السبت، 11 شوال 1445 ، 20 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

«العتيق»: إصدار نظام يمنع التعدد مُحرمٌ.. واشتراط الزوجة عدم الزواج عليها جائزٌ

الشيخ ابراهيم العتيق
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - خالد العبدالله:

نسمع هذه الأيام كثيراً من الدعاوى من بعض الكتاب حول موضوع التعدد، وكأن قضايا وأزمات الأمة الإسلامية انتهت ولم يبق سوى هذه القضية، مع العلم أن العلماء والفقهاء أدلوا بدلوهم في هذا الأمر قديماً وحديثاً، وحسموا الجدل بما لا يدع مجالاً للشك في حرمة إصدار نظام يمنع التعدد الذي أحله الله وشرعه في كتابه الحكيم.

اضافة اعلان

وفي هذا السياق نتطرق لدعوة الكاتبة سمر المقرن بإصدار نظام يمنع التعدد وعدم زواج الرجل بأخرى إلا بعد موافقة زوجته الأولى، مبررة مطلبها بأن الإسلام أجاز للمرأة الحق في اشتراط عدم التعدد في عقد القرآن إن هي شعرت بعدم الثقة.

دعوة الكاتبة قوبلت برد مفسر ومفصل من الشيخ إبراهيم العتيق - المختص في العلوم الشرعية وقضايا الأسرة قائلاً: "إذا كان مقصود الكاتبة هو إصدار قانون أو نظام يمنع تعدد الزوجات أو تشريع ما يلزم الرجل بأخذ موافقة زوجته إذا أراد الزواج بأخرى، فهذا لا يجوز لأنه تحريم لما أحله الله تعالى في كتابه وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى ما في ذلك من الوعيد الشديد في منع الناس مما أحل الله قال تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى الله الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُون".

وأضاف العتيق قائلاً: "يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: وأما الاعتراض على تعدد الزوجات وتأييد الحجر على بعض الناس بالجمع بين زوجتين فأكثر، والزعم بأنه فعل ذلك بالاجتهاد في مفهوم قوله تعالى: "فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "، فجوابه أن يقال: هذا من الغلط الكبير، والجهل العظيم: لأنه ليس لأحد من الناس أن يفسر كتاب الله بما يخالف ما فسره به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أو فسره به أصحابه رضي الله عنهم أو أجمع عليه المسلمون، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بتفسير كتاب الله، وأنصحهم لله ولعباده.

ولفت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباح الجمع لنفسه ولأمته، وأمر بالعدل بين النساء، وحذر الرجال من الميل، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم هم أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير كتاب الله عز وجل، كما أنهم أعلم الناس بسنته، وهم أنصح الناس للناس بعد الأنبياء، ولم يقل أحد منهم بتحريم الجمع، فكيف يجوز بعد ذلك لحاكم أو عالم أو أي شخص مهما كان أن يقدم على خلافهم، وأن يقول على الله خلاف ما علموه من شرع الله وأجمع عليه العلماء بعدهم، هذا من أبطل الباطل، ومن أقبح الضلال، ومن أعظم الجرأة على كتاب الله وعلى أحكام شريعته بغير حق".

وتابع الشيخ العتيق: "قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: فالقرآن أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر، وتحديد الزوجات بأربع تحديد من حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع".

وأردف العتيق قائلاً " فمنع شيء أحله الله لعباده يدخل ضمن تحريم ما أحله الله - عز وجل - الذي جاء الوعيد لفاعله بأشد العقاب، إذ هو مفترٍ على الله، رادٌّ لقوله، معتدٍ ظالم، قال الله -عز وجل-: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ الله لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلَالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ}، وقال في موضع آخر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وعاب على اليهود تحريم بعض الأطعمة التي أحلها لهم ولسائر الخلق، فقال -عز وجل-: " كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلّاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ثم قال -عز وجل-: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى الله الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

وأضاف: "فتشريع نظام يحرم ما أحل الله باعتقاد أنه يحقق مصالح أفضل مما أحل الله أمر خطير قد يؤثر في أصول الدين وثوابته.. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله".. الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله، أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه، وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفر به، فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى: "إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين" وقوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"، والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً كقوله تعالى: "إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون".

وأوضح العتيق "أما محاولة التشبث بطلب رسول الله عليه الصلاة والسلام من علي رضي الله عنه عدم الزواج من فاطمة رضي الله عنها للاستدلال به على جواز منع الزوج من التعدد فهذا احتجاج خاطئ ومردود فقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللبس والوهم بقوله في نفس الحديث: ".. وإني لست أحرم حلالاً، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً" رواه البخاري ومسلم، قال ابن حبان في صحيحه: "هذا الفعل (يعني الزواج على فاطمة) لو فعله علي كان ذلك جائزاً، وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم تعظيماً لفاطمة، لا تحريما لهذا الفعل"، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "السياق يشعر بأن ذلك مباحٌ لعلي، لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة، وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال العتيق موضحاً طبيعة اشتراط الزوجة على زوجها: "أما إذا كان مقصود الكاتبة منح المرأة الحق في الاشتراط على زوجها ألا يتزوج عليها في عقد القران فهذا شرط فيه خلاف، فمن العلماء من منعه ومنهم من أجازه والراجح أنه من الشروط الجائزة كعموم الشروط التي يحق للمرأة اشتراطها في عقد النكاح، وبناء عليه فإذا أخل الزوج بهذا الشرط فلزوجته الحق في فسخ النكاح، وأخذ حقوقها كاملة، ولها التنازل عن شرطها والبقاء مع زوجها".

وأضاف "سئل الشيخ ابن باز رحمه الله هل يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها فقال " لا حرج، لا أعلم حرجاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج، والمسلمون على شروطهم"، فإذا تزوجها على أن لا يتزوج عليها فلها شرطها، فإذا تزوج عليها فهي بالخيار، إن شاء طلق إذا طلبت وإن رغبت في البقاء بقيت معه، لكن إذا تزوج وهي شرطت عليه يلزمه الطلاق إلا إذا سمحت؛ لأن الرسول قال: "إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج". رواه البخاري ومسلم في الصحيحين.

وقال أيضاً -عليه الصلاة والسلام-: " المسلمون على شروطهم". فإذا تزوجها على أن لا يتزوج عليها، ثم بدا له شاورها فإن سمحت فلا بأس وإلا يطلق ".

وتابع "وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: " إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها: فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، روي هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم ".

وأردف "كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه الشرح الممتع: " إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها فإن هذا يجوز، وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ لأنه حجر على الزوج فيما أباح الله له، فهو مخالف للقرآن: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) فيقال في الجواب على ذلك: هي لها غرض في عدم زواجه، ولم تعتد على أحد، والزوج هو الذي أسقط حقه، فإذا كان له الحق في أن يتزوج أكثر من واحدة، أسقطه، فما المانع من صحة هذا الشرط ؟!

ولهذا؛ فالصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد -رحمه الله- من أن ذلك الشرط صحيح".

وتطرق الشيخ العقيق إلى فتوى الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء - حفظه الله - في كتابه "الملخص الفقهي" وفيها: "من الشروط الصحيحة في النكاح: إذا شرطت عليه أن لا يتزوج عليها، فإن وفّى، وإلا فلها الفسخ؛ لحديث: " أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ ".. وخيارها في ذلك على التراخي، فتفسخ متى شاءت؛ ما لم يوجد منها ما يدل على رضاها، مع علمها بمخالفته لما شرطته عليه؛ فحينئذ يسقط خيارها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذي قضى عليه بلزوم ما شرطته عليه زوجته، فقال الرجل: إذاً يطلقننا ؟!

فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. ولحديث: "الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطهمْ"، قال العلامة ابن القيم: "يجب الوفاء بهذه الشروط التي هي أحق أن يوفيها، وهو مقتضى الشرع والعقل والقياس الصحيح؛ فإن المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط، ولو لم يجب الوفاء به؛ لم يكن العقد عن تراض، وكان إلزاماً بما لم يلزمها الله به ورسوله".

وخلص العتيق إلى أن هذا الكلام إذا كانت المرأة شرطت عدم الزواج عليها في عقد القرآن، أما إذا اشترط ذلك على زوجها بعد عقد النكاح فهذا وعد من الزوج له أحكام الوعد، ولا يعد شرطاً في عقد النكاح".

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook