الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

القلب والفتور في رمضان

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

القلب في رمضان يكون قبل دخوله في شوق ولهفة واستعداد وهمة، ثم تبدأ بعض القلوب تفتر قليلاً، ثم تعود من جديد مع العشر الأواخر.

اضافة اعلان

ماذا يحدث للقلوب ولماذا الفتور؟

إنها القلوب ومعها الجهاد لإصلاحها يقول ابن رجب رحمه الله :"اعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين، ووَفَّى بحقوقهما، وصبر عليهما، وُفِّيَ أجره بغير حساب".

وعلاج الفتور عن الطاعات في رمضان نعود به للقلب ومعني الطاعات هو المعني الشامل للعبادة في الأعمال الظاهرة والباطنة. ومن علاج هذا الفتور:

1 - أن نستقبل مواسم الطاعات بانكسار القلب وخضوعه لله تعالى ويستمر تفقد قلوبنا لهذه الحالة الرفيعة باستمرار ومتابعة نموها وتصاعدها أو انخفاضها فالقلب إن كان منكسراً خاضعاً ذليلاً لله تيسر انقياده، وحضوره في العبادات بأنواعها.

2 - الدعاء بإلحاح واستمرار. ألا نتأمل أن الله الحكيم الخبير الرحيم بنا جعل آية الدعاء بين آيات الصيام.

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مريضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ آخر يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ185 وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ 186 أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ187).

فندعو الله ألا يجعلنا أشقياء ولا محرومين وألا يحول بيننا وبين رحمته وفضله لكن ندعو بصدق وحضور قلب في رجائنا وسؤالنا ورغبتنا والله لن يخيبنا يقول صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه بدعوة أن يردهما صفراً ليس فيهما شيء).

3 - التذكير الدائم والعلم بفضل شهر رمضان وعظيم ثواب من تعبد الله فيه إيماناً واحتساباً مما يعني وجوب حضور القلب في التصديق به والإخلاص التام لله تعالى ومن ذلك هذه الأحاديث المبشرة المشهورة التي تتناول الشهر كله نهاره وليله وتخص ليلة القدر فيه بالغفران وبركة القبول ومضاعفة الحسنات:

(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه. ((مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه، (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة.(رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني). وهذا للصغائر فقط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» رواه مسلم. عندما نتأمل هذه الأحاديث نرى فيها عظيم امتنان الله علينا. فكم من محروم ومذنب ومهموم دخل عليه شهر رمضان فخرج منه مرحوماً مكرماً وكم من مذنب خرج منه مغفوراً له، وكم من شقي خرج منه وهو أسعد الناس.

فهذه المغفرة هي للصغائر ومع الإقبال على الله وصدق النية والتجرد له سبحانه سيكون الصائم القائم مقبلاً على التوبة من الكبائر فتعمه الرحمة والمغفرة، والنعيم الممتد لمن أعتقه الله من النار.

4 - التسابق والموالاة في الطاعات خاصة مع إقبال من حوله للطاعات تجعل القلب منتبهاً حاضراً فالطاعة تسوق أخواتها من الطاعات قال تعالى: (فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى)، فمن دخل الشهر عليه وهو عازم بصدق على الطاعات تجده لا يسوف ويؤجل الطاعات لليوم التالي، بل هو في سباق فيها في كل أحواله ولو بكف شره عن الناس.

5 - التأمل فيمن حولك ممن قضى ومات يجعل قلبك يتحرك نحو الطاعات فأنت في نعمة عظيمة أن أبقاك الله حياً لرمضان تغترف من ينابيع الطاعات وتعيشها بأمن وصحة وبيئة تعينك على ذلك.

6 - ألا نحول الصيام إلى عادة متوارثة يتغير فيها نظام حياتنا في الطعام والشراب والنوم وساعات العمل فقط بل هو عبادة يمتن بها الله علينا بالمغفرة، وهو سر بين العبد وربه وهو باب للمغفرة والخروج من الذنوب.

7 - التأمل في فضائل الصيام وأهله كثيرة متعددة يفرح الصائم بفطره، وعند لقاء ربه، والباب المخصص الذي يدخله الصائمون إلى الجنة "باب الريان"، والخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك، وفتح أبواب الجنة وتغليق أبواب الجحيم وسلسلة الشياطين مما يعني تغييراً للأقوى في الطاعات لله والإعانة من الله على الطاعة ومنها - (إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردت الجن وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي منادٍ كل ليلة - أول الشهر وأوسط الشهر وآخر الشهر كل ليلة - في جميع رمضان - يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر)، (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله من جهنم مسيرة مائة عام)، وقال(من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض) وقال: (من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً).

8 - تعالوا نتأمل أوقات رمضان:

كل ليلة عتقاء من النار

كل ليلة منادٍ ينادي يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر لتحيا قلوبنا على الخير.

مغفرة للصغائر لمن صام والصيام صباحاً

مغفرة للصغائر لمن قام والقيام مساء

ليلة القدر تساوي العبادة فيها مقدار ألف شهر = 83 سنة و3 شهور تقريباً.

9 - الفرح بأن الحسنات تضاعف في رمضان. قال ابن باز رحمه الله: (فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلاً والمكان فاضلاً ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثماً من سيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثواباً عند الله من طاعة في غيره. ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات، والإقلاع عن السيئات عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائماً بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة؛  لقول الله عز وجل في سورة الأنعام: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ") "موقع الإسلام سؤال وجواب https://islamqa.info/ar/38213

10 – شهر رمضان شهر نزول الكتب السماوية. فهو شهر الوحي والوحي مبارك. قال صلى الله عليه وسلم: (أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ، وأُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ، وأُنزل الإنجيلُ بثلاثَ عشرةَ مضتْ من رمضانَ،  أُنزِلَ الزبورُ لثمانِي عشرةَ خلَتْ من رمضانَ، وأُنزلَ القرآنُ لأربعٍ  وعشرينَ خلتْ من رمضانَ) حسنه الألباني في صحيح الجامع.

11 - التفكر في حديثه - صلى الله عليه وسلم - (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فأدخله الله النار فأُدخل النار فأبعده الله قال جبريل لمحمد: قل آمين، قال محمد - صلى الله عليه وسلم - : آمين) والتفكر في هذا الحديث يعني الخوف والهلع والمبادرة إلى العمل.

12 - تنويع العبادة في أيام رمضان بين: صيام، قيام، قرآن، إطعام، إنفاق، زكاة وصدقة، صلة رحم، تعليم علم نافع، تفقد أحوال المحتاجين والدلالة عليهم، القيام بحقوق الوالدين والزوجة والأبناء والأهل وغير ذلك كثير. وهو يعود لفقه المعني الشامل للجود الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان أجود ما يكون في رمضان، "وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق من إطعام جائعهم ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم وتحمل أثقالهم، ولم يزل صلى الله عليه وسلم على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ؛ ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه: والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافاً كثيرة. "انتهى من قول ابن رجب رحمه الله".

13 - نتذكر تصرم أيامه سريعاً ونتذكر معها أن رمضان شهر في السنة. يعود بعد مضي 11 شهراً أليست طويلة جداً على حبيب ننتظره بشوق؟

إنه رمضان وما أدرانا ما رمضان!

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم آمين.

كتبته: د.حياة بنت سعيد باأخضر

أستاذ مشارك بجامعة أم القرى 1437 هـ

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook