الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

«الجدة حصة» رائدة تعليم الدلم.. كيف ضم منزلها أول مدرسة لتعليم الفتيات؟

صور بيوت اثرية
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - هياء الدكان:

حصة بنت زيد بن محسن.. يعرف أهالي الدلم التابعة لمحافظة الخرج هذا الاسم كواحدة من رواد مسيرة التعليم بالمنطقة، فتلك السيدة التي تُوفيت بعد أن جاوز عمرها الثمانين، قد أسست أول حلقة نظامية لتعليم الفتيات داخل دارها المتواضعة.

اضافة اعلان

«تواصل» التقت حفيدتها، نورة بنت عبدالعزيز الشدي، لتتحدث عن جدتها لأمها، فتقول: "عاشت جدتي حصة في بيت متواضع يتكون من غرفتين ومصباح، كان قديماً يسمونه "بطن البيت"‏، مضيفة: "كانت تبدأ يومها من أذان الفجر، فتصلي، ثم تفتح باب بيتها وتردمه بحصاة حتى لا ينغلق، وأمام البيت رحى (وهي أداة كانت تستخدم قديماً للطحن)".

وتابعت: "أوقفت جدتي رحمها الله كل شيء في بيتها لله، فيحضر إليه الجيران ليستخدمن الرحى واحدة وراء الأخرى"، مضيفة: "وكانت عندها في الجهة الأخرى من البيت حصير قد فرشته رحمها الله لتجلس عليها البنات في حلقة لتعلمهن القرآن، فقد كانت رحمها الله تدرس القرآن للصغيرات، فيحفظن بين يديها، كما كانت تقرأ على المرضى وترقيهم".

واستطردت أن الجدة حصة كانت ملاذ كل من يحمل كرباً، فإذا امرأة قد وضعت مولوداً، كانت  تقيم عند الجدة وترعاها حتى تقوى، ثم تعود لبيتها، كما كانت - أي الجدة حصة - تغسل الموتى.

وتضيف: "من ذكرياتي معها أنها رحمها الله حفظتني القرآن، وكانت تقوم بشغلتين في الوقت نفسه: تشتغل بالخوص وهي تدرس البنيات القرآن، والخوص هي مادة من سعف النخيل تصنع بها قديماً بعض المنتجات الضرورية التي تستخدم كسلال وسفر وفرش وحافظات وغيرها، فكانت موهوبة، تشتغل بيدها، وتقرأ القرآن بفمها".

وأشارت إلى أنه "قد تخرج على يديها العديد من الحافظات، وأتذكر أنها ذات يوم وهي جالسة في الحلقة مع الطالبات، سمعوا صوت كبير مسن يطرق باب البيت بعصاه، وأخذ ينادي: "أم زيد.. أم زيد"، حتى ردت عليه، فقال لها: "معي عباءتي ممزقة أرغب بإصلاحها"، لكن العباءة كانت ممزقة جداً ومهترئة. ومع ذلك لم تستغرب الجدة، وأخذتها محاولة إصلاحها.

وتضيف: "ثم رأيتها تقلبها وبإبداعها قلبت المعيب ووضعته في الأسفل والجيد في الأعلى وخيطتها ورتبتها وطبقتها مثل الكتاب، وحضر الشيخ الكبير بعد أسبوع، فأرسلتْ إحدى البنيات الصغيرات بعباءته وأعطتها له ففرح فرحاً شديداً ونادى مرة أخرى: أم زيد كم "عرقتك"؟ يعني أجرتك، فقالت: عرقتي أن قل: جعلك في الجنة ووالديك.

وتابعت: "ومن مواقف نفعها للناس أنها كانت تسكن في منطقة زميقة، في الدلم، وإذا جاء يوم الجمعة تذهب إلى منطقة عذار حتى تسمع الخطبة، وكان الناس ما تأتي عليهم الساعة العاشرة إلا وهم بالمساجد، وهي رحمها الله ذاكرتها قوية وحفظها متين، فتسمع وتحفظ، وإذا انتهت الخطبة تذهب إلى بيوت فيها نساء، وتلقى عليهم ما سمعته من الإمام في الخطبة، فلا تنسى شيئاً".

‏واستطردت: "دائماً كانت تضع في جيبها ما تفرح به الصغار، مما يتوفر لديهم قديماً مثل الأقط وهو قطع تصنع من الحليب وتجفف وتؤكل، وإذا لم تجد شيئاً سلقت بيضاً، وكل من يسلم عليها من الصغار أو من تسلم عليهم تعطيهم أو تناديهم وتقول اقرأوا علي القرآن، فيقرأون وتصحح لهم، فقد كان مجلسها لا يخلو من ذكر الله وكان لسانها رطباً من ذكر الله".

وعن أولادها تقول حفيدتها أمي حصة كان لديها رحمها الله ثلاث بنات: نورة الشدي، وأمي: هيا الشدي، ثم تزوجت برجل بعد جدي من عائلة المعيقل وأنجبت منه بنتاً سمتها لطيفة وكلهن توفين رحمهن الله وأسكنهن الجنة .

وتضيف حول برنامجها يوم الجمعة: "‏كانت تأتي من زميقة لعذار تزور بنتها نورة وقد كانت تحضر معها طعاماً وخضرة على رأسها وأثناء سيرها تقرأ القرآن جزءاً أو جزأين وتوصل الساعة الثامنة أو التاسعة صباحاً فتحضر الخطبة وتزول أقاربها وتطعم من صاحبات الحاجات وتراجع حفظها من القرآن وكان ذلك كل جمعة فلله درها".

وذكرت أنها شعرت بالتعب يوم الاثنين فجهزت كفنها وسدرها وكل ما يحتاجه تغسيل الميت ووضعت فراشها باتجاه القبلة، وكان أحد أبناء جاراتها يدرس مع ابن بنتها سعد في المعهد وهي تجلس مع جاراتها كل يوم، فقالت لجارتها: قولي لابنك: يقول لابني سعد: إن أمك "تعني جدتك" مشتاقة لابنتها، فأوصل الابن هذه الرسالة إلى أمه، ولقد استغربت فهي من عاداتها أن تزورها هي بنفسها، ‏وأخذت رحمها الله تنادي قريباتها والغاليات عليها وأخواتها وحضروا عندها وسلموا عليها".

وتابعت: "ثم طلبت ابنتها الثانية من الرياض، وحضرت لها يوم الأربعاء، وناموا كلهن عندها ففي يوم الخميس ليلة الجمعة نامت عندها بنتها نورة وهيا أما لطيفة فهي مقيمة معها وكانت طول الوقت رحمها الله وهي على فراشها تسأل وتقول أذن الفجر أذن الفجر ويقولون لها ليس بعد ..  ليس بعد .. ثم أذن الفجر فقالت ابنتها لها أمي أذن الفجر .. فردت بكلمة قوية مؤثرة " إذا أخذ ما وهب سقط ما وجب " وكأنها تعني روحها وفعلا فاضت روحها ولم يتحرك فيها شي يدها اليمين تحت خدها اليمين ويدها اليسرى على جنبها الأيسر..

وتضيف حفيدتها: أنه في عام 1389 أرسل لها تعليم البنات إهداء كُتب باسمها، وعدوها من أعمدة التعليم في الدلم، رحمها الله، ورفع ذكرها في الدارين وكل من أحبها فيه.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook