الثلاثاء، 07 شوال 1445 ، 16 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

ماذا يريد "الزبون" ؟!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

تسيطر على الإعلام نظريتان: الأولى تقول ماذا يريد الناس؟ وماذا يحبون؟ فنقدم لهم ذلك بغض النظر عن مدى فائدة هذه المواد ونفعها للناس، والثانية تقول نقدم للناس ما يحتاجون، أو ما يوجد فيه قصور أو ثغرات لم تسد.

اضافة اعلان

المشكلة أن النظرية الأولى هي التي تسيطر على عالم الإعلام التجاري (بغالبه) و"الزبون" عادة يريد الخفة والمتعة والتسلية لا يريد الثقافة، لا يريد العلم، لا يحب الندوات والمحاضرات يفضل الأفلام والمسلسلات، يكره الدراسات والأبحاث، الفن مبتغاه والنجوم قدوته ومراده.

الخطورة في الأمر أن إرضاء هذا الزبون المفصل على هذه الطريقة قضية حاسمة تجاريـاً، فإن لم يرض لم يحصل الإعلامي على الدخل الرئيسي له من الإعلانات.

الصحافة الجادة أخذت تسترضي وكالات الإعلان وتعرض عليهم خططها التحريرية، كي تتحفهم بالإعلانات المدفوعة وهذه الوكالات يهمها "الزبون" فلابد من إرضائه ولو على حساب المحتوى والمضمون.

مشكلة الإعلام عويصة حيث إنه سلعة تجارية (في الغالب) عائدها الأساسي ليس من المنتج ذاته بل من مدى التأثير في الزبون وإرضائه. تبدأ الدورة بدراسة رغبات الزبائن وتجهيز السلعة الإعلامية المناسبة لهم ثم تقديمها لهم بأبها حلة وأجمل منظر ثم نسألهم هل رضيتم عنها؟ فإن كان الجواب نعم فإن السلعة تبدأ بالحصول على دخل من جهة أخرى مختلفة بالكلية (وكالات الإعلان). وإن سخط "الزبون" من هذه السلعة فالخسارة مرتان: مرة من عدم دفع "الزبون" القيمة الاسمية لهذه السلعة والثانية من إشاحة الممول الأساسي لقيمة السلعة بوجهه عنها وعن أصحابها.

هذه الصورة تجعل السلعة الإعلامية تحت رحمة الزبون نجاحاً أو خسارة بغض النظر عن مدى الفائدة المرجوة من هذه السلعة وعائدها الفكري أو الثقافي والمعرفي. طبعـاً هذا الأمر وإن كان مسيطراً في العالم الغربي إلا أنه بدأ يستشري في بقية العالم ومنه العالم العربي.

نأخذ مثالاً واحداً على ذلك عربياً، ألا وهو القنوات الفضائية، فإذا استثنينا الرسمية منها فإن التجارية - وهي الغالبة - تعتمد على مبدأ «هذا ما يريده المشاهدون»، والمشاهدون بالطبع هم الزبائن. الشؤون الفنية تغطي أكثر من ثلاثة أرباع مدة بث أغلب هذه الفضائيات وهي تشمل الأفلام والمسلسلات والموسيقى والغناء والرقص. هل هذا ما يريده المشاهد العربي؟

الحقيقة أن الجواب بنعم ولا، هناك شريحة لا بأس بها من المشاهدين هذه اهتماماتهم ورغباتهم، وتسليتهم ومتعتهم بهذا النوع من الإعلام المرئي، لكن هناك شريحة أخرى مكرهة أو ساخطة وأحياناً لا خيار لها، لكن لو قدم لها ما ينفعها ويفيدها لما مانعت بل ربما تفاعلت وتابعت.

حتى الفئة الأولى أقصى ما يقال حولها إنها عُوّدت على ذلك واستمرأته ولكنها قد تتأثر لو قُدِّم لها خيار آخر نافع ومفيد بصورة مسلية وليست ثقيلة على النفس.

في العالم العربي والإسلامي ينبغي أن يكون الإعلام رسالة وليس سلعة تجارية كغيرها، وبالنسبة ل"الزبون" يجب أن يُطّور ذوقه وثقافته لا أن يهمش ويُسَطّح. الزبون العربي خامة بسيطة يغلب عليه الجهل وتنخر فيه الأمية، فَلِمَ لا يكون الإعلام وسيلة لرقيه وتعليمه بدلاً من زيادته جهلاً وحمقـاً.

نعم أصحاب المشاريع الإعلامية في غالبهم تجار، لكن تجارة الإعلام تختلف عن غيرها فهي سلع تباع وتشترى لكنها تحمل مضمونـاً ثقافيـاً قد يكون إيجابيـاً أو سلبيـاً بانيـاً أو هادمـاً للشعوب والأمم.

رغم هامش الحرية الواسع في الغرب إعلامياً إلا أن هناك ضوابط ونظام رقابة معين على الإعلام ـ يناسب مجتمعاتهم ـ فلم لا يكون لدينا تحكم بهذه السلعة كما نتحكم بالسلع الأخرى المهمة لعامة الناس والتي يسمونها السلع الاستهلاكية (مثل الرز ـ السكر ـ القمح...)، أم أن الفكر والثقافة ليس من أولويات السلطات الرسمية، بل هو مهمل لأنه ليس مصدراً للمظاهرات والمشاغبات، بل أحياناً مخدراً ومنومـاً للشعوب والجماعات.

لابد من حل جذري لقضية "الزبون" إعلامياً حتى لا تتحكم فئة يسيرة من التجار بثقافتنا وفكرنا، تزعم خدمة "الزبون" فإذا هي تستغفله مرتين، مرة بالحصول على بعض نقوده وثانية بسلب فكره وشعوره. ولعل التوعية الخطوة الأولى والضغوط الخطوة الثانية والمقاطعة الخطوة الثالثة، والرابعة تستحث فيها السلطات المعنية بالإيقاف والمنع والأخذ على أيدي تجار الإعلام تجار الفكر والثقافة.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook