الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

أبو فيصل و"نكتة السكري"

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
   

مؤخراً، تعمَّقت كثيراً في مكافحة الأمراض المزمنة، واستمتعت بالعمل في التوعية الصحية وتعزيز الصحة على أرض الواقع. ولدي قناعة - قد تبدو متفائلة أكثر مما ينبغي - بأن "هزيمة" الأمراض المزمنة قضية في متناول اليد، وخلال أعوام قليلة نسبياً.

اضافة اعلان

ذات يوم، كنت أناقش أحد زملائي الأطباء، وهو أحد "أساطين" السكري في السعودية، وكنت حينها في ذروة حماسي… فقلت له: اسمح لي يا دكتور بان أقول بأن: "داء السكري في بُعده المجتمعي، وما وصل إليه من انتشار وتعقيدات ما هو إلا مجرد نكتة" فنظر إلي شزراً، كأنه يتساءل، فقلت: هو نكتة لأننا لم نتعامل معه بالاستراتيجيات الوقائية بطريقة علمية، وإلا لما تفاقم ولا زادت شراسته حتى أصبح يفتك بالكثير منا، ويضغط بقسوة على مواردنا الصحية، وهو مجرد مرض من الأمراض المزمنة المتعلقة بالنمط المعيشي، ويمكن الوقاية منه.

وكأي طبيب تمرس في العمل العلاجي والسريري، وليس له تعمق في التدخلات الوقائية أو استراتيجيات تعزيز الصحة والتوعية الصحية والصحة العامة، استمع زميلي إلى "تمتماتي" وأظهر حاجباه لمحةَ استغراب. وبدون تعليق على تمتماتي اقترح علي أن "أكتب اقتراحاً" وأرفعه للجهات المعنية…..

دعوني أتوقف عن قصة زميلي الطبيب، وأجعل "أبو فيصل" يحدثكم عن قصة نجاته من السكري، واستغنائه عن أدوية السكري، بعد أن وصلت قراءة السكر التراكمي لديه لحوالي ضعف النسبة الطبيعية لمدة تتراوح بين 6 و12 شهراً متواصلاً.

يقول "أبو فيصل" أحياناً، تتحول المِحَن إلى منح من الله، فتصلح بها أمور أفسدتها عاداتنا وأساليب حياتنا، وزاد وطؤها بسبب ضعف وعينا. ففي أحد أيام نهاية الأسبوع من أبريل عام 2016 وكان عمري حينها اثنتين وخمسين سنة. كنت قد تناولت طعام العشاء في استراحة، وأتبعته ببعض الحلويات، ومضت الأمور كالمعتاد. إلا أنني لاحظت أنني أحسست بالعطش، وشربت كمية أكبر من المعتاد من الماء، مع شعور بالإرهاق والتعب العام. فخطر ببالي أن أقيس نسبة السكر في الدم، وذلك لأول مرة في حياتي، فلست مريضاً بالسكري. لكن الصدمة جاءت مؤلمة، فقد وجدت مستوى السكر في الدم 330 ملجم، وأنا الآن مريض سكري.

أزعجني الأمر كثيراً فاتصلت بطبيب صديق وذكرت له ما حدث، فحاول أن يطمئنني وأشار بضرورة إجراء تحليل لمستوى السكر التراكمي في الدم. وبعد يومين جاءت الصدمة الثانية، فقد ظهرت نتيجة السكر التراكمي 10 مليمول. وشرح لي الطبيب أن معنى هذا أن نسبة السكر في الدم كانت مرتفعة خلال مدة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، وبنسبة تقريبية بحوالي 200 ملجم يومياً، وهذه حالة سكري واضحة، ولا بد من بدء العلاج.

في البداية حاولت أن أتهرب من العلاج، وأن أعد طبيبي بالحمية والرياضة، إلا أنه رفض وأصر على بدء العلاج، إضافة إلى الحمية والرياضة؛ وذلك بسبب ارتفاع السكر التراكمي.

كان مصدر قلقي من السكري راجعاً لسببيْن؛ الأول أنني في عام 2010م تبرعت بإحدى كليتي لأختي، وأعي بوضوح تأثير مرض السكري على الكلى. والسبب الثاني أن لي تجربة عشتها عن قرب مع أمي (رحمها الله) ومعاناتها مع السكري، وكيف أنه كان مصحوباً بأمراض ومضاعفات أخرى.

جلست مع نفسي وأعدت حساباتي، وقررت تغيير نمط حياتي، وأن أجعل لرياضة المشي نصيباً فيها، وغيرت نمطي الغذائي، وأضفت مادة السكر ومشتقاته إلى قائمة الممنوعات، وتجنبت الأطعمة التي ترفع معدل السكر في الدم، وركزت على المشي والدراجة. ومما ساعدني كثيراً على الاستمرار والتحفيز انضمامي لمجموعة مشاة الرياض الذين ينظمون نشاط مشي جماعياً مرتين أسبوعياً، وينشرون أفكار تعزيز الصحة والتوعية الغذائية.

كما انضممت إلى مجموعة دراجتي السعودية ونشاطها الأسبوعي، واستفدت من التعليمات التي يقدمونها للمشاركين حول ثقافة الدراجة، إضافة إلى التحفيز الذي وجدته من وسائل التواصل الاجتماعي، والتشجيع الذي وجدته من أسرتي ودورهم في ضبط التغذية والتجاوب لأفكار التغذية الصحية في البيت. فمن حسابات التواصل الاجتماعي التي كان لها دور في نجاحي، والتحول نحو تعزيز الصحة والمشي: حساب د. صالح الانصاري، أما في التغذية الصحية، فكان حساب المهندس حسان الفلو، ومشاة الرياض، وحساب "أتنفس المشي".

لقد كان أكبر تحدٍّ واجهته هو تغيير نمط الحياة اليومية، سواء في التغذية أو الاستمرار على ممارسة الرياضة، لكن بعد مرور ثلاثة أشهر أعدت قراءة السكر التراكمي وكانت النتيجة 7 مليمول؛ مما أعطاني دافعاً وحفزني على الاستمرار. وبعد 6 أشهر أعدت التحليل فوجدته أقل من 5 مليمول. وخلال ستة أشهر فقدت من وزني الزائد ما يقارب 25 كيلو، وحالياً أوقفت العلاج نهائياً وذلك بعد استشارة الطبيب.

لقد بدأت المشي بمسافة 3 كلم أقطعها ببطء خلال 60 دقيقة، وكنت أكرر ذلك من 3 إلى 4 مرات في الأسبوع. وتدرج بي الحال خلال 6 أشهر إلى أن وصلت إلى المشي مدة ساعة إلى ساعة ونصف من 5 إلى 6 مرات في الأسبوع. وبلغ أطول مشوار مشي قطعته متواصلاً 45 كلم في يوم واحد، وذلك في وادي حنيفة مع مجموعة من محبي المسافات الطويلة من مشاة الرياض.

أما الدراجة فبدأت مع مجموعة دراجتي السعودية في تمرينهم للمبتدئين يوم السبت بمسافة 10 كلم، وتدرجت إلى أن قطعت أطول مشوار متواصل بالدراجة مسافة 50 كلم في يوم واحد.

وأصبح الإفطار وجبة رئيسية عندي، علماً بأنني أمضيت فترات طويلة من عمري وأنا لا أفطر. واستمريت في منع السكر ومشتقاته. أما الخبز فكان من إعداد منزلي أعده من البر والشوفان. أما الأرز فأتناوله أحياناً يوم الجمعة فقط، وأصبحت أكثر من تناول الخضار، والفواكه، والسلطات في الغداء. أما وجبة العشاء فقد ألغيتها من البرنامج اليومي، واستبدلتها بوجبة صحية خفيفة.

أنصح الجميع بمتابعة أناس محفزين، والتعرف عليهم، كما أنصح بالمشاركة مع مجموعات لها نفس الاهتمام الصحي والرياضي. ومما أود توضيحه للقارئ بأن الحياة الصحية لا تعني الحرمان، فالغذاء غير الصحي يمكن الاستغناء عنه، ويمكن التعامل مع الجوع ببديل صحي، وأنه إذا اتضحت الرؤية وقوي الحافز فإن ممارسة رياضة المشي لها من الفوائد النفسية والجسمية ما يطول شرحه، وسيظهر أثرها بعد فترة قصيرة من الانتظام في ممارستها.

أقول للمبتدئين: الوقاية خيرٌ من العلاج، فاكتشف نفسك واعرف هوايتك وميولك في اختيار الرياضة، واصنع سعادتك بنفسك، واعلم أنك الوحيد المسؤول عن حياتك، وحاول ألا يمر عليك يوم دون ممارسة نشاط رياضي.

ولله الحمد، لم أذكر إن كانت هناك لحظات يأس أو انتكاس. مع أني لاحظت مشكلة ثبات الوزن، لكني تعلمت أن الرقم على الميزان لا ينبغي أن يشكل هاجساً كبيراً، إلا أن مستوى السكر في الدم كان هو همي ومقياسي للتحسن، فقد مرت علي أوقات أحلل 5 مرات وأكثر في يوم واحد…. خِتَاماً. لكم تحيات أخيكم،،، ،  أبو فيصل.

انتهت قصة "أبو فيصل" ولم تنتهِ "نُكْتَةُ السُّكَّرِيّ" في حياتنا، وللحديث بقية. فلو أثبتت قصة "أبو فيصل" (وأمثالها كثير) أن لوسائل التواصل الاجتماعي، والعمل التطوعي في نشر الوعي الغذائي، وثقافة المشي والدراجة أثر في انتهاء السكري من حياة أبي فيصل، فاسألوا صديقي طبيب السكري؛ ما الذي سيحدث لو استثمرت ودعمت هذه الجهود ورُشِّدت بالعلم وببعض الموارد؟ وكيف لو أضيفت لها آليات الطب الوقائي بالتوعية المدرسية والإعلامية، ودعمت بالقوانين والحوافز الملائمة وعلى أسس علمية،،،،  أعتقد أنه لو حدث ذلك،،، حينها سنصدق أننا كنا نعيش "نُكْتَة" اسمها السُّكَّرِيّ.

ودمتم سالمين...

حرر القصة

د. صالح بن سعد الأنصاري

@SalihAlansari

المشرف العام على مركز تعزيز الصحة

@SaudiHPC

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook