الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

غزة الكاشفة والفاضحة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

من سنن الله الشرعية فضح المنافقين والموالين لأعداء الدين، ليميز الله الخبيث من الطيب، وليمحص المؤمنين، وأشد ما يكشف الخائنين والمتربصين الحروب ومواقف الشدة، وقد أنزل الله في شأنهم آيات تفضحهم، وسورة تكشف سوءتهم، وهي سورة التوبة وسميت الكاشفة والفاضحة، لأنها كشفت عن قلوب الناس، وفضحت ما فيها من صدق وكذب ونفاق، كما بينه حبر الأمة عبد الله بن عباس.

اضافة اعلان

 وأحداث غزة اليوم فضحت أقواما، وكشفت أوراقا، وأسقطت رموزا، وأظهرت عوار الاتفاقيات والمواثيق الدولية.

في غزة مشروع العزة والتمكين، ومن هناك نتشوق لنصر أمة محاصرة، لتمكين الأمة الموعودة، قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

وقد روي في سبب نزولها: "أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا إليه ما هم فيه من العدو، وتضييقه عليهم، وشدة الخوف، وما يلقون من الأذى، فنزلت هذه الآية بالوعد الجميل لهم، فأنجزه الله، وملكهم ما وعدهم، وأظهرهم على عدوهم."

في غزة مشروع النصرة، نصرة المؤمنين كما وعد ربنا عز وجل (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)قال ابن كثير رحمه الله: " هو حق أوجبه على نفسه الكريمة، تكرماً وتفضلاً كقوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) "، وقال السعدي رحمه الله: " أي أوجبنا ذلك على أنفسنا وجعلناه من جملة الحقوق المتعينة ووعدناهم به فلا بد من وقوعه ".

وهذا النصر رباني لا يطلب بقوة ولا بشدة،قال تعالى " وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ ".

قال الطبري " يقول: وما تنصرون على عدوكم، أيها المؤمنون، إلا أن ينصركم الله عليهم، لا بشدة بأسكم وقواكم، بل بنصر الله لكم، لأن ذلك بيده وإليه، ينصر من يشاء من خلقه "، ولعل من لديه أدنى علم يبصر أسباب النصر ويدرك سبل تحقيقه، ومن يحسن الظن بربه يثق بوعده، ولكن المنافقين لا يعلمون، والمخذلين لا يفقهون.

في غزة يفضح الإعلام وجه الحرية، ويكشف ثوب الحقيقة، فحين تتشدق الدول الكبرى باتفاقيات السلام، وترعى مواثيق حقوق الإنسان، وتنادي بنبذ العنف، ثم نجدها ساكنة لا حراك، وصامتة بلا ضمير، ندرك المؤامرة المكشوفة، ولا ينكرها إلا من في عينه قذى وفي قلبه دخن.

في غزة نغفو ونستيقظ على مأساة أهلها، ولا زال هناك من يجادلنا في القوم، ويبرر لهم شنيع فعلهم وعظيم جرمهم بحجة اختلاف القوى، وغفلوا عن (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).

في غزة رغم الألم والقصف ترسل الوﻻيات المتحدة شحنات من الأسلحة لإسرائيل جهارا نهارا، ويتطوع أبناؤها للقتال مع إسرائيل!!

فأين ذهبت اتفاقيات اﻷمم المتحدة ومواثيق السلم ونزع السلاح؟!!

وهل نصدق بعد ذلك دعوتها لنبذ العنف وإحلال السلام ومحاربة الإرهاب وهي تدعمه؟!!

في غزة يرى العالم مناظر التشريد والدمار، والدماء المراقة على الطرقات، وبكاء اﻷمهات الثكالى والرجال الأشداء، وأشلاء اﻷطفال اﻷبرياء، تحرك الحجر وﻻ تحرك قلوبا قاسية ظالمة.

في غزة ترى منظرا مؤثر اﻷم تحكي عثورها على جسد ولدها بدون رأس،فأي عنف أشد من هذا تتعرض له المرأة الفلسطينية؟! وقد أزعجتنا الأمم المتحدة باتفاقيات العنف ضد المرأة، أما قتل المرأة الفلسطينية وتشريدها، وهدم منزلها وقتل أبناءها أمام ناظرها، وقتل زوجها وجميع أهلها، فلا تعقد له لجان المرأة، ولا يعني المنادين بحقوق المرأة، ولا يستحق شجبا ولا تنديدا.

في غزة تقصف المساجد والمستشفيات والمدارس والأسواق، إرهاب علني على مرأى ومسمع ممن يدعي محاربة الإرهاب، وهم شركاء في الجريمة، وسواء في إباحة الدماء.

في غزة علمتنا اﻷم الصبر في أشد المواقف، والثبات في أصعب اللحظات، فنصبر على بعد الحبيب وسفر العزيز ومرض وموت القريب، فكل مصيبة دون غزة تهون.

في غزة أم الشهيد توزع الحلوى فرحا بشهادة ابنها فأبكت الرجال، وأبهرت العالم، وسطرت صحائف الكرامة والمجد، فلله درها.

" سقط الشهيدُ

فزغردي يا أمّهُ

ضمي الجميع بصيحةٍ

فالنصر نصْرُك أمنا

ما غير صوتك للجراح مضمِّدٌ ويُلملم..."

في غزة الأطفال يقتلون وإلى الجنان يرتقون:

" اقضوا مع الألعاب يوم العيد

فلقد قضيتُ مع المدافع عيدي

عيديّتي عند الصباح رصاصةٌ

وتُعيّدون بلعبة ونقودِ! "

في غزة يقدم الأطفال قرابين وتدك الملاجئ فوق رؤوسهم،وتتطاير الأشلاء بين الألعاب والألوان، على مرأى ومسمع مدعي الحقوق وفلاسفة التربية ومنظري الحرية.

في غزة لا تكفي الكلمات ولا تفي العبارات.

 فعذرا غزة ما نصرناك حقاً، ولا وفيناك عهداً، ولا أعطيناك وعداً.

عذراً غزة فلا حول لنا ولا قوة، انقطعت بنا السبل وضاقت علينا اﻷرض بما رحبت، وتفطرت القلوب من هول ما نرى ونسمع.

عذراً غزة فصمتنا يقتل و، كلامنا يفضح،وخذلاننا يقهر، فاللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا واغفر لنا تقصيرنا وعجزنا.

ولكن حسبنا أن غزة ستنتصر بمشيئة الله تحقيقا لوعده تعالى (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚكَذَٰلِكَ حَقًّاعَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)

وسينتقم الله من المجرمين ووعد بنصر المؤمنين (فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وكَان حَقًّا عَلَيْنَا نَصرُ الْمُؤْمِنِينَ).

د. أميرة بنت علي الصاعدي المشرفة العامة على مركز إسعاد

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook