الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

لـــــــــــــــذة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

كلمة من ثلاثة أحرف متباعدة بل متباينة حرف اللام للاشتمال، وحرف الذال للإغلاق والكمال.

دائماً ما أفكر في الموضوع حينما أسترجع هذه الكلمة: ما اللذة؟

اضافة اعلان

هل هي أكلات شهية.. أم أجواء ربيعية.. أم مناظر بهية.. أم أصوات موسيقية؟!

الجميع يبحث عنها.. أهل الرفاه يبحثون عنها في القصور الفاخرة، والأثاث الراقي، واللوحات غالية الثمن، والحدائق الغناء، والديكور الساحر.. يبحثون عن لذة النظر..

الفقراء يبحثون عنها في لقمة دسمة، ووجبة شهية مقلية، أو مشوية تنسيهم قلة ذات اليد وضعف الدخل..

أهل الحركة والنشاط يجدونها في الرياضة، حيث تدخل عليهم البهجة، وتشعرهم بالسعادة ويتلذذون بأداء النشاط الرياضي..

عندما يذكر اللفظ يذهب الخيال إلى اللذة الجسدية لذة المعاشرة، أو الطعام أو الشراب، لكن قلما من ينتبه إلى أن هناك أنواعاً أعمق من اللذة..

اللذة العقلية لها، وقعها عند البعض كأن تحل مشكلة رياضية، أو تفك لغزاً حار فيه الكثيرون.

جاء في القرآن: "يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين" وقال تعالى: "وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين"، فأطلق وصف اللذة على الشراب في الجنة وهو ما يسعد ويبهج النفس البشرية.

في مقام آخر: "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين"، وهنا وصف لذة النظر لما في الجنة من النعيم.

لذة النساء.. أيضاً من اللذائذ التي تكرم بها الله على الرجل، حيث يتلذذ بما أحل الله من الزوجات فضلاً عن الحور العين في الجنات...!!

يرى البعض أن "اللذة" هي الاستمتاع، وهذا صحيح لكن للكلمة جرس خاص ومعانٍ عميقة..

تخيل أنك في مطعم فاخر وأمامك طعام شهي، وأجواء مريحة، ورفقة لطيفة المعشر..

تتذوق من هذا الصنف.. ثم تحكي قصة.. ثم تجرب الصنف الآخر الأشهى، وصاحبك يعاجلك بطرفة، ثم تزدرد لقمة من الطبق الهش فيداعبك صاحبك الآخر بلفتة.. ثم ترفع كأس العصير الطازج لفمك لتلين المعدة فيفاجئك رفيقك الثاني بموقف وحكمة... أليست هذه لذة!

هل من الممكن أن يكون الجلوس "لذة"؟!

نعم لكن في الآخرة كما قال تعالى: "هم وأزواجهم على الأرائك متكئون" "متكئين فيها على الأرائك لا يرون شمساً ولا زمهريراً".

لذة الجلوس.. وأي جلوس بعيداً عن الحر والبرد.. مع الأزواج الحسان.. لا يشغلهم شيء.. إلا التلذذ بالنعيم الذي لا ينفد!!

اللذة ليست بالضرورة مادية قد تكون روحية وجدانية..

لذة الطاعة والعبادة والأنس بالله، والخضوع له.. لذة قلبية تأخذ بالألباب..

لذة التذلل للخالق والانطراح بين يديه لذة ليست مادية.. لذة روحية حقيقية..

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ماذا يفعل بي أعدائي.. أنا جنتي في صدري" فهو - رغم سجنه - إلا أنه يعيش في "لذة" لأنه سيتفرغ لمناجاة الله، والبعد عن صخب الحياة.

اللذة الروحية أهم وأعمق وأكثر أثراً.. إنها التي تورث شعوراً بالسعادة والراحة النفسية.. لا قلق.. ولا اضطراب.. ولا مشكلات.. رضا بالقدر الإلهي والاستسلام للإرادة الربانية.

اللذة الروحية لا تعادلها لذة فهي لذة الروح والنفس، وتنعكس على الجسد لكن لذة الجسد وقتية آنية شهوانية..

لكن الأكمل والأعظم أن تجتمع لذة روحية شاملة، ولذة جسدية جبلية مشروعة، فهنا الكمال.

اللذة شعور داخلي يسري في العروق، ويسيطر على العقل والنفس..

للتفكير الصائب لذة، وللتأمل الإيجابي أيضاً لذة، وللنجاح مذاق ولذة...

اللذة قد تجر عواقب.. يقول أحدهم: "ليس عاراً على الإنسان أن يسقط أمام الألم.. لكن أن ينهار أمام اللذة"!

ويقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: "إن مشقة الطاعة تفنى ويبقى ثوابها، وإن لذة المعاصي تفنى ويبقى عقابها"..

من الغريب بله الطريف أن هناك موقعاً "في الإنترنت" متخصص "باللذة"، واسمه لذة ولديه أقسام، وزوايا بكل فنون اللذة!!

اللذة درجات لكن أفضلها أن تجد الطعام بعد الجوع، والنوم بعد السهر، والشرب بعد الظمأ، والنكاح بعد انقطاع..

لذة الحلال أطيب وأشهى وأبقى، ولذة الحرام أضعف وأفنى...

لذة الدنيا لا تعدل لذة الآخرة، وأعلاها وأكملها كما جاء في دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم: "وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم" فهي أعظم لذة خلقها الله، نسأل الله ألا يحرمنا لذة النظر إلى وجهه الكريم وجميع المسلمين.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook