الخميس، 09 شوال 1445 ، 18 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

آآه.. يا نور

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

 في مزرعة في أطراف قرية في اليمن جلست مع صديقي للراحة من عناء السفر في طريقنا من تعز إلى صنعاء.

اضافة اعلان

أوقدنا النارَ من الحطب المتساقط على الأرض ووضعنا إبريق الشاي.. انطفأت النار.. ناديت صبياً في الثامنة رأيته قرب منزله..

 " هلم.. تعال.. أريد بعض الحطب"...

أسرع الصبي عدوًا إلى منزله يتسلق الحجارة كأنه قرد ورجع ومعه حزمة من حطب...

انشرح صدري لاشتعال النار وفركت يدي في انتظار غليان الماء لأصنع الشاي وأستمتع بالنكهة بعيداً عن شاي المدينة والأفران الصناعية.

"اجلس.. ايش اسمك ؟.. هل تدرس ؟.. هل هذا منزلكم ؟.. "

أجابني الصبي بلهجة يصعب فكَّ ألفاظها، فاستعنت بأخينا المرافق اليمني الذي شرح لي ما استغلق من ألفاظ!.

تطلعت إلى منزلهم والذي كان وحده بين المزارع يعلوه طبق وإريال تلفزيوني..

سألت الصبي: "لديكم دش! (شككت إن كان يعرف الكلمة).. كم قناة في التلفزيون؟".

يظهر أنه استوعب كلامي فأجاب وبدأت أفهم لهجته..

"ماذا تشاهد؟! "

كان سؤالاً للاختبار والتعرف على حياة منزل مزارع في ضواحي قرية يمنية لا يربطها مع المحيط سوى طريق معبد.

" العشية.. أشوف مهند ونور...! !"

صعقت للإجابة.. مهند ونور!! المسلسل التركي المدبلج!... هذا الصغير في هذا المكان.. بل ينتظره فسوف يبدأ بثّ المسلسل بعد قليل!

بعد نقاشات قليلة اكتشفت أنه وجميع أفراد العائلة مَن هو أكبر قليلاً منه وأصغر منه يتسمرون كل ليلة أمام الشاشة لمشاهدة هذا المسلسل.

يقول أحد المختصين:

" هذا المسلسل يعرض لقطات لا يمكن أن يعرضها التلفزيون الأمريكي العام إلا في وقت متأخر من الليل وللكبار فقط!!" (يعرض مع قطع بعض اللقطات الساخنة في قناة مشهورة ويعرض بدون تقطيع كاملاً في مكان آخر).

سمعت كثيراً عن هذا المسلسل من قبل بل قرأت الكثير من المقالات فاضطررت لمشاهدة حلقة واحدة كي أقيم الأمر بشكل موضوعي.

ابتدأ ببيان القوة الفنية وإبهار الصورة وجودة الإخراج وحرفية التصوير، إضافة إلى جمال المكان والمنطقة (مما استدعى الكثير من السعوديين للسفر صيفاً لمشاهدة هذه الأماكن التي ظهرت في المسلسل! ).

المسلسل عمل ضجة في الأوساط المحلية حتى مفتي السعودية أنكر ما يُعرض في المسلسل ووصفه بالإجرام وهذا حق.

المسلسل يعتمد على الاتصال المحرم بين النساء والرجال وبصورة مقززة ويُحسن السيئ من الأخلاق ويزور ما لا يصلح من العلاقات.

ألقيت محاضرةً في مدينة تعز اليمنية عن القنوات الفضائية وأشرت إلى هذا المسلسل بشكل جزئي ووجدت موافقة من الحاضرين بل قال أحد الحاضرين بشكل عفوي..

 "نشتي محاضرة عن هذا المسلسل.. أين العلماء ما يتكلموش؟!"

باستثناءات يسيرة في المجتمع اليمني من المتدينين فيظهر أن الجميع -كما بدا لي- يتابع هذا المسلسل وغيره من المسلسلات، والأمر كذلك في السعودية ودول الخليج.

يقول بعض الباحثين في اليمن إنه تم رصد مجموعة من حالات الطلاق في بعض المدن بسبب هذا المسلسل وذكروا لي نماذج من القصص.

بعض الفتيات في بعض الدول العربية بدأن تقليدَ شخصيات المسلسل سواء في الحواجب أو الماكياج أو لون الشعر. امرأة سعودية جاوزت الستين تقول: " أشوف المسلسل.. وإن فاتتني الحلقةُ في المساء أشوفها في الإعادة.. والله حلو وما فيه شيء!!".

إحدى الكاتبات السعوديات مدحت المسلسل وبينت أن سبب تعلق السعوديات فيه فقدانهم للتقدير العاطفي وغياب المشاعر في الأسرة السعودية.. هكذا تزعم لتحسن من وجه المسلسل القبيح وتزود الوقائع وتخرب العقول. باحث عربي معروف أثنى على طريقة تعامل الرجل مع زوجته - من خلال المسلسل - خلاف واقع الحال لدى الكثير من الأسر العربية.

الصحف الغربية مثل "الواشنطن بوست" اهتمت بالمسلسل وتأثيراته المتوقعة على الأسرة العربية والسعودية على وجه الخصوص "أوبرا صابونية تركية تهز عادات الحياة الزوجية العربية"

استعان منتج المسلسل بشخصيات جميلة ومبهرة (البطل مهند ظهر - سابقاً- في مجلات إباحية تركية!!) في جو شديد الجاذبية ضمن قصة عاطفية صاخبة.

القناة المنتِجة للمسلسل استعانت بممثلين سوريين عالي الخبرة من أجل الدبلجة العربية وظهر الممثلون الأتراك كأنهم ممثلون سوريون (هناك تشابه وتقارب في الشكل مع السوريين أصلاً).

لقد تكاملت عناصر فنية وظروف محلية مع ضعف وعي وتخلف اجتماعي في نجاح المسلسل.

المفكرون والمصلحون كتبوا في هذا الأمر ونشرت الكثير من المقالات النقدية.. لكن السؤال نكتب لمن! ؟ هل خاطبنا القائمين على القناة ؟ هل خاطبنا عامة الناس بلغتهم لبيان خطورة هذا المسلسل ؟!

هل أنتج الإسلاميون وأهل الخير مسلسلات شبيهة لكن نظيفة وخالية من الفسق والفجور ؟!

راودتني هذه الأفكار وتألمت في داخلي وأنا أرى هذا الطفل اليمني الصغير ينشأ في هذا الجو الفاسد ومن حوله في المزرعة والقرية عالم آخر محافظ ومتدين وملتزم يرى أكبر جريمة أن تعاشر امرأة رجلاً لا يحل لها!!!...

قدمت إلى الصبي بعضَ التمر وبعض النصائح وعدت إلى الإبريق أصنع فيه الشاي وأقول في نفسي حتى الأتراك!!

وللعلم فإن المسلسل غير معروف في تركيا والقناة التي أنتجته مغمورة!!

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook