في زيارتي الأولى لإيطاليا... لحضور مناسبة علمية، قررت المكوث في روما (رومية، كما في السير)، وأثناء تواجدي كما تعودت أحاول أن أزور المساجد الموجودة في المنطقة التي أمكث فيها، بحثت بجوالي في تطبيق صلاتك الرائع كرفيق في السفر يعينك على الخير ويدلك على القبلة. أخذني هذا التطبيق لهذا الباب، وحقيقة أنه أصابني شيء من الذهول وترددت أن أدخل، ولكن لضيق وقت الصلاة وخوفي من ضياعها علي استعنت بالله ودخلت، وقلت في نفسي إنما هي صلاة وتخرج لتكمل جولتك الرومية. دلفت إلى الباب فوجدت القائم على المسجد رجلاً كبيراً السن يشع وجهه نوراً، رحب بي وزاد ترحيبه وبشاشته عندما علم أني من السعودية. استأذنته أن أعجل إلى صلاتي فدلني على مكان الوضوء. بعد الفراغ من الصلاة سمعت صوتاً جميلاً يرتل القرآن في زاوية من الدور السفلي (البدروم) فلم أستطع إيقاف فضولي وحبي لمعرفة الأشياء، فتوجهت تجاه الصوت فوجدت زاوية من المسجد بها حلقة تحفيظ للقرآن، ويجلس شيخ تعلوه المهابة وسط عدد من الأبناء يعلمهم القرآن، لفت انتباهي فتاة في سن 7 أو 8 تجلس بعيداً عن الأولاد وتشاركهم بركة الحفظ، بل وتبتزهم أحيانا كما ذكر لي. رأيت في هذا المبنى القديم إيماناً جديداً، رأيت في هذا المقر الخرب ديناً صحيحاً. عدت إلى القائم على المسجد فإذا هو يغسل أرضية الفناء الداخلي للمكان البركة. تجاذبت أطراف الحديث معه بلغتي الإيطالية المهلهلة ولغته الإنجليزية الضعيفة والعربية المكسرة. فذكر لي طرفاً من معاناتهم والصعوبات التي يلقونها من النواحي الأمنية فقلت في نفسي: (هذا نتاج داعش وما جرته على المسلمين في كل مكان)، جولات تفتيشية واستجوابات متعددة. حاولت أن أخذ بعض الصور ولكني رأيت منه عدم رغبة لدواعٍ أمنية فأجبته لطلبه ولم ألتقط صوراً بجوالي، ولكني التقطتها بعيني وقلبي وعقلي. حقيقة أني رأيت ذاك المبنى كبيراً وعزيزاً وجميلاً، وقارنته بالفاتيكان الذي زرته صباح ذلك اليوم بمبانيه الكبيرة وحراساته، ولكنه عندي كان أقل من أماكن وضع أحذية الوجوه الطاهرة في هذا البناء المتواضع. والقائم عليه خير من طاقم الفاتيكان. اللهم أعز دينك، واحفظ من يعمل له، وخصوصاً في بلاد يعز فيها ذلك. صالح بن محمد الغامدي باحث في قسم أبحاث الجنينوم الطبي بمركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية بروفسور مساعد بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية
