الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الثقافة ليست ادعاء

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

يعطينا عطاء بن أبي رباح رحمه الله درساً عملياً، فقد ذكر معاذ بن سعيد أنه كان عند عطاء بن أبي رباح، فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: "سبحان الله ما هذه الأخلاق؟ ما هذه الأحلام؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه، فأريهم من نفسي أني لا أحسن منه شيئاً". المثقف قيمته فيما يحمل من فكر، فليست قيمته في ملبسه أو مطعمه أو مسكنه، فالمثقف الواثق يقول كلمة تزن ذهباً، ويدلي بمعرفة ينبهر الآخرون من عمقها وقوة دلالتها، فالثقة في المخزون الثقافي تولد الرزانة وعمق الطرح، وبالمقابل مدعي الثقافة يحاول أن يغطي ضعفه بمقاطعة الآخرين، ورفع صوته فوق أصواتهم، أو الاستقواء بلغة الأجنبي وإن لم يكن لها احتياج، ربما هذا الرجل يبهر ويجذب الأنظار، لكن تأثيره سيكون محصوراً في دائرة غير المثقفين، أما المثقف الحقيقي فتأثيره يشمل الجميع، سواء وافقته فيما يطرح أم لا؟ إلا أنك تحترم قوة طرحه. بمعيار المثقف الحقيقي الذي يمتلك مخزوناً معرفياً راسخاً، ويحمل هَمّ مجتمعه ووطنه وأمته، بهذا المعيار يخرج من هذا الوصف سطحي المعرفة الذي يقرأ إلا مقالاً أو يشاهد مقطعاً ثم تجده يدافع عن المعلومات التي اطلع عليها وقد يصدر أحكاماً على أفراد مجتمعه دون بيّنة، وكذلك يخرج من هذا وصف المثقف الذي لا يحمل هموم مجتمعه ولم يحاول أن يساهم في علاجها، أما المثقف النخبوي هو الذي يجمع بين المعرفة وهموم الناس، فتجد له قبولاً واسعاً لأن الآخرين يرونه يتحدث بلسانهم ويلامس معاناتهم. هناك نوعية من مدعي الثقافة من يرى الثقافة هي الطعن في الوحيين، أو المبادرة في نقد كل من يخالفهم دون تمحيص بين الحق والباطل، وبين الإصلاح والإفساد، فإن النقد لمجرد النقد ليست ثقافة، والتجريح الشخصي كذلك لا ينتمي للثقافة، بل الثقافة الحقيقة تكمن في النقد الموضوعي المبني على قدرة الشخص على التحليل، وقوة حجته ودليله، وما عداها هو ادعاء للثقافة ومحاولة لتسليط الأضواء وكسب الأتباع. إن درس عطاء بن أبي رباح رحمه الله يتجلى فيه سمت العلماء وسمو الروح وعمق المعرفة وكمال العقل، فلو تحلى المثقف بهذه الصفات لقدم دروساً في الأخلاق وفنون الاتصال وموضوعية النقد، حينها سيحترمه الجميع ويكسب احترام المخالفين قبل الموافقين، فالعلماء الراسخون والمثقفون النخبويون تدل عليهم أخلاقهم وحسن تصرفهم ومراعاتهم لحال المخاطب، ووعي المجتمع قادر على التفريق بينهم وبين مدعي الثقافة والمتعالمين، فمَن قوية حجته وتبنى هموم الناس أدى رسالة الثقافة وأراح ضميره.

اضافة اعلان

د. تركي بن خالد الظفيري @turkialdhafiry

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook