الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الجلسة (60) للجنة وضع المرأة.. وقفات وتأملات

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه " كنا في الجاهلية لا نعتد بالنساء ولا ندخلهن في شيء من أمورنا ، ، فلما جاء الله بالإسلام ، وأنزلهن الله حيث أنزلهن وجعل لهن حقاً " لا تزال هذه الكلمات عالقة في الأذهان ، يتردد صداها في الأفق ، كلما ثارت دعوى حقوق المرأة ، وهي كلمة حق وعدل وبرهان لمن يسأل ويستفسر أو يهمش ويهضم حقوقها ، فلا مزايدة على المرأة في الإسلام ، ولا مجال للتنقص منها ، ولا قول بعد قول الله ، ولا حكم بعد حكمه ، فقد أنزلهن الله مكانة عالية تليق بمقامهن ودورهن العظيم ، وجعل لهن حقوقا عادلة لا تحتاج إلى إضافة أو تعديل ، لقوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) . وفي هذه الأيام تعقد الأمم المتحدة الجلسة (60) للجنة وضع المرأة ، بعنوان " تمكين المرأة والتنمية المستدامة " وهذه وقفات سريعة حول الجلسة وتداعيتها . عند تأمل مصطلح " تمكين المرأة " حسب الترجمة الصحيحة لها ، نجد أن المقصود بالمعنى " تقوية المرأة " والمراد به : إعطاء المرأة القوة اللازمة في معركتها الأبدية مع الرجل ، انطلاقا من فلسفة العداء والصراع التي تقوم عليها فلسفة النسوية الراديكالية ، مع الدعوة إلى الثورة على الدين وعلى الله وعلى اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والأعراف ، والسعي إلى عالم تتمحور فيه الأنثى حول ذاتها ، مستقلة استقلالا كاملاً عن عالم الرجل . وهذه الفلسفة تخالف النظرة الإسلامية للعلاقة بين الرجل والمرأة ، فهي علاقة تكاملية وليست تنافسية كما ينظر إليها الغرب ، فالمرأة والرجل جنسان متكاملان ، ليسا متساويان في التكوين والقدرات ، وبالتالي يستحيل أن يتساويا في الحقوق والواجبات ، لأن المساواة بين المختلفين ظلم في الحكم ونقص في العقل ، ومن حكمة الله أن خلقهما مختلفين . وربط تمكين "تقوية " المرأة بالتنمية المستدامة لضمان إشراك المرأة اشتراكاً كاملاً وعلى قدم المساواة مع الرجل في الحياة المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والدولي وإزالة جميع أشكال التمييز على أساس الجنس . ويعد التأكيد على هذه الأهداف من أولويات المجتمع الدولي ، وتفعيل لمؤتمرات المرأة العالمية ، ولاتفاقية السيداو خصوصاً ، ومن خلال الاطلاع على مسودة الاستنتاجات المتفق عليها للجنة وضع المرأة في جلستها (60) نجد الارتباط القوي بين مساواة الجندر وتمكين المرأة ، حيث تمحورت وثيقة الاستنتاجات حول منظومة الجندر ، فلا تكاد تخلو مادة من مصطلح الجندر ، مما يدل على أن الهدف الأساسي التي تؤكد عليه الوثيقة هو : أن التنمية المستدامة التي تجعلها الأمم المتحدة شعاراً لها هذه المرحلة ، لن يتحقق إلا بمساواة الجندر . ومصطلح الجندر مطاطي ومبهم ، ويدور حول الأدوار التي يقوم بها الجنسان حسب ما حدده لهما المجتمع مسبقاً كأنثى وذكر . ومن خلال مراجعة تعريف الجندر في الموسوعات العالمية نجد ما يلي *: عرفت منظمة الصحة العالمية الجندر بأنه : " المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة على أنها صفات اجتماعية مركبة ، أي لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والتركيب البيولوجي " . وتعرف موسوعة ويكيبيديا الهوية الجندرية بأنها " شعور الإنسان بنوعه وهو شعور غير مبني على التركيب البيولوجي له أو على توجهه (اختياره) الجنسي ، وإنما الهوية الجندرية يمكن للإنسان أن يختارها بحيث تكون ذكرا أو أنثى أو كلاهما أو بينهما (نوع ثالث) أو لا هذا ولا ذاك " . مما سبق يتبين أن مفاهيم الجندر تدل على عدم الاعتراف بالخصائص والصفات البيولوجية التي يحملها الإنسان ذكراً أو أنثى ، وأن المجتمع هو الذي يحدد هذه الأدوار حسب القيم السائدة في هذا المجتمع ، وبناء على ذلك فإن حركة المجتمعات في تطور مستمر مما يؤدي إلى تطور النوع وتغييره حسب الوسط الاجتماعي من ذكر إلى أنثى أو العكس ، أو استحداث أنماط جديدة للأسرة بعيداً عن لفظ مذكر ومؤنث مثل أسر الشواذ . كما نجد أن النسوية لا تعترف بهذه الخصائص البيولوجية التي يحملها الإنسان من ذكر وأنثى ، بدعوى أنها كرست إبقاء المرأة في مكانة غير متساوية مع الرجل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ، ويعتبرن أن الأدوار الأساسية التي تقوم بها المرأة كالحمل والرضاعة ورعاية الأطفال والمنزل ، وجميع المهام التي تؤدى بلا مقابل مادي هي أدوار دونية ، مقارنة بمهام وأعمال الرجل ، لهذا يطالب الفكر النسوي بضرورة إلغاء مفهومي الذكورة والأنوثة ، فلا توجد ذات مؤنثة في جوهرها ، ولا ذات مذكرة في جوهرها ، إنما المجتمع هو الذي يحدد دور كل منهما . ومن هنا جاءت المطالبة بحق الشواذ في اختيار هويتهم الجندرية ، والإدعاء بأن الشذوذ ليس انحراف خلقي أو مرض ، إنما هو حق طبيعي في الاختيار ، وامتداداً لذلك الحق ، الحق في اختيار توجههم الجنسي ، أي في اختيار نوع الشريك ذكراً كان أو أنثي ، فتصبح العلاقة الجنسية ( مثلية ) أو ( غيرية ) ومن خلال وثيقة الجلسة (60) التي تؤكد على ارتباط التنمية المستدامة بتمكين (تقوية) المرأة ومساواة الجندر ، لضمان استقلال المرأة بذاتها واستغناءها عن الرجل تماماً ، فيصبح للمرأة القدرة على أن تؤدي نفس العمل الذي يقوم به الرجل ، وتكريس المساواة المطلقة في جميع مجالات الحياة ، لضمان حصول الشواذ على نفس حقوق الأسوياء ، مما يجعل الشواذ بجميع أنواعهم ومتعددي الممارسات والمتحولون ، مقبولين اجتماعيا ولهم شرعية قانونية . وتطالب الوثيقة بحشد جميع الجهود لتطبيق المساواة الجندرية ، من حكومات ومنظمات دولية وإقليمية ومنظمات نسائية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى ، والقطاع الخاص ، من خلال القوانين والدعم المالي والبيانات الإحصائية . ويترتب على هذه المنظومة الجندرية ما يلي : إلغاء الفوارق بين الرجل والمرأة تماماً ، بغض النظر عن أية اختلافات بيولوجية ، وينتج عن ذلك التساوي المطلق في كل الحقوق والواجبات على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع . اشتراط إعادة تشكيل النظام الثقافي والاجتماعي لكل الشعوب على أساس التماثل بين الجنسين بغية تمكين المرأة من خلال تطبيق المنظور الجندري . التركيز على الجانب الحقوقي للمرأة ، وإعطاء المرأة حقوقها بشكل مطلق ، مع تجاهل أدوارها الاجتماعية المختلفة ( زوجة ، أم ، بنت ، أخت ، جدة ...) وما يفرضه ذلك عليها من التزامات وواجبات وما لها من حقوق . تقاسم الأدوار مع الرجل داخل الأسرة ( الأمومة ، رعاية الأسرة ، والإنفاق عليها ) باعتبار أن الامومة من منظور الجندر وظيفة اجتماعية لا بيولوجية . مساواة كافة الأنواع في الحقوق والواجبات ، فكما ترث الزوجة زوجها ، يحق للشاذ أن يرث شريكه ، ويحصلوا على كافة الضمانات الاجتماعية التي يحصل عليها الأزواج الطبيعيون . ومما يلاحظ على مسودة الاستنتاجات للجلسة (60) للجنة وضع المرأة ، التدخل في سياسات الدول التشريعية ، لتطبيق مبدأ المساواة المطلقة بين الجنسين ، من خلال تغيير الدساتير ، ثم تغيير القوانين والتشريعات ومتابعة التطبيق والتنفيذ والمساءلة للحكومات ، دون احترام للمرجعيات التشريعية الأصلية لدى شعوب العالم ، وانتهاك سياسات الدول والحكومات. ومما يشرف ويستحق الإشادة موقف المملكة وكلمة ممثلها ليلة البارحة في الجلسة (60) للجنة وضع المرأة حيث قال في كلمته : " تؤكد المملكة على موقفها الثابت ،الرافض بشكل قاطع ، لإدخال مصطلحات مختلف عليها كالجندر والهوية الجندرية والتعليم الجنسي الشامل والصحة الإنجابية والإشارة إلى المثليين في أي وثيقة تصدر عن لجنتكم الموقرة ، وأن تفسيرنا لمصطلح الجنس في أي وثيقة صدرت وستصدر عن الأمم المتحدة ، يتمثل في الرجل والمرأة ، وأن أي رابطة إنسانية عائلية تنحصر في إطار الزواج بين رجل وامرأة ، وفي حالة خروج هذه المصطلحات عن مقاصدها فإن بلادي تؤكد على حقها السيادي الكامل في التحفظ على تنفيذ أي توصيات تتعارض مع مبادئ ديننا الإسلامي " وقد جاءت هذه الكلمة قوية ثابتة وموفقة ، وفيها تصريح علني بمعارضة أجندة الأمم المتحدة في ما يخص إقرار حق الشواذ والتدخل في سياسات الدول . كما أكدت المملكة على " إن المملكة – حكومة وشعباً – تأسف للأوضاع الراهنة التي لا تزال تعانيها المرأة في كثير من أنحاء العالم من عنف واستغلال ومتاجرة ، وعلى وجه الخصوص في الأراضي الفلسطينية من انتهاكات جسيمة لحقوقها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي . ويؤسف أيضاً ما تتعرض له المرأة السورية من انتهاك لجميع حقوقها ، وإننا نهيب بالمجتمع الدولي التحرك السريع والجاد للقضاء على مثل هذه الجرائم والممارسات غير الإنسانية ومحاسبة كل من ينتهكها " . وعوداً على ذي بدء فإن هذا الدين خير كله ، وعدل كله ، ورحمة كلها ، لصدوره عن الله العزيز الحكيم ، اللطيف الخبير ، وما عدا هذا الدين من المناهج الوضعية البشرية المخالفة في التصورات والقيم والموازين والأحكام ، فهي قاصرة وغير عادلة ، لبعدها عن مرجعية الإسلام الحق . ومما لاشك فيه أن المنهج الإلهي في قضايا المرأة ، هو المنهج الأمثل الذي ضمن لها حقوقها وحريتها ، بضوابط وحدود ، وهي بخير ما استمسكت بها وإلى خير ما امتثلت بها .فالإسلام يأمرها بأشياء ويمنعها من أشياء ، ويخيرها في أشياء ، فما أمرها به من فرائض وواجبات فليس لها الخيار في ذلك إلا الامتثال والرضا ، وما منعها منه فعليها الامتناع والإباء , وما خيرها فيه فلها أن تختار ما يسعدها فلا تشقى . وأن منهج الغرب الكافر نحو قضية المرأة ، وتحريرها وتمكينها ، مرفوض تماماً ، لأنهم قد انقلبت فطرهم ، وارتكست أخلاقهم ، وأسنت تصرفاتهم ، وساءت مثلهم ، وانتكست تصوراتهم ، وانطلقوا فيها من كل عقال ضابط ، ووحي هادٍ ، وخلق حسن . نسأل الله البصيرة في الدين والثبات على الحق والنصر والتمكين لأمة الإسلام في كل مكان .

اضافة اعلان

د . أميرة بنت علي الصاعدي المشرفة العامة على مركز إسعاد

___________________________________ * للاستزادة حول مفهوم الجندر : انظر مصطلح الجندر المفهوم والأثر ( إصدار كرسي أبحاث المرأة السعودية بجامعة الملك سعود )

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook