الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الأمة ومعركة "العلو" الكبرى

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

اقترن الحديث بتميز هذه الأمة وعلو منزلتها بلفتات شرعية تحذر من المسلك الذي يفقدها هذه المنزلة وذلك العلو؛ لأن ذلك سيكون السبيل إلى السقوط الحضاري، والانتقال من منزلة الريادة والتوجيه إلى مرتبة التبعية المطلقة لغيرها من الأمم.

اضافة اعلان

فهذه الأمة لا تعرف "المنزلة بين المنزلتين"، فهي إما أمة قوية قادرة على قيادة البشرية والتأثير فيها حضارياً، أو أمة تابعة لغيرها من الأمم، حينما تفقد برغبتها أو بتفريط منها، عناصر القوة والتأثير التي مدها الخالق بها لتعبيد الناس لرب العالمين.

القرآن تحدث عن هذا العلو الحضاري وحذر مما يضاده وهو الهوان والضعف والانهزام أمام النفس، فقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، فليست الهزيمة العسكرية هي التي تنزل الأمة من علوها المرتهن بالإيمان وليس بالنصر العسكري.

وعلى الرغم من أن العلو الحضاري شأن معنوي يكمن في النفس البشرية، إلا أن إلماحات نبي الأمة تنبه إلى العلو المادي كذلك، لا سيما في موطن الحرب، فهو الذي يرفض بإصرار أن تعلو راية الكفر على راية الإيمان، وخيل المشركين على الجند المؤمنين.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ـ يوم أحد ـ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا يعلون علينا، اللهم لا قوة لنا إلا بك، وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم.

وهذا توجيه نبوي آخر في المعركة ذاتها، معركة أيُّنا له العلو؟! فحينما وقعت المصيبة بالمسلمين يوم أُحد أشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا تجيبوه، قال: أفي القوم ابن أبي قُحافةَ؟ فقال: لا تجيبوه، قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قُتِلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا.

فهنا أمر النبي بالصمت، حيث لا معركة مادية ولا معنوية، ولكن حينما قال أبو سفيان: اُعْلُ هُبَل (صنمهم الذي يعبدونه)؟ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – أجيبوهُ، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجَلُّ، قال أبو سفيان: لنا العُزَّى، ولا عزى لكم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أجيبوه، قالوا : ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولَى لكم..

وما أمر بالرد هنا إلا لأن الهزيمة المعنوية والانهزام النفسي والنزول من العلو الرباني قد يكون قاصمة الظهر، فمن اليسير تعويض الهزيمة العسكرية، أما الهزيمة النفسية فأمرها جلل!

يقول ابن القيم في "زاد المعاد": فأمرهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجوابه عند افتخاره بآلهته وبشركه؛ تعظيماً للتوحيد، وإعلاماً بعزة إله المسلمين، وقوة جانبه، وأنه لا يُغْلَب".

وهذا خبر آخر معناه النهي، حذر به نبي الأمة الأجيال التالية لعهود الخلافة الراشدة من فقدان التميز؛ ومن ثم اللهث وراء الآخرين وتتبع خطاهم، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه))، وجاء في روايات الحديث: ((قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)).

إنه توصيف دقيق للمرحلة التي تمر بها الأمة في الوقت الراهن، حيث فقدت الأجيال جوانب تميزها وقوتها وعزها، وراحت تتماهى وتتبع سنن من كان قبلنا في المأكل والمشرب والمظهر وقصة الشعر، ومن قبل ذلك اتبعت طرائق قدداً في التفكير والتصورات، فخسرت الأمة الجولة في معركة العلو الكبرى، ولكنها ستعود حتماً لتسجل نصراً حاسماً في تلك المعركة بإذن ربها.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook