الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

المصلحات

أ.د. إبتسام الجابري
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

بأدبٍ جم وبلطفٍ بالغ وبعيداً عن السباب والبذاءة وتورعاً عن التنابز بالألقاب وطلباً للحق وابتغاء للنصيحة كتبت هذه الكلمات اليسيرة الإصلاح مطلب شرعي واجتماعي ووطني لا شك في ذلك، ومن سعى نحوه نفع نفسه ابتداء، ونفع غيره انتهاء، وأصلح شأنه أولاً ثم غيره، واستظل الناس بظل صلاحه وإصلاحه في وطنه وفي غير وطنه، ووجد ثمرة ذلك في دنياه وآخرته. وقد كان الإصلاح تهمة عند بعضهم للآخر، ثم وجدنا أنهم يَسِمُون أنفسهم به. لكن لا بأس جميلٌ أن نبتغي الإصلاح فهي كلمة طيبة لغة واصطلاحا كما هو المفترض فيها، ولمن ابتغاها.

اضافة اعلان

الإصلاح لغة هو (ضد الفساد) تهذيب اللغة٢٤٣/٤ واصطلاحا (ما ينبغي فعله مما فعله منفعة وتركه مضرة بسبب الإفساد) جامع البيان للطبري٧٥/١ ‎وفي بيان الإفساد ذكر الطبري عن الرَّبيع: في تفسير قوله تعالى (وإذا قيل لهمْ لا تفسدوا في الأرض) يقول: لا تعْصُوا في الأرض، (قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) قال: فكان فسادُهم ذلك معصيةَ الله جل ثناؤه، لأن من عَصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته، فقد أفسدَ في الأرض، لأن إصلاح الأرض والسماء بالطاعة) جامع البيان ٧٧/١.

هذا هو الإصلاح الذي ذكره الله في كتابه، وفي الآيات اﻷولى من سورة البقرة ذكر الإصلاح وبيّنه، وذكر الإفساد وحقيقته. فاﻹصلاح ما اقترن بالتوبة والطاعة والتقوى والصدق.

ثم توالى ذكر الإصلاح في القرآن الكريم في عدة آيات وسور. وبين الله أثر الإصلاح على حفظ الأمة وصلاح أفرادها ومجتمعاتها وأحوالهم، ومن ذلك قوله تعالی: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) سورة هود 88، فهو صالح في نفسه، ومصلح لغيره. وقوله تعالی: (وما كان ربك مهلك القرى وأهلها مصلحون) سورة هود 117، هذا أثر الإصلاح في الدنيا وهو: عدم وقوع الهلاك عامة. وقوله (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) سورة الأعراف 35 وهذا أثر الإصلاح في الآخرة وهو أن المصلح لا خوف عليه مما هو مستقبله، ولا حزن علی ما خلفه. لكن ما هو الإصلاح الذي أراده الله وذكره في كتابه ؟ هذا هو الحَكَم حقيقة.

من هو المصلح حقا ومن هو دونه ؟ الله الخالق يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو أعلم بما فيه مصلحة العباد، وكلامه سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هي ما ينبغي أن تكون فصلا في هذه القضية: مَنْ المفسد مِنَ المصلح ؟ (والله يعلم المفسد من المصلح) سورة البقرة 220.

دعوى الإصلاح من الطرفين ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه. والقسم على إرادة الإصلاح والصدق في تلك الدعوى وإشهاد الله على ذلك ذكرها الله في كتابه. قد يكون دافع الإفساد ظن بعضهم أنه إصلاح، ولكن ما زلنا ولله الحمد بيننا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلی الله والرسول.. ) ونحن عندنا العلماء اﻷجلاء وفي بلاد طيبة بلاد الحرمين، فلنا إلى الفقه بالحق سبيل ولله الحمد. ناهيك عن المآلات التي آلت إليها بعض تلك الدعوات، التي قد يستبصر الحق من خلالها من له بصيرة. وأضرب مثالاً يسيرا نراه جميعنا ولا أظن أن أحدا ينكره، وهو واقع الحجاب عند بعض النساء اليوم، إلى أي شيء آل وإلی أي حد وصل ؟ هل هذا وما ترتب عليه: إصلاح أم إفساد ؟ هل الإصلاح أن تتعدى كل الحدود التي شرعها الله لك وتتجاوزها، وتخرج عن كل صور خلاف العلماء كما سوغوا لأنفسهم؛ لتصبح الحقيقة هي نزع الحجاب ومن ثم التبرج والسفور ؟ وأي إصلاح نرجوه مما وصل له الحجاب عند بعض النساء اليوم، أو بالأصح من نزع الحجاب.. ؟! ولو سلمنا تنزلا أن الدافع هو: وقوع بعضهن تحت وطأة الألم بسبب قهر رجل، فهل هذا السبيل سبيل الخلاص والإصلاح ؟ ليس هذا بحق، فوطأة ألمٍ كهذا أو كغيره لا تبرر اختيار إصلاح ليس هو في الحقيقة بإصلاح بل إفساد وأي إفساد.

ومثال آخر: في رفض القوامة والولاية ونحو ذلك... وهي ثابتة بالكتاب والسنة. ناهيك عن مآلات رفضها، هل ننتظر أن تُزوج البنات أنفسهن دون علم آبائهن ؟ وأي قدرٍ وقيمة سيكون لتلك الفتاة عند زوجها بعيداً عن رعاية والدها وموافقته وسؤاله ؟ وإلى من سترجع لو لم توفق مع هذا الزوج ؟!! ألا نفقه ألا نتأمل ألا ننظر للعواقب ؟؟!! كيف وقد ذاق لوعة هذا الرفض وتجرع مرارته غيرنا، فلماذا نعيد التجربة ؟ هل فعلا تحررت المرأة ونجت من ظلم الرجل ؟ وهل حقا صارت كما تحب أن تكون ؟ وهل توقفت سلسلة المطالبات؟ هل فعلا تحقق الإصلاح ؟! لا والله، لم يحدث شيء من هذا بل ازداد اﻷمر سوء ووبالا. بل متى كانت المرأة والرجل في بعدٍ عن الله وعن منهج الله، فلن يكون هناك نجاح ولا أمن ولا سعادة ولا استقرار. وسوف نذوق ما ذاق غيرنا من ويلات ونكبات بسبب سعيهم للفساد وليس للإصلاح. كم من النساء يُقتلن ويُغتصبن ويُضربن ويُؤذين بشتى صنوف الأذى، في العالم ممن ادعى تحقيق حرية المرأة ؟ كم من النساء عندهم خسرن كل شيء، وهن رغم خسارتهن لا يرجون من الله شيئاً ؟ ((فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) سورة النساء 104، بينما نساؤنا في آلامهم يرتجين من الله فضلاً وثوابا وفرجا.

راجعوا النسب والإحصائيات وما خفي كان أعظم. ولا بد في كل ما يطلبه العبد في أمر دينه أو دنياه أن يحتكم إلى أمر الله، فلن نصل إلى شيء من أمر الدنيا ولا الآخرة إلا بأمره سبحانه وتعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) سورة يس 82 ولن تصلح أحوالنا متى ابتغيناها في غير مرضاة الله جل وعلا. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook