الثلاثاء، 14 شوال 1445 ، 23 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

نحن وأهلُ الحِسْـبَة

image
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

الأمرُ بالمعروف والدعوةُ إلى الخير والاحتسـابُ على المخالف، فريضةٌ عظيمة، ومسؤولية كبيرة، ووظيفة شريفة، أمر اللهُ تعالى بها، وقام بها أنبياؤهُ ورسلُهُ عليهم الصلاة والسلام، واستحقتْ بها هذه الأمةُ الخيريةَ والفضل على الأمم، كما قال تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾.

اضافة اعلان

إن ترك الأمر بالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ والاحتساب على المخالفين سببٌ لانتشار البدع والشركيات، وتضييع الصلوات، وفُشوّ الفواحش والمنكرات، ورواج المخدرات والمسكرات، كما هو مشاهدٌ في كثير من البلاد الإسلامية التي عُطّلت فيها هذه الشعيرةُ العظيمة.

وهو سبب لسخط الله تعالى وعقوبته كما قال: ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ﴾.

والقائمون بأمر الحسبة قد تحمَّلوا عن الأُمة واجباً عظيماً وحملاً ثقيلاً، فالواجب علينا التعاونُ معهم والذَّبُّ عنهم والدعاء لهم.

ولقد شرَّف اللهُ تعالى هذه البلادَ المباركة بالقيام بهذه الشعيرة الدينية الكبيرة، وأنشأتْ لها جهازاً خاصاً يقوم بهذا الواجب العظيم، بل نَصَّتْ المادة الثالثة والعشرون من النظام الأساسي للحكم على: أن الدولة تحمي عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله.

فالعَجَبُ ممن يحاربون هذا الجهازَ الشريف (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ويكيلون لها التهم والأكاذيب، ويطالبون بإلغائها، زاعمين أنها تقيد حرِّياتِ الناس، وتتدخل في شؤونهم، وتنتهك خصوصياتِهم، وتشكّك في سلوكهم، وهذه شِنْشِنَةٌ نعرفها من أَخـزم، فهذا دَيْدَنُ أهل الفساد في كل عصر، وقديماً قال قومُ شعيب: ﴿أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ﴾.

إن كل منصف يعرف ما لهذه الهيئة المباركة من أعمال جليلة، وجهود عظيمة في توعية الناس ودعوتهم إلى الخير وإقامة الصلوات وترك المنكرات، والاحتساب على العصاة والمجرمين من السـحرة والمشعوذين، وأصحاب المسكرات، ومروجي المخدرات، ولصوص الأعراض الذين يتربصون بمحارم المسلمين، فكم فكُّوا من مسحور مكروب، وكم خلَّصوا حرةً من مُبتزٍ أثيم، وكم ستروا من عاصٍ، ونصحوا من غافل، وعلَّموا من جاهل، وَقد شهد لهم بذلك المسؤولون في الدولة، وعامةُ الناس في هذا البلد الكريم، حتى غَبَطَنا على ذلك إخوانُنا في البلاد الأخرى، الذين يتمنون وجودَ مثل هذه المؤسسة المباركة في بلادهم.

أَمَّا أَربابُ المنكرات، وعَبِيدُ الشَّهَوَاتِ، وأصحاب الملاهي والمسكرات، فلم يزالوا يحاربونها سراً وعلانية، وينفّرون الناس منها، ويفترون الكذب عليها، ويضخِّمون أخطاءها، ويظهرون معايبها، ويخفون محاسنها، ويطالبون بإلغائها.

ونحن لا ننكر وقوع بعضِ أفراد الهيئة العاملين في الميدان في أخطاء، فليسوا معصومين، والخطأ من طبيعة الإنسان، وهو موجود في الأجهزة الحكومية الأخرى، لكنْ هل كل خطأ يقع في مؤسسة حكومية أو أهلية يسوّغ الافتراءَ عليها والمطالبة بإلغائها؟

لقد أثبتت دراسةٌ علمية أنجزها معهدُ البحوث والخدمات الاستشارية بجامعة الإمام قبل سنوات أن المخالفات التي ارتكبها أفرادُ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الميدانيين لا تتجاوز 38 مخالفة فقط من مجموع (400.000) مخالفة تم ضبطها من قِبَل الهيئة، خلال ثلاث سنوات، فهي نسبة ضئيلة لا تتجاوز (0001%)، في حين لم تتجاوز نسبة المخالفات التي وقعت (2.68%) من مجموع عدد العاملين في الميدان،  لكن أهل الباطل والمنكر يختلقون الأكاذيب ويروّجون الشائعات، ويضخّمون الحوادث، ويزوّرون الحقائق، لتشويه المحتسبين والنيل منهم، ويستغلون كلَّ فرصة لإخراج ضغائنهم وبغضهم لهذه الشعيرة، متواطئين في تسويد المقالات الباطلة والتصريحات الإعلامية الآثمة في سب الهيئة واتهام رجالها، وربَّما اُستغلتْ هذه المقالات المزوَّرة من قِبِل جهات خارجية للنيل من هذا البلد العزيز.

إن رجال الهيئة العاملين في الميدان لم يُتركوا هملاً يعملون بلا حسيب ولا رقيب، ولا نظام دقيق، بل هناك أنظمةٌ تحكمهم، ولوائح تحدد اختصاصاتهم، ولجان تُحقّق في تجاوزاتهم إذا حصلتْ، وجهات قضائية تُحال عليها محاضر ضبطهم، وقبل ذلك هم يراقبون الله في عملهم، ويتَّبعون السنة في أمرهم ونهيهم، نحسبهم كذلك، ولا نزكي على الله أحداً.

ثمَّ إن الهيئة من جهات الضَّبط كما هو معلوم، وكثيراً ما يلجأ المضبوطُ في قضية جنائية أو أخلاقية - ولاسيما أصحاب السَّوابق - إلى الهرب والمقاومة، بل الاعتداء على رجال الضبط، وقد يساعده على ذلك بعضُ رفاقه، ويتدخل في الحادثة بعضُ الفضوليين فيحصل من جرّاء ذلك شَغَبٌ ولَغَط يُلجِئ بعضَ أفراد الميدان إلى مخالفة نظام إجراءات الضبط، ونحن لا نسوّغ بذلك هذه الأخطاءَ ولانقرُّها، لكن ينبغي أن ندرك ملابساتها وظروفها، ونضعها في حجمها الطبعي، علماً أن مثل هذه الأخطاءَ نادرةٌ جداً كما في الإحصائية السابقة.

وختاماً: أُوصي إخواننا المحتسبين بالصبر على ما يلقونه في هذا السبيل، كما في وصية لقمان لابنه: ﴿يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾.

كما أوصيهم بالحكمة والتأني والحِلم، والتأكد من سلامة إجراءات الضبط في الميدان، وهم أهل لهذا نحسبهم كذلك، ونسأل الله لهم الإعانة والتوفيق والسداد في القول والعمل.

أ.د. إبراهيم بن صالح الحميضي

الأستاذ في جامعة القصيم

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook