الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الرفق سلوك غائب!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

السلوكُ الغائب، والخلُق المفقود لدى كثير من الناس، بل إنها صفة غائبةٌ عند بعض الناس حتى في أنفسهم، ناهيكم بمن حولهم من الأهل والأقربين.

اضافة اعلان

صفةٌ كريمة، وخلُق جميل، فيه سَلامةُ العِرض، وراحةُ الجسَد، واجتلابُ المحامد. خلُقٌ من أشهَر ثمارِ حُسن الخلق وأشهاها، ومن أظهر مظاهِر جميل التعاملات وأبهاها، خلُقٌ يقول فيه نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَا كَانَ في شيءٍ إلا زَانَه، وَمَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلا شَانَه))، إنه الرّفقُ..

الرفق - يا سادة - لين الجانب، ولطافةُ الفعل، والأخذُ بالأيسر والأسهل، وأخذٌ للأمور بأحسن وجوهها وأيسرِ مسالكها.

هو رأس الحِكمة، ودليل كمالِ العقل وقوّة الشخصية، والقدرةِ القادرة على ضبطِ التصرّفات والإرادات واعتدال النظر، ومظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد، بل هو ثمرةٌ كبرى من ثمار التديُّن الصحيح. فيه سلامةُ العِرض، وصفاءُ الصدر، وراحةُ البدن، واستجلاب الفوائِد وجميلِ العوائد، ووسيلةُ التواصل والتوادّ وبلوغِ المراد.

وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في تعامله وخلقه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ، إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِنْ أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ».

الرفق في الأمور كلها من شأنه أن يُصلح ويعطي أفضل النتائج، بخلاف العنف فمِن شأنه أن يفسد ويعطي أسوأ النتائج، فمن أُعطي الرفق فقد أُعطي خيراً كثيراً، ومن حُرم من الرفق فقد فقدَ خيراً كثيراً.

وحسْبنا أن نعلم أن الرفق من صفات الله تعالى العليا التي أحبها لعباده في الأمور كلها:

ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ».

فربّنا عزَّ شأنه رفيق بخلقِه، رؤوف بعباده، كريم في عفوه، رفيقٌ في أمره ونهيه، لا يأخذ عبادَه بالتكاليف الشاقَّة، ولا يكلفهم بما ليس له به طاقة؛ قال سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾.

قال ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب": (من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به، ومن رحمَهمْ رحمَه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه).

فما أجمل الرفق، وما أجمل أهله. وما أحوج الناس اليوم إلى التعامل فيما بينهم برفق ولين في كل شؤون الحياة؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».

فالرفقِ ليست له حدودٌ تقيِّده، ولا مجالٌ يحصُره، فالإسلام يدعو إلى الرفق في كل مجالات الحياة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». دين يدعو إلى الرفق في مجال التربية والتعليم، ويدعو إلى الرفق بالمسيء، يدعو إلى الرفق بالأقارب، ويدعو إلى الرفق بالأباعد، يدعو إلى الرفق بالإنسان، ويدعو إلى الرفق بالحيوان.

فما أحوج المسلم إلى الرفق في قوله وفعله، في سلوكه ومعاملته، مع أهله وأقاربه، مع أصدقائه وأحبابه، مع الصغار والكبار، مع الذكور والإناث، مع الإنسان ومع سائر الكائنات.

ما أحوجنا إلى الرفق واللين؛ في زمن كثرت فيه مظاهر العنف والقسوة والغلظة والجفاء، في البيوت، والشوارع، والأسواق، والمؤسسات، والملاعب، والأندية، وغير ذلك من الأماكن العامة والخاصة.

ارفُقوا وترفَّقوا؛ فالرفقُ والإحسان أسرعُ قبولاً، وأعظمُ أثراً، وأكثر أجراً.

فاللهم اجعلنا من عبادك الصالحين؛ أهل الرفق، والخير، والمعروف، والإحسان.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook