الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

قراءة في حكم إلغاء القرار الصادر بحق الممرضات

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

اطلعت على ما نشرته بعض الصحف الإلكترونية بخصوص القرار الذي أصدرته المحكمة الإدارية في منطقة مكة المكرمة المتضمن إلغاء القرار الذي اتخذته لجنة النظر في مخالفات نظام مزاولة المهن الصحية بحق (ستّ ممرضات) يعملن بمركز صحي الشعب بمحافظة القنفذة امتنعن عن العمل في قسم الرجال قبل عامين، وقررت اللجنة تغريم كل واحدة منهن بمبلغ خمسة آلاف ريال.

اضافة اعلان

وقد استندت المحكمة الإدارية في تسبيبها لإلغاء القرار إلى كونه جاء مخالفاً للأنظمة والتعليمات المستندة للأوامر السامية، وقرارات هيئة كبار العلماء المتضمنة منع الاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل لحرمته شرعاً.

وبصدور هذا الحكم من الجهة القضائية المختصة، يحسن بنا أن نقف وقفات معه، ومع الإجراء الذي اتخذته لجنة النظر في مخالفات نظام مزاولة المهن الصحية بحقّ (الممرضات):

الوقفة الأولى: العقوبات التأديبية التي يصدرها صاحب الصلاحية، يجب أن تكون مبنية على أمور واضحة لا تعرّضها للطعن أو الإلغاء أمام المحاكم الإدارية، وذلك لأن إيقاع أي عقوبة تأديبية بحق الموظف، أو الموظفة في ظلّ تجاهل لجان التحقيق للأنظمة واللوائح والقرارات والأوامر السامية التي استند إليها الموظف في فعله أو امتناعه، من شأنه ورود الطعن أمام المحكمة الإدارية على أي قرار تأديبي سيصدر بحقه لاحقاً مما قد يعرضه للإلغاء، وبالتالي عدم تحقق الغاية التي وضعت العقوبة لأجلها.

الوقفة الثانية: ولكي يمكن التعويل على قرار العقوبة الصادر بحق الموظف أو الموظفة، فإنه يتعين مطابقته للحقيقة، ومنسجماً مع الواقع، فإذا وجد شك يقدح في صحته، يتعيّن عدم قبوله، والبحث عن أدلة أخرى تفيد في كشف الحقيقة، ولا يصح تأثيم إنسان ولو بناءً على اعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة والواقع.

الوقفة الثالثة: يجب أن يواجه الموظف أو الموظفة، الذي يتم التحقيق معه بكافة الأدلة التي تثبت ارتكابه للمخالفة، وقيام الاتهام في حقه، وإلا كانت المخالفة قد استخلصت من أصول لا تنتجها مادياً أو نظامياً. والواجب على المحقق أن يعيَ جيداً أن مواجهة الموظف المخالف بالأدلة القائمة ضده في نهاية التحقيق.. يعتبر من الركائز الأساسية في أصول التحقيق الإداري، والتي لا يمكن إغفالها، وإلا اعتبر قرار العقوبة باطلاً؛ لأن التحقيق يجب أن يكون مستوفياً لجميع شرائطه الشكلية والموضوعية.

الوقفة الرابعة: يجب على المحقق أن يكون ملماً إلماماً تاماً بالأنظمة واللوائح والتعليمات التي تدين الموظف المخالف، أو تثبت صحة الإجراء الذي استند إليه الموظف في فعله أو امتناعه، وبالتالي براءته مما نسب إليه، ومن ثم بناء استنتاجاته ومرئياته في نهاية التحقيق عليها بناءً صحيحاً لا شائبة فيه، بعيداً عن حظوظ النفس، أو التعاطف مع من يتم التحقيق معه، وهذا يجرّنا إلى النظر فيما استندت إليه لجنة النظر في مخالفات نظام مزاولة المهن الصحية بحق (الممرضات)، حيث استندت إلى المواد التي تدينهنّ دون النظر في الأنظمة والقرارات التي تثبت صحة الإجراء الذي اتخذنه حيال امتناعهنّ عن تنفيذ ما كلفن به، مما تسبب إلى الإضرار بهن، وتعريض القرار إلى الطعن أمام المحكمة الإدارية، ومن ثمّ الإلغاء، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

1- لم تأخذ اللجنة في حسبانها ما جاء في المادة الخامسة من (نظام مزاولة المهن الصحية) المتضمنة الواجبات العامة التي يجب على الممارس الصحي التقيد بها ومنها: " أن يزاول الممارس الصحي مهنته.. مراعيًا في عمله العادات والتقاليد السائدة في المملكة ..الخ

2- لم تأخذ اللجنة في حسبانها ما جاء تعميم المقام السامي رقم 759/ 8 وتاريخ 5/ 10/  1421هـ، المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية لأن ذلك محرم شرعاً ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك، والرفع عنه .

3- لم تأخذ اللجنة في حسبانها ما جاء في تعميم وزارة الصحة رقم (637/ 4723/ 26) وتاريخ : 4/ 11/ 1416هـ المشير إلى ما ورد في خطاب سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد رقم (210) في 8/ 9/ 1416هـ حول عمل الممرضة بجانب الطبيب الرجل والخلوة بينهما وذلك باتخاذ الوسائل لمنع هذه الخلوة والاختلاط والعمل على أن يكون سكرتير الرجل من الرجال وسكرتير المرأة امرأة. وأن يكون قسم النساء مستقلاً عن قسم الرجال في جميع الوجوه حسب أوامر خادم الحرمين الشريفين التعميمية بذلك برقم 116051 تاريخ 16/ 5 /1403هـ ورقم 2966/ م في 19/ 9/ 1404هـ .وشدد تعميم وزارة الصحة على ضرورة تقيد المسئولين في الوزارة بما جاء فيه.

4- لم تأخذ اللجنة في حسبانها ما جاء في تعميم وزارة الصحة بتاريخ 21/ 10/ 1437هـ المشير إلى برقية صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رقم 344573 وتاريخ 21/ 9/ 1437هـ بشأن منع الاختلاط في المستشفيات والمحاضرات الطبية.

5- لم تأخذ اللجنة في حسبانها ما جاء في التعاميم المبلغة من وزارة الصحة ومنها التعميم رقم 54938/ 20/ 26 وتاريخ 25/ 6/ 1425هـ ورقم 127029 وتاريخ 8/ 11/ 1424هـ، ورقم 652/ 10818/ 20 وتاريخ 22/ 12/ 1421هـ المتضمنة للتوجيهات بمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في مجالات العمل في الإدارات الحكومية.. نظراً لما في هذا الأمر من مخالفة لتعاليم الدين ومخالفة للفتاوى الصادرة في هذا الشأن، ولتوجيهات ولاة الأمر.

6- ومن خلال ما سبق نلحظ القصور الواضح في إجراءات التحقيق مما نتج عنه عدم صحة القرار الصادر بحق (الممرضات)، وبالتالي تعريضه للطعن ومن ثمّ الإلغاء من قبل المحكمة الإدارية المختصة، فأعاد الحكم بذلك الأمور إلى نصابها ومكانها الصحيح، وكان يمكن الإدارة القانونية في وزارة الصحة تصحيح الخلل الذي نشأ بسببه القرار وتلافيه قبل إجراء الطعن عليه.

- النظر في حكم المحكمة الإدارية المتضمن إلغاء القرار:

1- المتأمل في الحكم يلمس عدالة القضاء الإداري في حماية وصيانة (الشريعة الإسلامية، والأنظمة والقرارات المستمدة منها، كذلك حماية وصيانة العادات والتقاليد التي تميّز بها المجتمع السعودي، وكفل النظام الأساسي للحكم صيانتها من التعدي) وتمثل ذلك في إلغاء المحكمة الإدارية للقرار كونه جاء مخالفاً لمقتضى الشرع والأنظمة المرعية في هذه البلاد، المستمدة من الكتاب والسنة.

2- جاء الحكم ليقرر ما أوجبته الدولة على نفسها في حفظ الحقوق وفق الشريعة الإسلامية، بناء على ما جاء في المادة (26) من النظام الأساسي للحكم .

3- جاء الحكم ليقرر احترام الجهة المصدرة للفتوى فيما أفتت به، استناداً إلى المادة (45) من النظام الأساسي للحكم .

4- جاء الحكم ليقرر للجميع أن القضاء سلطة مستقلة، وأنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، وهو ما قرره النظام الأساسي للحكم، في المادة (46) .

5- جاء الحكم ليقرر للجميع أن حقّ التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة، وهو ما قرره النظام الأساسي للحكم، في المادة (47) .

6- جاء الحكم ليقرر للجميع أن المحاكم تطبق على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة، وهو ما قرره النظام الأساسي للحكم، في المادة (47) .

7- جاء الحكم ليقرر للجميع أن الدولة ملتزمة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وحماية كيانها، وأنها ملتزمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما قرره النظام الأساسي للحكم، في المادة (23) .

8- جاء الحكم ليقرر للجميع أن الدولة حريصة كل الحرص على قيم هذا المجتمع المسلم، وهو ما قرره النظام الأساسي للحكم، في المادة (10) .

9- جاء هذا الحكم ليوجه رسالة للعالم أن المرأة السعودية (مصونة بسياج شرعي، ونظام متين مستمد من الكتاب والسنة)، وهي رسالة مهمة لكلّ من يدعي أن المرأة في هذه البلاد لم تحصل على حقوقها.

10- جاء هذا الحكم ليقرر مبدأ مهماً ألا وهو حفظ الضرورات التي جاءت الشريعة الإسلامية بحفظها، ومنها (الدين، والعرض) ولا شكّ أن الاختلاط المحرم بين الجنسين ضرره بالغ على الدين والعرض.

11- من يتأمل في القضاء الإداري، وما يعرض عليه بسبب الأخطاء في القرارات الإدارية، والتأديبية من بعض الجهات الحكومية، يجد أن من الأسباب: عدم إلمام بعض المحققين في هذه الجهات بما صدر أو يصدر من أنظمة وقرارات، مما جعلهم يعالجون الخطأ بالخطأ، وقد ذكرت أن العقوبات التأديبية التي يصدرها صاحب الصلاحية، يجب أن تكون مبنية على أمور واضحة لا تعرّضها للطعن أو الإلغاء أمام المحاكم الإدارية، وهنا يأتي دور الإدارات القانونية في تصحيح هذا الخطأ الفادح الذي من شأنه أن يؤدي إلى إشغال جهة التقاضي، وإيقاع الجهة مصدرة القرار في حرج قد يصل إلى تعويض الموظف عما لحقه من ضرر، وقديماً قيل في الأمثال : "لو أنصف الناس لاستراح القاضي" .

ختاماً: المتتبع لما صدر ويصدر من أنظمة ولوائح وقرارات وتعاميم، يلحظ عدم وجود قصور في هذا الجانب، وإنما القصور  في تنفيذها من قبل بعض الجهات المعنية أو الرقابية،  ولذلك فقد صدر الأمر السامي الكريم رقم : 584/ م وتاريخ : 2/ 8/ 1423هـ المشار فيه إلى الأوامر التعميمية رقم 973/ م وتاريخ 20/ 11/ 1422هـ ورقم 7/ ب/ 13781 وتاريخ 15/ 7/ 1422هـ ورقم 7 /ب/ 4773 وتاريخ 7/ 3 /1422هـ ورقم خ/ 1322/ م وتاريخ 11/ 11/ 1421هـ ورقم 7/ ب/ 11340 وتاريخ 9/ 9/ 1421هـ ورقم 4162 وتاريخ 3/ 4/ 1421هـ ورقم 17810 وتاريخ 12/ 11/ 1420هـ ورقم 7/ ب/ 14899 وتاريخ 17/ 9/ 1420هـ ورقم 7042 وتاريخ 13/ 5/ 1417هـ القاضية بالتأكيد على كافة الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى بالتقيد بالأنظمة والتعليمات والالتزام بتنفيذ ما يصدر إليها من أوامر سامية بسرعة وبما يحفظ الحقوق ويصونها .. وكذلك التكليف  بمتابعة جميع الأوامر السامية وقرارات مجلس الوزراء ومتابعة إصدار اللوائح التنفيذية بشكل دقيق وفعال والتأكد من تنفيذها بالإضافة إلى التوجيه  بالاستفسار عنه وفي حالة حصول تأخير أو إهمال من أي جهة كانت فعلى الجهات المعنية  الرفع عن ذلك مباشرة وعن المتسبب بهذا الإهمال كائناً من كان لأن هذا أمر لا يرضي الله ولا نسمح به، وقد نص الأمر السامي على إكمال ما يلزم بموجبه بكل دقة وحزم وعلى كافة الجهات الحكومية اعتماد ذلك " .. انتهى نصه.

بقي أن أقول: إن ثقافة معرفة الواجبات والحقوق، والوعي المجتمعي بما له وما عليه، ظاهرة صحية في رقيّ المجتمعات وتطورها، وهذه الحقوق والواجبات، بينتها الشريعة الإسلامية تبيينا واضحاً لا غبار عليه، ولا يمكن لعاقل أن يقول: " إن هذا الرقي والتطور لا يمكن الوصول إليه إلا بمخالفة نصوص الشريعة الإسلامية والأنظمة المستمدة منها، فالمجتمعات التي تعتز بدينها وثقافتها، وعاداتها وتقاليدها التي أقرها الإسلام، تقف أمامها دول العالم موقف التقدير والاحترام.

حفظ الله بلادنا من كل مكروه، ووفق الله ولاة أمرنا لتحكيم شرعه، وإعزاز دينه.

عبدالرحمن بن ظافر القشيري

الجمعية العلمية السعودية للحسبة

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook