السبت، 11 شوال 1445 ، 20 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الغباء المنتج

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
  تكدّ العقول وتكدح لتصل إلى النجاح، وتقضي الأنفس أعماراً لتحقيق مقاصدها العليا، وغايتها السامية، ويستهلك البشر كثيراً من الطاقات للوصول إلى النتائج المثمرة، هذا الذي عهده الناس في الإنتاج‏ والإبداع البشريّ. غير أنّ العقل لم يعد وحده هو المستثمر الأول في حياة الناس، فكثير من الأغبياء صاروا أغنياء، وقد أظهر التاريخ أن بعض أصحاب الديانات هم من أغبى شعوب العالم، ومع ذلك تكاد تكون أرصدتهم هي أعلى الأرصدة في البنوك، وذلك دليل على أن العقل المنتِج ليس هو المصدر الأول لجلب الأموال. ولا يستغرب أحد حين يعلم أن العقل المنتج للمعرفة لا يستعيد مقابلها المادي مباشرة بل يجني أرباحها تاجرٌ لم يُرهق عقله بأكثر من إحصاء الأموال التي ستدخل أرصدته من نتاج عقل فذّ، وبراعة إبداع، وبراءة اختراع، قدّمت خلاصة جهودها وطاقتها لتتحول إلى سلعة يتاجر بها أصحاب رؤوس الأموال. ولكن هناك صورة أخرى للغباء المنتج، إذ تجد في مواقع التواصل الاجتماعيّ، ومنتجات الوسائط الحاسوبيّة عقولاً لا تملك من المعرفة سوى تشغيل تطبيقات على شاشة الأجهزة الذكيّة، ثم تراهم يتنافسون في جلب المكاسب من وراء ما يسوّقونه من وهْم وغباء، والعجيب أنّ عملاء سلعهم الرديئة ليسوا كلّهم من درجة الأغبياء، ليقال: الغبيّ ضحك على غبيّ مثله، بل استطاع الغباء أن يستميل مجموعةً واسعة من العقول؛ مما أدّى إلى تسابق المؤسسّات التجاريّة، والمراكز لتسويق تلك الغباءات، والإفادة من سقطاتها، ورداءة منتج أصحابها، فتتّخذ منهم رموزاً لتسويق سلعها واجتلاب عملائها، ولا تجد تبريراً واحداً لهذا النوع من المتاجرة المترديّة سوى أن يقال إنّ الناس يحبّون أن يروا الأشياء الغريبة واللافتة، فيستفيد التجار والمؤسسات من هذه الدوافع البشريّة الصغيرة لاجتلاب المكاسب الكبيرة. والحقيقة أنّ هذا الإنتاج‏ الغبيّ  -حين تحول إلى مكاسب واستطاع أن يجتذب العقول التي يفترض أنها ليست غبية- ليس بغريب على المجتمعات البشرية، فأول ما ظهر السيرك العالميّ كان يستميل الأغبياءَ والمهرجين الفارغين لملء أفواه الناس بالضحك، وحين صار لها دخل ماديّ جاذب، اتّجه من ليسوا من الأغبياء لممارسة تلك المهنة التي كانت مهنة مجموعات من المغفلين والحمقى، يتكسب بهم طائفة من التجار ويستقطعون جزءاً من أموال الناس، فصادروا عقولهم في سبيل جمع المال، وبذلك لم تعد حكراً على الحمقى والمغفلين، بل اتجه إليها من يتصنع الحمق والغفلة. إن الغباء المنتج حين يدر المالَ يستطيع أن يستغفل العقول بشيء من الهدر العقلي، فلم تعد المعرفة شرطاً لإنتاج‏ المصادر الاقتصادية، وسوف يصبح الغباء مجالاً خصباً منافساً لاقتصاد المعرفة، وفي المقبل من الأيام سترى الاستغباءَ العالميّ يتحرّك في كل أسواق المال، ليخدع التاجرُ المستهلكَ، وينتج له سلعةً سخيفة من عقل سخيف، ويبيع الوهم والغباء على من رضي أن يكون مستهلِكاً جيداً لتلك البضاعة المتجدّدة الصلاحيّة. وإذا كان الغباءُ منتجاً فمن باب أولى أن يكون الذكاءُ منتجاً بارعاً، فيستخرج الأشياء الجميلة من موادّ قبيحة، وينتج من الرمل زجاجاً، ومن السم علاجاً، ففي اليابان مصانع للتكرير والتدوير، تقوم بتدوير النفايات ولا غرابة أن يكون من منتجاتها تلك الأزرار التي يضعها الناس على صدورهم، بأجمل ما تظهر بها ملابسهم، تحمل علامة الجودة اليابانيّة وهي من تدوير فضلات البشر، ومنتجات الصرف الصحيّ، فهل سينافس أولئك الأغبياءُ ذكاءَ اليابانيّين، وبراعةَ عقولهم؟!.اضافة اعلان
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook