الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

بعد انتشار المقاطع المسيئة.. هل يبيح «حب الشهرة» المحظور الشرعي والاجتماعي؟

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - هياء الدكان:

أطفال تنحرف فطرهم، وأناس يشمئزون، وآخرون قد يصابون بحالة سيئة، أو ألم نفسي، بعد مشاهدة مقاطع مسيئة يتوسع فيها المصورون دون رادع، ودون تفكير عميق في الهدف من التصوير أو النشر.. اعتداءات أو ضرب، أو تلفظ بالطلاق على شكل مزاح، أو تصوير خصوصيات الآخرين ونقلها بإساءة.. مشاهد كثيرة تبلغ الآفاق، تتقلب فيها عيون الصغار والكبار، وترجف منها قلوبهم. ولا يختلف المختصون ولا أهل الرأي على أثرها السلبي اللامحدود على نفسية المشاهد! فإلى متى؟ وما الدافع من وراء هذه المشاهد، سواء كانت مصطنعة (تمثيل) أو حقيقية؟ وما الحكم الشرعي؟ وما الحل لإيقاف هذه المهازل والتجاوزات؟ ومن يداوي جراح وآلام المشاهدين والمشاهدات؟!

اضافة اعلان

أسئلة توجهنا بها لعدد من المختصين، فكانت هذه الإجابات:

المقاطع المؤذية تؤثر على النفسيات

يذكر الدكتور محمد المطوع أستاذ علم النفس المشارك وكيل كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود أستاذ كرسي خبراء التربية لدراسات الأسرة لـ«تواصل»: «المشكلة قائمة وتتوسع، والحلول تتمثل في جانبين: وقائي من خلال توعية الأبناء بخطورة ذلك عن طريق الأسرة والمدرسة، وعلاجي من خلال سن القوانين التي تعاقب متجاوزي الحدود لمثل هذه الأعمال».

وأكد ‏بقوله: "هذه المقاطع بدأت في الخروج عن المألوف، ووصلت لحد الإيذاء للأطفال والكبار، كله من أجل الشهرة وإضحاك الناس على حساب آخرين".

وتابع: "ومقاطع إيذاء الأطفال ضررها أكبر على نفسياتهم؛ لأنها تتضمن شيئاً من الألم والترويع لهم، وأما الكبار فحالهم أخف، ولكن في ذلك تجاوز للخصوصية، وبشكل مقزز، والظاهرة بدأت تنتشر بين الكبار والصغار بسرعة انتشار النار في الهشيم".

التقنية نعمة والمقاطع السيئة إثم عظيم

وتشاركنا الدكتورة حصة الوايلي مستشار تعليمي بوزارة التعليم باحثة في مجال الأمن الفكري والقيم بقولها: «قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) ومن هنا أذكر تسخير الله سبحانه لنا في كل ما فيه خير لنا، وتيسير ومن ذلك الاتصالات النافعة التي اختصرت المسافات والأزمنة، إلا أن البعض حولها إلى مصدر إيذاء من خلال بث المقاطع المسيئة والمشينة، أو نشر خصوصيات الناس، أو بث الشائعات التي تربك المجتمع، وتؤثر على الأمن بكل أنواعه، ناهيك عن الترويع ونشر ضرب وإيذاء الأطفال بكل صوره، متناسين قول الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)».

«فهؤلاء يتحملون الإثم العظيم؛ إذ لا يجوز إزعاج أو إيذاء المسلم أو ترويعه - والكلام ما زال للدكتورة حصة الوايلي - فقد قال المناوي في (فيض القدير): ترويع المسلم حرام شديد الحرمة، وقد قال النووي فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: وإن كان أخاه لأبيه وأمه. مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد، سواء من يُتهم فيه ومن لا يُتهم فيه، وسواء كان هزلاً ولعباً أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال. وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً. رواه أبو داوود وأحمد وصححه الألباني».

وشددت على أنه «يجب علينا تقوى الله وخشيته في استخدام هذه الأجهزة، وأن نراعي رقابة الله لنا، فلا نجعله أهون الناظرين إلينا، والتوبة النصوح فما يبث من مناظر لا ترضي الله تعالى، هدانا الله إلى ما فيه الخير والصلاح».

استهتار واستغلال وسلبية وتعدٍ

من جهتها، خاطبت مختصة التربية ورياض الأطفال منيرة الدكان المتجاوزين قائلة: «كفاكم جرأة وتعدياً يا من تستهترون بمشاعر الناس إهانة واستخفاف بالعقول واستغلال وسائل التقنية بشكل سلبي لعرضها في قنوات اليوتيوب والانستقرام والسناب شات والتويتر تصوير الناس بلا إذن وعمل مقالب لأطفال وكبار سن (جد- أب) لمقربين وتصوير ردة فعلهم ماذا لو حصل لا قدر الله فاجعة يقلب (المزح) والضحك لكارثة».

وأردفت: "وقد أثار اشمئزاز واستهجان الناس انتشار مقطع يظهر فيه والد يوقظ ابنه من نومه، ومن باب اعتبره الرجل وابنه مزاحاً، قال له: قم طلقت أمك!! في مشهد يعتبر توسعاً في فبركة مقاطع ونشرها بين الناس بقصد أو بدون قصد، وإظهار أي لفتة تثير الناس، وفي ذلك إساءة وهدم لكثير من القيم، فإلى متى؟ ومن ينشرون أي شيء وكل شيء دون أدنى تفكير أقول لهم: أنتم شركاء في السلبية».

تصوير المشاهد للشهرة غالباً كلها إساءة، ونستثني تصوير الضحية لظلم أو إساءة مرّ بها؛ لأنه يريد النجاة، وللباحثة مها بنت محمد المسلم ماجستير علم اجتماع مشاركة تقول فيها: "ما يمر به العالم حالياً من تسارع تقني وتطور في مصادر المعلومات، والتنافس الملحوظ بين الشركات المنتجة للأجهزة الذكية؛ جعل تداولها بين الناس أشبه ما يكون بضرورية من ضروريات الحياة، فلا يخلو أي بيت أي كان منها؛ فهي أجهزة ذكية صغيرة قربت لنا البعيد، وجعلت العالم الكبير صغيراً من خلال التعامل بالتطبيقات الموجودة بها».

وأوضحت أنه «لأن المجتمعات النامية ما زالت تفتقر جانب التحضر الشمولي لديها؛ لهذا ليس كل فرد يعي تماماً، وعلى نحو جيد، بكيفية التعامل معها، وهذا للأسف، أفرز لدينا أناساً اخترقوا خصوصيات الآخرين بالتصوير غير المسموح، وبعضهم يقوم بتصوير مشاهد ومقاطع بهدف أن يشتهر منها، فنجدها تنتشر بشكل سريع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فكثير منها غير هادفة بالعكس، بل إنها تعطي رسائل سلبية، وتجعل الصغار والمراهقين يقلدونها، وهي لا تهدف إلا فقط إما إساءة لآخرين أو سخرية من مشاعر صغار أو كبار أو إضحاك مكروه على حساب ناس غافلين عن هذه الأمور».

«ولو نظرنا - والكلام ما زال للباحثة مها المسلم- إلى ما انتشر من مقاطع للعنف ونشرها أو مقاطع لإفزاع لمراهق بهدف الضحك والشهرة؛ لو وجدنا أنها مشاهد منبوذة لا فائدة منها. وإن كنت أبرر بعض مشاهد الإساءة حيث يقوم الضحية بتصويرها ربما بحثاً عن سبل النجاة، ولعدم معرفته بالجهات التي تحميه والأنظمة التي كفلت له ذلك".

وجزمت الباحثة بأن "سرعة انتشار المقاطع السلبية تعود بسبب أن كثيراً من الناس لا يمتلك أساسيات التفكير الناقد الذي ينقد ويتريث ويتساءل: ما الفائدة المرجوة من أن يكون وسيطاً بالنشر للسيئ وكسب الآثام وتعزيز تلك الأخلاقيات السيئة؟!».

وأكدت أنه «على الجهات الرسمية اتخاذ الإجراءات الرسمية فيما يخصها بمعاقبة الأفراد المنتهكين للخصوصيات، ولا بد من توعية المجتمع بأهمية تعزيز القيم الإيجابية والاخلاقيات الحسنة، ورفض الرسائل السلبية والمقاطع الهدامة، وأن نتعاون جميعاً بعدم إشهار من لا يستحق ذلك، وأن تقوم الجهات المعنية بتطبيق نظام الحماية من الإيذاء بدور فعال وبشكل قوي في التوعية وسبل التواصل؛ حتى لا يلجأ من يجهل ذلك ومن ليس بيده حيلة إلى وسائل أخرى تضر أكثر من أن تنفع، فغالبية المقاطع التي صورت هي حتماً ستؤثر على الضحايا عندما يكبرون، وسيلحق بهم بسببها الوصم الاجتماعي، وتصبح ذاكرة يولدها له المجتمع كلما حاول نسيانها».

التوقف عن صناعة ونشر المقاطع السيئة ونشر المفيد فقط!

وقال أحمد بن علي الدوس مستشار الأسرة والمهتم بالتدريب: العلة التي اشتريناها. يقول المثل الشعبي: يا من شرى له من حلاله علة، كناية عمن يشتري بماله وحلاله شيئاً يجلب له الإزعاج والأذى والألم، وتزداد سعادة أفراد المجتمع، وينمو إذا توافرت القيم الأساسية لسعادة ونمو أفراده، مثال ذلك الاحترام والتقدير والصدق والأمانة والستر والرحمة وغيرها من القيم، والمنجز الحضاري الذي نشتريه بأموالنا لفوائده العظيمة في زيادة التواصل وتوفير المعلومات التي نحتاجها، ونستفيد منها في جوانب حياتنا المختلفة دينية ودنيوية، هذا المنجز؛ وهو أجهزة الاتصال الذكية، فلها قدراتها المتزايدة».

وأضاف: «ومنها مقاطع الفيديو قوية التأثير على الإنسان، بالصورة المتحركة والصوت المؤثر. فقد أخطأ بعض من يصنع هذه المقاطع بتوجيهها الاتجاه الضار الذي يهدم القيم ويزيد الخلل، فظهرت مقاطع الكذب والاستهزاء والتلاعب بالوالد باسم مقالب مضحكة، والتهاون في التعامل مع بعض الأحكام الشرعية كالطلاق، وتبع ذلك تقبل لهذه المقاطع وتقليد لها، وزادت صناعتها وإعدادها، وأثرت تأثيرها الخطير على عقلية ونفسية من استحسنها ونشرها مع ما فيها من كذب على الناس، واستهتار بالقيم وتهاون بالحقوق وتقليل من الواجبات وهي علة مستفحلة عند من وجدت عنده وقد اشتراها بماله وحلاله. ولتدارك هذه الخطورة يكون البدء بالتوقف عن صناعة المقاطع السيئة أولاً، وثانياً: عدم نشر أي مقطع سيئ يصل إلى جهازك. ثالثاً: نشر المقاطع المفيدة فقط والتي يتم إعدادها بناء على رأي ومشورة أهل العلم والمصلحين ومن يهمهم مصلحة الناس والمجتمع، وليس الشهرة الزائفة المبنية على الضرر والإساءة».

ناشر المقاطع المسيئة يقع في محظورين شرعيين

عضو الجمعية الفقهية السعودية وعضو هيئة التدريس بجامعة شقراء الدكتور نهار بن عبدالرحمن العتيبي قال لـ«تواصل»: «ما ينتشر هذه الأيام في وسائل التواصل من نشر بعض المقاطع التي فيها نوع من التخويف أو الكذب؛ من أجل أن ينظر الناس إليها ويشتهر صاحب المقطع أو لأي هدف آخر؛ فإنها من الأمور التي يُنبه عليها ويحذر منها، والأمر في غاية الخطورة لأنه يقع في محظورين شرعيين».

وعن المحظور الأول قال: "الأول أن من يضع هذه المقاطع ويتعمد فيها ترويع شخص غافل حقيقة هذا أمر لا يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً.. " حتى لو كان من باب الضحك".

وزاد الدكتور نهار العتيبي: «الأمر الثاني أن الشهرة بحد ذاتها ليست محمودة؛ كون الشخص يطلب الشهرة لأجل الشهرة، هذا أمر نهى النبي عنه، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" ما دامت نيته من هذا اللباس الشهرة، فإنه لا يجوز ومذموم، وسيذله الله، وهنا يقاس عليه ما يشابهه ما كان لطلب الشهرة يمنع لأن هذا من الأمور المحرمة التي نهى عنها نبينا، وحذر منها أشد التحذير".

وأكمل: "لذلك أقول لإخواني وأخواتي الذين يحرصون على تسجيل المقاطع: عليكم أن تحرصوا على الشيء النافع والمفيد، ينفع الأمة والدين والوطن من حديث طيب أو نصيحة مناسبة أو شيء مفيد، ويثري المتلقي، أما هذه المقاطع التي لا فائدة منها فإن صاحبها يأثم؛ وهو يريد شيئاً، ولكن أخطأ الطريق فوقع في المحرم، نسأل الله السلامة».

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook