الخميس، 16 شوال 1445 ، 25 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الميزان الدقيق للعلاقات الدولية !

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تحدثت في مقال سابق عن القاعدة الثانية من القواعد التي تحكم مسار العلاقات الدولية في الوقت المعاصر، وهي قوله تعالي:(( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) (البقرة:120).

اضافة اعلان

وتحدثنا عن الدلالة الأولى، من تلك الآية، وهي أننا بصدد فريقين، الأول هم المسلمون، والجانب الآخر هم اليهود والنصارى، ويضاف إليهم كافة الفرق والمذاهب والأديان، فهم على ما بينهم من الاختلاف والتضارب، وعلى الرغم من أنهم يكفرون بعضهم بعضا، إلا أنهم متفقون ويجتمعون ضد المسلمين.

والدلالة الثانية، وهي مجال حديثنا، أن كل المحاولات التي تبذل من قبل قادة الدول العربية والإسلامية لنيل رضا الدول الغربية الكبرى، التي تخالف المسلمين ديانة وعقيدة، ستبوء بالفشل، لأنهم يتعاملون معنا بوجهين، وجه سياسي عنوانه المصلحة، وعنوان عقدي مضمونه البغض والكراهية أبدا.

فأصل العلاقة وجذورها العداوة والبغضاء وعدم الرضا، ولن يحدث الرضا إلا بالتغيير العقدي وليس السياسي، فهما بذلنا من أسباب سياسية لنيل رضا الرجل الغربي الأبيض فلن يرضى، ومهما بذلنا من تضحيات وتنازلنا فلن يكون هنا أي لون من ألوان الرضا، ما بقي الاختلاف العقدي.

يقول صاحب الظلال، مبيناً تلك الحقيقة الدامغة: "هذه حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت ضدنا.. إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها، ولكن المعسكرين العريقين في العداوة للإسلام والمسلمين يلونانها بألوان شتى، ويرفعان عليها أعلاماً شتى، في خبث ومكر وتورية.. إنهم قد جربوا حماسة المسلمين لدينهم وعقيدتهم حين واجهوهم تحت راية العقيدة. ومن ثم استدار الأعداء العريقون فغيروا أعلام المعركة.. لم يعلنوها حربا باسم العقيدة - على حقيقتها - خوفاً من حماسة العقيدة وجيشانها، إنما أعلنوها باسم الأرض، والاقتصاد، والسياسة، والمراكز العسكرية...وألقوا في روع المخدوعين الغافلين منا أن حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة لا معنى لها! ولا يجوز رفع رايتها، وخوض المعركة باسمها، فهذه سمة المتخلفين المتعصبين! ذلك كي يأمنوا جيشان العقيدة وحماستها، بينما هم في قراره نفوسهم جميعاً يخوضون المعركة أولاً وقبل كل شيء لتحطيم هذه الصخرة العاتية التي نطحوها طويلا فأدمتهم جميعاً".

والتاريخ المعاصر خير شاهد على ذلك، فلا توجد دولة عربية أو إسلامية واحدة تحظى بالرضا الغربي، إلا في حدود ما تمليه المصلحة الغربية، ولا ينتهي المكر الغربي بأية دولة عربية أو إسلامية مهما قدمت من خدمات للغربيين.

ولنأخذ مثالاً واحداً من تاريخنا المعاصر، من الباكستان، التي قدمت خدمات عاتية وغير مسبوقة للاحتلال الأمريكي أثناء غزو أفغانستان، وعلى الرغم من ذلك تنتظر مصيراً بئيساً تعيساً، تحدث عنه مسؤول السفير الأمريكي السابق في العراق وأفغانستان زلماي خليل زاده بقوله أن باكستان ستصبح عما قريب "دولة مارقة"، بالمصطلح الأمريكي! (الثلاثاء 24 مايو 2016، قناة الجزيرة الفضائية).

ولا سبيل للمقارنة بين ما قدمته باكستان للاحتلال الأمريكي، وما قدمته أو تقدمه دولة هندوسية مثل الهند، وعلى الرغم من ذلك تحظى الهند الهندوسية بمعاملة فوق العادة، فيما تتجه باكستان إلى أن تكون دولة منعزلة ومارقة!

وفي التاريخ المعاصر الكثير من الدلالات والشواهد على أن العقيدة هي الميزان الدقيق للعلاقات الدولية، حتى وإن أخذت أشكالا مغايرة لخداع من يريد أن يخدع.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook