الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

وفي التربية شركاء مشاكسون

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

غني عن البيان، الحديثُ عن أهمية التربية الأسرية، وتحصين الناشئة فكراً وسلوكاً وخلقاً، فهي من الواجبات الفطرية التي تقع على كاهل الوالدين، فضلاً عن كونها من التكليفات والتشريعات السماوية التي أمر بها رب العالمين، والآيات والأحاديث الحاضّة عليها لا تكاد تغفل عنها أسرة مسلمة.

اضافة اعلان

قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]

وعَنْ عبدالله بْنِ عُمَرَ بأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله rيَقُولُ ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مسؤول.. )). [متفق عليه ]

قد ينفعُ الأدبُ الأولادَ في صغرٍ *** وليس ينفعُهم من بعـده أدبُ

الغصـونُ إذا عـدلتها اعتدلت *** ولا يلينُ ولو لينتـهُ الخشب

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثر الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم، وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوها صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كباراً".

والحقيقة التي نلمسها جميعاً أن التربية باتت أكثر صعوبة من قبل، وتمرد الأبناء وخروجهم عن سياق الأسرة وأحضانها أكثر شيوعا من ذي قبل، وشكوى الآباء والأمهات أصبح حديث المجالس والمنتديات، فهي من قبيل الأمور التي عمت بها البلوى باصطلاح الفقهاء والأصوليين.

فالآباء الذين يحرصون غاية الحرص على تربية الأبناء يجدون في هذا العصر صعوبات بالغة، لم تكن في سلفهم، وإنما جاء ذلك نتيجة تضافر مجموعة من العوامل والأسباب لعل في مقدمتها الانفتاح الهائل على الثقافات الأخرى، وما خلفته أجهزة التواصل الحديثة من أفكار ومفاهيم وتصورات في عقول النشء، بصورة لا يكاد يدركها كثير من الآباء.

ولعلنا نستحضر هنا ما قاله شمعون بيريز-رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني السابق-: "لسنا نحن الذين سنغير العالم العربي، ولكنه ذلك الطبق الصغير الذي يرفعونه على أسطح منازلهم".

ففي عصر التواصل الرقمي باتت الأسر مستهدفة في عقر دارها، ونادراً ما تجد أسرة يخلو بيتها من أطباق التقاط البث الفضائي، وجوال خاص لكل فرد من أفرادها، وإنترنت يغطي مساحة المنزل بالكامل، وهو ما يعني أن للأب شركاء كثر في التربية، في مقدمتهم ذلك الجوال الذكي والإنترنت والفضائيات، والقائمة في ذلك طويلة، وهم للأسف شركاء مشاكسون يسيرون عكس الاتجاه إلا ما ندر.

إن الأسرة في طبعتها القديمة التي درجنا عليها لم يكن للآباء شركاء في عملية التربية، ومن ثم سهل الأمر عليهم كثيراً في عملية التوجيه والإرشاد وغرس القيم والمفاهيم والتصورات، أما الأسرة في طبعتها الحديثة فإن اليد العليا في عملية التوجيه هي لأجهزة البث الفضائي والإنترنت والأجهزة الذكية.

إن مواجهة هذه المشكلة التي نرى بعضا من آثارها في مجتمعنا الصغير (الأسرة)، ونلحظ كثيراً من تداعياتها في بيتنا الكبير (المجتمع)، تحتاج حلولاً خلاقة مبدعة تخرج عن إطار المألوف والدارج في عملية التربية والتحصين، لأن المشكلات النوعية تحتاج حلولا إبداعية ولا يصلح مواجهتها بالحلول الكسولة التقليدية.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook