الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الكنز المفقود

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

لكل أمة من الأمم التي لها شأن في التاريخ تراث يتوارثه الخلف عن السلف, يشكل العقل الجمعي, والمرجعية التي ترجع إليها الأمة, فتقل حينها إلى حد كبير هوة الخلافات, إذ يعصمها تراثها من أن تتفرق أو تذهب بعيداً في خلافاتها؛ كونه يحدد لها البوصلة التي تسير على هداها.

اضافة اعلان

وهذا التراث الذي نتحدث عنه, لا يترك شيئاً من حياة الإنسان إلا ووضع فيه بصمته, بدءاً من ولادته وكيفية استقباله والاحتفالات التي تقام له, وعرسه وما يحتف به من عادات, وانتهاء بوفاته وما قد يقترن بذلك من أعراف وتقاليد.

ويشمل ذلك التراث, إلى جانب الأوضاع الاجتماعية, أنظمة حكمه السياسية, وأوضاعه الاقتصادية, وكل ما يمكن أن يسيّر حياته العامة, من حيث علاقته بالدولة وعلاقة الدولة به, وعلاقات الدولة بغيرها من الدول وما إلى ذلك...

ولعلنا نتذكر كيف أن كتاب مثل "الأمير" لنيوكولا مكيافلي الذي كتبه في العام 1513 م, ما زال حتى اللحظة الراهنة يشكل نمطاً من أنماط الحكم السائدة في القرن الحادي والعشرين, لا سيما عند الدول الغربية التي ربما يسير بعض حكامها على خطى الأمير لا يتعداها.

ولدى المسلمين تراث عريق يغطي جنبات شتى من حياتهم..

فأنت تجد التراث الفقهي ثرياً للغاية, حتى لا تكاد تجده ترك شيئاً مما يحتاجه الإنسان في عبادته وطهارته إلا وقد أتى عليها شرحاً وتفصيلاً, حتى أن دقائق الفقه والعبادات قد تجد فيها الشروحات الطويلة والمجلدات الضخمة.

وكذلك تراثهم الاجتماعي وعاداتهم وتقاليدهم, تجد كل ذلك محفوراً في بطون الكتب بكافة تفاصيله, وما زال له حضوره في حياة إنسان القرن الحادي والعشرين, الذي يقتبس من هذا التراث كل على قدر فهمه واطلاعه ومعرفته.

والذي يدهشني أن تراثنا السياسي, ما زال مطموراً, وهو في حقيقته كنز مفقود, فأنت لا تكاد تحصي إلا بعض الكتب التي تتحدث عن السياسة وأنظمة الحكم والولايات من أمثال: "غياث الأمم" للإمام الجويني، والأحكام السلطانية للماوردي, وما سار على دربهما من كتب لا نكاد نعرف عنها إلا اسمها!

والمشكلة لها بعدان اثنان:

البعد الأول منهما الهمة البحثية في الكشف عن تراثنا السياسي, وما خطه بعض علماء المسلمين في هذا المجال, إذ انصرفت الهمة ناحية التراث الفقهي دون ما عداه, حتى أن كلمة التراث غالباً ما تطلق ويقصد بها كتب الفقه, فيما لم تنصرف الهمم ناحية التراث السياسي.

البعد الثاني فقدن التواصل المعرفي والبحثي في هذا الإطار, فأنت يمكنك في الفقه أن تجد تسلسلاً للآراء في مسألة ما, والتطور المعرفي الذي صاحبها, وهو أمر متولد من الاهتمام بهذا الجانب, فيما يظل التراث السياسي مبتورَ الصلة بالواقع المعاصر؛ نظراً لانقطاع الاهتمام به وندرة البحوث المتصلة بهذا الجانب والتي تربط أو تقرب ذك التراث للواقع.

وللحديث بقية.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook