الخميس، 09 شوال 1445 ، 18 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

حلقة في "دبا"

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

دبا بلدة صغيرة على بحر عمان، وهي تابعة لإمارة الفجيرة، مررت على هذه البلدة وتوقفت عندها طويلاً... مزارع النخيل تغطيها، والبحر يداعب أطرافها.

اضافة اعلان

دلفت إلى مسجد القرية فوجدت بضعة أطفال يلبسون الثياب البيضاء، ويعتمرون بالعمائم، رغم صغر سنهم، يرفعون رؤوسهم ويخفضونها.. أسمع همهمة!.. واصلت المسير نحوهم وإذا بأيديهم مصاحف يقرؤون منها.. أمامهم رجل أسمر ذو لحية خفيفة ووجه باسم، يضع على رأسه عمامة كبيرة دائرية الشكل ذات ألوان هادئة وجميلة.

ألقيت السلام عن بعد، وصليت ركعتين، ثم اقتربت منهم.

هش في وجهي أحد الصغار وأجلسني بينهم، فشعرت بحميمية لم أتذوقها من قبل، صافحني الشيخ الشاب، وقدم لي إناء من سعف النخيل فيه تمرات كبيرة الحجم شديدة الصفاء ترى نواها من خلال لحمها... أسرع أحدهم وجلب إناءً فيه لبن وقربه مني.

كنت دهشاً ومحرجاً لكن المفاجأة التي عقدت لساني عندما قام أصغرهم وهو لم يتجاوز التاسعة، وألقى كلمة ترحيبية بلغة عربية فصيحة دون تلكؤ ولا تلعثم. بعد ذلك قام أكبرهم وهو - من ملامحه - في حدود الثالثة عشرة ـ وقال قصيدة عذبة الكلمات، حلوة المعاني، رشيقة الألفاظ، وما كاد ينتهي منها إلا ويقرب إلي أحدهم إناءً من فخار فيه ماء مبرد، وبطعم اللقاح المستخلص من النخيل.

قلت في نفسي لعلهم كانوا ينتظرون حضوري أو يتوقعون وصولي، لكن تساؤلاتي لم تطل فها هو مدرسهم يستفتح مرحباً بي، وأنا غريب عن بلدهم، ويقول: عرفنا من هيئتك أنك لست من أهل هذه الديار، فأردنا أن نرحب بك بطريقتنا المعتادة للضيوف فأهلاً وسهلاً بك، ومقامك الليلة عندي وأنت في ضيافتي. شكرت له أدبه وحسن رفادته وقلت له: جزاك الله خيراً وأحسن لكم جميعاً فأنا عابر سبيل استوقفني منظر هذه البلدة العجيبة، وكان المسجد بقربي فعزمت على الصلاة فيه ركعتين.

أمام إصراري لم يجد الشيخ الشاب مفراً من الرضوخ، وعزم على أخذي بجولة في البلدة.

قبل المسير استدعى أحد الصغار وطلب منه قراءة بعض آيات من كتاب الله، ثم قال له:

"توقف بارك الله فيك... "، وأوضح أن هذا الصغير له ذاكرة عجيبة فهو يستطيع إكمال أي آية حتى لو كانت من وسطها، وأضاف: "لن ترى مثل نخيلنا فهي طويلة وأيضاً عريضة تقارب ضعف النخيل المعتاد.. أما الرمان لدينا فهو شديد الحلاوة، كثير الطراوة، وقد خبأت لك مفاجئة! ذهلت من مقولته وعجب من بلدته!.. وها نحن نتوقف عند أطراف البلدة حيث مسجد قديم جداً وصغير، لا تتجاوز مساحته خمسة عشر متراً مربعاً ويتدلى من سقفه سراج عتيق، قال مرافقي: هذا أقدم مسجد هنا، وكثير من الروايات تقول: إنه أول مسجد بني بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فعجبت من قوله! وزاد إن الناس بعدت عن هذه المنطقة فتحولت مزارع فحسب.

في ذلك الوقت أذن المؤذن لصلاة المغرب، فدلني على مكان الوضوء فإذا به بئر قديمة جداً وبها دلو، ألقيته بالبئر واستخرجت حصتي اللازمة للوضوء. بعد دقائق أقيمت الصلاة، وإذا نحن بضعة أنفار فاستحضرت قدم المكان، وعمق الرسالة، وانتشار الإسلام في أول أيامه. صعب علي القيام فالخشوع أخذ مني مأخذه، والدموع بدأت تتساقط من مقلتي محرجة، فأضمرت في نفسي شيئاً، وخرجت من المسجد آملاً العودة لهذه البلدة مستقبلاً.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook