الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

هروب الفتيات.. غياب الأسرة وحضور رفيقات السوء وتهميش دور الهيئة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل – تقرير:

بين حين وآخر تسجل الجهات الأمنية حالات تغيب أو هروب لفتيات من منازل ذويهن، ورغم أنها تعد حالات محدودة وليست ظاهرة في مجتمع متماسك، ويتمتع بخصوصية عاداته وتقاليده، إلاّ أنها تدق ناقوس الخطر في كل بيت، خاصة مع تعدد وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"واتساب" و"انستجرام" التي فتحت الباب على مصراعيه أمام فرص التعارف التي تتجاوز أحياناً "الخطوط الحمراء".

اضافة اعلان

"تواصل" من جانبها حاولت أن تسلط الضوء على هذه القضية، لمعرفة أسبابها ووسائل الوقاية منها.

ظاهرة أم لا؟

في البداية، رفض الدكتور خالد بن سعود الحليبي، مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء، وصف هروب الفتيات بـ"الظاهرة" قائلاً: "لا يعد هروب الفتيات في بلادنا ظاهرة، بل هي حالات نادرة بالفعل، وغالبهن لسن سعوديات", ووافقته الأستاذة منال الشلهوب المشرفة التربوية في قسم التوعية الإسلامية بوزارة التربية والتعليم قائلة: "ولله الحمد لا تعد ظاهرة لأن الخير في البنات أكثر بإذن الله، بل هي حالات متعددة لا تصل لحد الظاهرة."، وعلى النقيض خالفتهما اختصاصية العلاج النفسي سلطانة القحطاني التي أكدت أن الأمر أصبح ظاهرة ملحوظة في الفترة الأخيرة بشكل واضح، مبينة أن كثيرا من هذه الحالات تتم بصورة عمدية وغالبا تكون الهاربة في سن المراهقة.

التجاهل

وأرجعت الاختصاصية القحطاني أسباب هروب الفتيات إلى "أساليب التنشئة الأسرية, وضعف لغة الحوار بين الفتاة وأسرتها, والتفكك الأسري (الطلاق) أو وجود الوالدين كصورة فقط, وعدم وجود حدود وقواعد رادعة وضعف الوازع الديني, إضافة لأثر الأقران كوجود رفيقات سوء، وتأثير وسائل الإعلام السلبي وترويجه للحرية بصورة خاطئة تماما تحت مفاهيم (الحب والسعادة)، خاصة في ظل الفراغ العاطفي الذي تعيشه كثير من الفتيات وغياب الرقابة الأسرية مع وجود التغيرات الفسيولوجية والنفسية التي تطرأ على الفتاة، في الوقت الذي ينشغل الوالدان عنها، مما يدفعها للاكتشاف بنفسها والالتفاف على الرفيقات وقد ينتهي بها المطاف للهروب من منزل أسرتها كحل لمشكلاتها برأيها".

وتضيف: "كذلك الكبت المستمر وتهميش دور الفتاة داخل الأسرة, وعدم النضج النفسي والعقلي لديها وعدم تقدير عواقب الأمور, والعنف الذي يمارس تجاهها بجميع أشكاله النفسي أو الجسدي أو اللفظي".

وطالب الدكتور خالد الحليبي، الأسر بأن يتوفر للفتاة الحب الكافي، والإعجاب بذكائها أو إبداعها أو بجمالها أو بزينتها، بدلا من أن تسمع كلمة الحب، أو الإعجاب من شاب، ثم تنساق له بعاطفة مجنونة.

وأضاف: "كما يجب على الأهل تشجيع الفتاة على الانخراط في أعمال نافعة، كالتطوع في جمعيات نسائية، والعمل التجاري في أطر نسائية محضة، والكتابة والتأليف ونحو ذلك من أعمال"، مشيراً إلى أن الفراغ يورث البحث عن أي شيء يمكن أن تستوعبه، ولذلك يجب الحرص على إشغالها بما يؤهلها للنجاح في المستقبل بإذن الله تعالى في وظيفتها أو في أسرتها، ومع زوجها أو أولادها".

غياب الرقابة على وسائل التواصل

ولفتت الأستاذة منال الشلهوب إلى أن أول الأسباب وأهمها والمشترك في جميع الحالات: قلة الوازع الديني وضعف المراقبة, إضافة إلى التفكك الأسري وانفصال الوالدين وانشغالهما, والإهمال الزائد للأبناء والبنات وضعف التواصل معهم مما أدى إلى الفراغ العاطفي، وصغر العمر أحياناً وقلة الخبرة, والتساهل في استخدام الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي بلا توجيه أو رقابة.

احتووا الفتيات

فيما وجهت سلطانة القحطاني رسالتها للوالدين قائلة: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ويتوجب على الوالدين السعي للتوعية والاطلاع على خصائص نمو كل مرحلة، واحتياجاتها، ومشكلاتها وكيفية حلها من خلال القراءة، والبرامج التوعوية، والدورات التدريبية، واستشارة المختصين".

ووجهت نصائحها إلى الأم قائلة: "يجب أن تكوني على وعي تام بمرحلة المراهقة التي تمر بها ابنتك وتمثل تغيرات على المستوى النفسي البيولوجي الجسدي، وكوني أقرب صديقة لابنتك لتصل إلى بر الأمان، واحرصي على جعل شخصية ابنتك سوية واثقة من خلال خبراتك، وتعاملك معها، وأوكلي لها مهاما في المنزل، واستشيريها، واصغي لها وعززيها".

وزادت: "علميها أن الخطأ وارد بحدود، اشعريها بالأمان حتى تشعري بالراحة وتثقي أن ابنتك جعلت منك مستشارها الأول قبل أي أحد".

وواصلت القحطاني توجيهاتها للوالدين: "احتضنوا فتياتكم عاطفيا، استنطقوا مشاعركم مع فلذات أكبادكم، احتووهم بمشاعركم (الابتسامة اللطيفة، القبلة الحانية، الحضن الدافئ لن تكلفكم الكثير بل ستنعكس على حياتكم وحياتهم إيجابيا".

وأضافت: "كثير من الفتيات يخفن من ردود فعل أسرهن منذ صغرهن عند وجود الكثير من الأسئلة مما يجعلهن يقعن في بعض الأخطاء لذا هنا عليك كأم / كأب أن تحتويا ابنتكما منذ صغرها حتى تطمئنا سويا عند كبرها".

ذئاب حول المدارس

وأشارت الأستاذة منال الشلهوب إلى أن فترة الدوام المدرسي قد تستغل في هذا الأمر لأنها الفترة التي يطمئن فيها الأهل على بناتهم كونهن في المدرسة فلا يفتقدونهم مع غفلة المدرسة عن الاتصال بالوالدين والتبليغ عن غياب الطالبة, إضافة إلى تساهل بعض الأهل في إرسال الفتاة مع السائق الذي لن يكون حريص عليها مثل والدها أو أخيها ومتابعتها عند الدخول للمدرسة, وكذلك تواجد بعض الشباب هداهم الله عند المدرسة، وتساهل بعض البنات في الحجاب والستر، مع تقليص صلاحيات الهيئة في تواجد دورياتها أمام المدارس، كان له جانب كبير في انتشار المعاكسات وملاحقة الشباب للفتيات.

وطرحت الشلهوب عدة أسباب تكمن في البناء والغرس أولاً لمراقبة الله عز وجل قبل مراقبة البشر لأن الفتاة والشاب إذا استشعرا هذا الأمر وطبقاه في حياتهما كان من أعظم الأسباب بعد فضل الله للحذر من الوقوع فيما يغضب الله، وتقوية صلاحيات الهيئة وزيادتها وتكليفهم بالقرب من المدارس التي تعاني من إزعاج الشباب وكثرة تواجدهم حول المدرسة, كذلك الدعاء للأبناء والبنات دائماً بالهداية والحفظ من كل سوء، فالدعاء سلاح المؤمن.

صديقات سوء

وأضافت الشلهوب أن هناك من رفيقات السوء من تكون سبباً في ذلك هداهن الله، وتيسر لصاحبتها تجربة هذه الأمور حتى تقع في مثل ما وقعت فيه. والحل: هو التأكيد الدائم من الوالدين والمدرسة على صفات رفيقة السوء والتحذير منها لما تجره على صاحبتها من سوء في الدنيا والآخرة انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل), وكما يقال في الأمثال الشعبية: الصاحب ساحب.

ولكن النقطة الأهم والأبرز التي ينبغي أن يركز عليها الوالدين وكذلك المعلمات في المدرسة: هي التربية على مراقبة الله واستشعار اطلاعه على أفعالنا وتدبر (ألم يعلم بأن الله يرى) وكذلك قوله عز وجل (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) والدعاء لهم في كل وقت، وكذلك الاحتواء النفسي وإظهار المحبة بالأفعال والأقوال، وإشعارهم بالتقبل والاحترام، والجمع بين الحزم واللين فلا إفراط (بالقسوة والشدة) ولا تفريط (بالدلال الزائد وترك الحبل على الغارب)، مع الحوار الهادئ والمناقشة المنطقية التي ينتج من خلالها التوصل إلى القناعة بسوء هذا الفعل وعواقبه في الدنيا والآخرة.

التعامل مع الخطأ

وأشار الدكتور خالد الحليبي إلى أن الفتاة عليها حين تخطئ أن تقلع لتصلح الحال، وتندم لتصلح الماضي، وتعزم على عدم العودة لهذه الطريق الموبوءة مرة أخرى لتصلح المستقبل، وتتوب إلى الله تعالى من كل ذنب، وعليها أن تغير جميع أرقامها وحساباتها، بل وصديقات السوء اللاتي أخذن بيدها إلى هذه السبل الإجرامية.

فيما شددت الاختصاصية القحطاني على أهمية أن تكون الفتاة واعية بأهميتها ورسالتها العظيمة في الحياة، مبينة أن الهروب ليس حلا لمشكلاتك، فحل المشكلة يكمن في (مواجهتها) بدلا من الهروب، مضيفة: "إذا وقعت الفتاة في الخطأ عليها أن تدرك تماما أن لكل مشكلة حل قد تحتاج من يساعدها في وضع حلول فعليها أن تحرص على مشاركة أسرتها وإذا استعصى عليها الأمر تتواصل مع مختصة تساعدها في الحلول".

خطأ الفتاة لا يغتفر

وأشار الحليبي إلى أن من حق الأسرة أن تغضب من فتاة تنتسب إليها ولم ترع حق هذه النسبة، ولكن العقل يقول: إن العقاب ينبغي أن يكون للتصحيح، والتصويب، والتأديب، وليس للانتقام، ولمجرد التنفيس عن الغضب، فإن الشدة لا تنجب إلا التمسك بالخطأ، وهناك من الفتيات من انتقمت من أهلها في عرضها، وهو تصرف أسوأ من السوء نفسه.

ولذا فليكن ملف هذا الخطأ السلوكي لدى أحكم من في البيت، وأضبطهم لأعصابه، وليساعد الفتاة على الخروج من هذا المأزق، ولا يعين الشيطان عليها.

حملات توعوية

وطالب الحليبي الخطباء والإعلام والمدارس أن ينظموا حملات توعية عامة وليس خاصة بهذا الأمر ليحذروا منه، قبل أن يتحول إلى ظاهرة، وقال "وإن كنت أستبعد ذلك، لأن الفتاة إذا وجدت نفسها في خطر بالبيت فإن خارج البيت أخطر بكثير، بل هو المصير المجهول المذل، فلا تلجأ إليه إلا من غطى الوهم عقلها تماما".
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook