفينة، وهو في ظاهره اقتراح يهدف للتيسير وتحصيل شيء من المصلحة! فلو أن أهل القبو وأهل السطح سمحوا لصاحب الاقتراح بأن يفعل ما يحلو له، واعتبروه من الخلاف المقبول، ومن باب احترام الرأي الآخر، أوقال بعضهم: ليفعل كل واحد منا ما يقتنع به دون وصاية على الناس، لو فعلوا ذلك لغرق ذلك الأحمق، وأغرق معه كل من كان في القبو، ثم أغرق معه كل من كان في سطح السفينة! ولو أخذوا على يديه، وأطروه على الحق أطراً، ومنعوه من صنيعه ذلك، فإنهم بإذن الله قد تسببوا في نجاته، ونجاتهم جميعاً من موت محقق. فانظر كيف يمكن لبعض الآراء الفردية أن تودي بفئام من الناس للهلكة، وهم ممن لا ناقة لهم فيها ولا جمل؛ انسياقاً وراء شيء من الحرية المزعومة. وإننا لنرى جميعاً كيف يتخطّف الناس من حولنا، ونرى كيف كان لتصرفاتٍ غير مدروسة في هذا البلد أو ذاك أن أحالت الأمن خوفاً، والشبع جوعاً، والعفة انفلاتاً، والمباني والمدارس والمشافي والمساجد دماراً وفتاتاً، والأجساد رفاتاً.. كل ذلك من جراء القبول باجتهادات فردية غير مدروسة، رافقها تغاضٍ أو سكوت أو قبول. إننا مطالبون – شرعاً – بالإنكار على كل من يقول أو يفعل شيئاً يطال ضرره الناس، والمجتمع، والوطن، أو يؤثر على حياة الناس وآخرتهم. ولهذا فكل "حراك" أو "تجمّع" أو "تظاهر" أراد بمجتمعنا تفرقاً وتشرذماً فإنه مرفوض كل الرفض، بالامتناع عن المشاركة كلياً، وبتجريم هذا الصنيع وكشفه، والتحذير منه، والسعي الجاد للمحافظة على تلاحم المجتمع واجتماع كلمته. وإنما يكون الحراك الفعلي بالتحرك إيجابياً في خدمة الدين، وخدمة المجتمع، وخدمة أهله، والسعي لتيسير حياة الناس ومعاشهم، والسعي لنشر العلم وتعليمه، وتربية الناس على مكارم الأخلاق، ودلالتهم على الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحسنى، والالتزام بالهدي النبوي في ذلك كله. فهنا يكون الحراك إيجابياً فاعلاً يرقى بالمجتمع، وينهض بالوطن، ويصنع الأثر المحمود الذي يستمر ذكره. أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن، ويجمع القلوب على ما فيه رضاه. دمتم بخير محمد بن سعد العوشن إعلامي مهتم بالعمل الخيرياضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook