الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الزاوية المنسيّة

عبدالله بن إبراهيم العبود
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

حينما يتأخر الموظف عن عمله بشكل مستمر، ويتحول عمله إلى تحرير الأعذار، حينما تعم الفرحة مجتمعاً للإعلان عن الإجازات الطارئة، وتصاب بالفتور في وقت العمل، حينما تتركز الأعمال في الجهات الحكومية والشركات الكبرى على بضعة أشخاص، حينما لا يرى الموظف من مكان عمله إلا جهاز "البصمة"، حينما تكون عين الموظف مرتكزة على شاشة جواله، حينما يتحدث الموظف عن ظلم جهة عمله له بينما تتراكم فوق مكتبه معاملاتٌ مهملة، حينما يرفع المراجع صوته للحصول على مطلبه، حينما تكون كلمة "ما ضاع حق وراه مطالب" مثلاً سائراً يذكره الناس في مراجعاتهم، حينما يكتب المراقب المسؤول عن مشاريع البنية التحتية محاضر الإنجاز من تحت طاولته، حينما يتحسن كل شيءٍ في العمل بسبب زيارة مسؤول، حينما تنجز المشاريع بسرعة البرق لارتقاب مرور مسؤولٍ على طريقها، حينما تكون المشاريع كخلفية المسرح، حينما تنافس الشركات أو المؤسسات على المشاريع الحكومية وهي لا تملك إلا "أوراقاً" لإثبات وجودها ولديها قوائم لا تنتهي من مقاولي الباطن، عندها اعلم أن قطرات المطر ستغرق مدينة، وأن الملايين من الريالات لن تحدث تغييراً إلا في الحسابات البنكية، وأن مسافة بضعة كيلومترات من البيت إلى مشوارك ستقطعها بسيارتك في أكثر من نصف ساعة، وأن سيارتك الجديدة ستسمع صرير عجلاتها خلال شهور قليلة، وأن موعدك العاجل في المستشفى ستأخذه بعد أسابيع، وأن الكثير سيتجاوزونك في طابور وقفت فيه مدةً طويلة، وأن "الصبّات" ستكون جزءاً من معالم الحي، وأن التضاريس القاسية ستكون ممتدة بامتداد الطرق والشوارع، وأن المستأجر سيستمر ورثته في دفع الإيجار، وأن وصفة الطبيب ستكون أكثر مما يحتاج المريض، وأن أجل مريضك قد يأتي قبل موعد الطبيب، وقبل حضور الإسعاف، وأن الحريق قد يلتهم ما أحرق قبل حضور الإطفاء.

اضافة اعلان

ليس ما مضى من كل هذه المشاهد المحزنة تشاؤماً، أو قراءةً سوداوية لواقع، بل هي نتيجة طبيعية إذا وجدت تلك "الزاوية المنسيّة" في نظرتنا النقدية، في هذه الزاوية تجتمع نقاطنا العمياء التي أعمانا عن النظر إليها إحساسنا بأن الأخطاء تأتي من الآخرين ولا يمكن أن تخرج منا، وأن إهمال الحقوق متركزٌ على فئةٍ دون أخرى، وهي في الحقيقة زوايا متعددة مشتركة، فالخطأ يخرج من مسؤول وموظف وشركة وعامل، والعلاج يبدأ من عندك، أياً كان عملك ومهامك وصلاحياتك، نم وأنت تحمل هم معالجة كل معاملة تنتظرك في الصباح، وأصبح بالعزم على الإنجاز، والرغبة في الإتقان، فلو أن كلاً منّا أعطى الآخرين حقوقهم، لحصل -بطبيعة الحال- على حقه، أقولها بوضوح "كلٌ منا مسؤولٌ عن حقوقه، فإن هو أدى حقوق الآخرين، كان هو من الآخرين الذين أخذوا حقوقهم"، فمحاولاتنا لإصلاح الظواهر على أهميتها الكبيرة أنستنا نفوسنا وكأننا لسنا جزءاً لا يتجزأ من هذه الظاهرة الكبيرة، فالقاعدة الصُّلبة على طريق الإصلاح أنه إذا امتد إلى المشاريع البعيدة فهو يمر عبر القنوات القريبة المتصلة بالفرد وما تحت يده.

عبدالله بن إبراهيم العبود

مستشار قانوني

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook