الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

عَبَس وتَولَّى؟

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

قال لي صاحبي: صليت إماماً بجماعةٍ في صلاة المغرب في مسجد غاب إمامه وقرأت سورة (عبس) في الركعتين، وحينما سلَّمتُ تقدَّم إلى أحد المصلين مصافحاً ومسلماً ثم قال: لقد قرأت في الصلاة سورة (عبس) وكأنك لا تعلم أن العلماء قد كرهوا قراءتها لما فيها من عتابٍ من الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام، فاستغفر الله، ولا تقرأها مرَّة أخرى، قال صاحبي: لقد كان كلام هذا الناصح مفاجئاً لي، فأنا لم أسمع بهذا الأمر من قبل مع أنني أحمل شهادة جامعية واستمع جيداً إلى برامج الفتوى، وأقرأ في كتب العقيدة والتفسير والفقه، ولكنَّ لهجة الرجل الحازمة وطريقته الواثقة في تقديم نصيحته، وعدم وجود معلومة مؤكدة عندي عن هذا الأمر جعلتني أقول له: جزاك الله خيراً، وإنْ كنت لم أسمع بهذا الحكم الذي قلته في كراهية القراءة بسورة (عبس) ثم سألني صاحبي عن رأيي فقلت له: أؤكد لك - من خلال ما أعلمه يقيناً في هذه المسألة - أن ما قاله الرجل الناصح غير صحيح، وأنَّ هذا من معلومات العوام التي تدفعهم أحياناً إلى ارتكاب أخطاءٍ يظنون أنها صواب، وتسوقهم إلى المبالغة في ما يمكن أن نطلق عليه (الوَرَع البارد) وتدعوهم إلى إصدار أحكامٍ شرعية وفتاوى عائمة توافق هوى العاطفة المشتعلة في نفوسهم.

اضافة اعلان

إن سورة (عبس) سورة من سور القرآن الكريم لها ما لسور القرآن كلها من أحكام التلاوة والتجويد والقراءة بها في الصلوات السرّية والجهرية، وهي السورة التي تؤكد أمانة الرسول عليه الصلاة والسلام في تبليغ ما يوحى إليه، كما تؤكد صدقه والتزامه بإرشاد الناس إلى ما فرض عليهم ربهم من الفرائض وشرع لهم من الأحكام، ورغبهم فيه من الآداب، وهذه السورة هي التي قالت عنها عائشة رضي الله عنها: لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه السورة لما فيها من العتاب له.

ثم إنَّ العتاب في هذه السورة عتاب توجيه، إلى الأولى والأفضل في مسألة التعامل مع الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد في حرصه على محادثة كبراء المشركين رغبةً في هدايتهم التي ستكون - إذا حدثت - سبباً في هداية كثير من الناس، ولما جاءه الأعمى (عبدالله بن أم مكتوم) وكان حينها مسلماً أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حرصاً على هداية من كان يتحدَّث معهم من المشركين، وهنا نزل العتاب الإلهي موجهاً رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأولى بناءً على علم الله عز وجل بنفوس عباده، وهو علم غيبي تؤكده السورة في قوله تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى) ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّ الأنبياء المرسلين لا يعلمون الغيب، وإنما يتلقون علمهم من الله عز وجل، ويتأكد هذا بوضوح في قوله تعالى في السورة نفسها: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} فالآية تتضمن بياناً لاطلاع الله سبحانه وتعالى على ما في نفوس أولئك الكبراء الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً على هدايتهم.ثم قلت لصاحبي: مشكلة كثير من المسلمين في عصرنا هذا التسُّرع في إفتاء الناس بغير علم، أو بمعلومات طيَّارة مأخوذة من فتوى مسموعة أو مقروءة دون التأكد من صحتها وأمانة مصدرها إن سورة (عبس وتولَّى) من سور القرآن الكريم الذي تعبَّدنا الله سبحانه وتعالى بتلاوته في صلواتنا دون استثناء.

مَنْ يملك النَّبْع لن يحتاج من ظمأٍ

إلى الدِّلاءِ ولن يحتاج للقِرَبِ

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook