الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

صناعة القارئ

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

سألت طلابي في الجامعة ذات يوم عن مقدار قراءاتهم اليومية، وكانت الإجابة يغلب عليها السلبية وتقديم المبررات، إما لضيق الوقت أو لعدم الاعتياد عليها، وعند النظر إلى الجانب الآخر من العالم نلمس أن القراءة أصبحت ثقافة وعادة يومية يقومون بها، انظر لهم كيف يقرؤون وهم في أماكن الانتظار أو عند استخدام وسائل النقل العام؟ الصغير معه كتابه، والكبير يقلب صفحات رواية كان منهمكاً فيها، وإن نسيت مواقف متعلقة بالقراءة فلن أنسى ذلك الرجل الذي جعل من الشارع مسكناً له، ويعيش على مساعدات الناس، وهو مضطجع قبل نومه يقرأ كتاباً بتأمل وانقطاع عن زحام الشارع وحركة السير.

اضافة اعلان

صناعة القارئ تمر بمراحل حتى يصل إلى مرحلة الشغف بالقراءة، تبدأ الصناعة منذ خطوات الطفل الأولى، فيستخدم الكتاب كصور وألوان وألعاب ممتعة توجد بينه وبين القراءة علاقة حب لا تنقطع، القراءة لا يمكن أن تكون ثقافة مجتمع حتى تتبناها مؤسسات التعليم، وتكون جزءاً من مناهجها، ففي أمريكا تُشعل المدرسةُ المنافسةَ بين الطلاب في القراءة اليومية، ففي كل يوم يقرأ الطالب عدداً من الصفحات، ثم يلخص ما قرأ بجمل قصيرة، وفي نهاية الأسبوع يسلم الطالب ملخصَ قراءته لمعلمه، وبعدها يكرم الطالب مع المتميزين في القراءة لهذا الشهر، إن المدرسة هي الصانع الأول للقارئ والمحب للقراءة، وإذا أهملتها المؤسسة التعليمية فلن ننتظر مجتمعا قارئاً، ربما سيأتي من يقول الأسرة -أيضاً- عليها دور في تنمية حب القراءة، وهذا صحيح على مستوى آحاد الأسر، ولكن النقاش إذا أردنا أن نكون ثقافة مجتمع، فلا بد من تبني حقيقي من المؤسسات التعليمية لمشروع صناعة القارئ.

من أهم مراحل صناعة القارئ أن نكوّن لديه مفهوم " الاستثمار في القراءة"، فإذا وصل القارئ إلى قناعة بأن القراءة استثمار حقيقي في حياته يوازي الاستثمار المالي في أهميته ونتائجه، فقد بلغ ذروة المجد في هذا الحقل، وأصبح ينظر للكتاب من زاوية مختلفة، فإذا وقع بين يديه الكتاب لن يتركه حتى يشبع شغفه منه، وحتى يستثمر بطريقة رابحة ويصنع من نفسه رائداً من رواد القراءة، فلا بد أن يتعرف على كيفية بناء خطته الاستثمارية في القراءة، فهذه الخطة قد يصنعها بنفسه إن كان خبيراً في المجال، أو يستشير المتخصصين ليساعدوه في دراسة جدوى ثقافية تساهم في زيادة أرباحه ومعدل النمو الثقافي لديه، والذي يغوص في عالم الكتب دون ممارسة أو تدريب قد يجد نفسه غارقاً في وسط البحر، فلياقته النفسية والفكرية لم تأخذ وقتها الكافي، فلذا يجب أن ننظر للقراءة كمشروع مجتمع يعكف عليه المتخصصون، وتُنشأ لأجله مكتبات الأحياء والتي ستكون منطلقاً عملياً وتوفر بيئة ومناخاً صحيًّا جامعاً لمحبي الكتاب.

عودة لقصتي مع طلابي في الجامعة حول القراءة، سألتهم هذا السؤال: لماذا نقرأ مئات الصفحات بعمق وفهم في فترة الاختبارات، وفي غيرها لا نقرأ شيئاً؟ هذا السؤال مفتوح لكم أيضاً لاكتشاف السر الذي وجّه طاقة الطلاب للقراءة في وقت معين، وتكاسلوا عنها بقية الأوقات.

د.تركي بن خالد الظفيري

@turkialdhafiry

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook