الخميس، 09 شوال 1445 ، 18 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

التغريب.. قراءة واقعية

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

إنّ من الغرر الكبير اهتمامُ الحركات التغريبية بحيثيات وأطروحات بالنظر إلى قائمةِ المطالبات أو (المقدمات) وحدها، دون التفات إلى النتائج!. الأمر الذي يجعلها أبعدَ ما تكون عن المصداقية والشمول والتكامل. إذ العقلانية تقتضي مراعاة المصالح بالنظر إلى مآلات الأمور ونتائجها.

اضافة اعلان

فمثلاً؛ من المصلحة أن يؤمِّن الوالدُ لبنيّاتهِ سائقاً لإيصالهن إلى مدارسهن، ولكن في ذاتِ الوقت عليه التفكير في احتمالاتٍ واردة وتداركها وقائياً قبل الوقوع في نتيجةٍ لا تُحمد عقباها، فيصعب الحلُ حينئذٍ.

فهذا الوالدُ لو قام باستقدام سائق، دون تأمين الفتيات ومراعاة النتائج المحتملة الوقوع، لخلا فعلُه من العقلانية والرشد!.

تماماً كما هو الحال مع بعض النداءات والمطالبات من بعض بني الإسلام لاقتفاء أثر الحياة الغربية وتتبع سننها حذو القذة بالقذة حتى في جحورِ الضِباب، دون التروِّي والتفكر يسيراً في تلك الجحور الخطرة التي لا تحوي خطوط رجعة، مما يجعلُ الهَلَكة أقرب من شِراك النعل!.

محاور الموضوع:

1/ نتائج حتمية تتبع مقدماتها.

2/ قراءة في واقع العالم الإسلامي.

3/ منعطَفٌ خطِر.

  • نتائج حتمية تتبع مقدماتها:

بحسب الإحصاءات التي أوردها الدكتور عبدالعزيز البداح والمعلومات التي تم توثيقها حول أثر حركة التغريب على المرأة السعودية - ومنها الآثار الأخلاقية -، لوحظ:

1/ تزايد معدلات الابتزاز[1]، نتيجة الأثر التغريبي على الأسرة والمجتمع، الذي تسبب في التفكك الأسري والخلافات الزوجية. إضافة للدور السلبي لوسائل الإعلام التي أسهمت بشكلٍ كبير في بث سموم التغريب في أذهان الناس[2]. مما زاد في إضعاف الوازع الديني[3] وتسبب في شيوع الجهل بالله تعالى، فانعدمت رقابة المسلم الذاتية لربه.

"وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لَا يَعْلَمُ كثيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأصبحتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ" فُصِّلَت (22-23).

2/ تزايد معدلات التحرش الجنسي؛ نتيجة التبرج والسفور والاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل. ففي عام 1419هـ- 1998م سُجلت (1225) قضية تحرش جنسي في مدينة الرياض وحدها!، وفي عام 1425هـ - 2004م سُجلت (3167) قضية؛ أي بمعدل ثلاثة أضعاف!.[4]

ونشرت صحيفة الرياض تحقيقاً موسعا عن "التحرش الجنسي" اتفق فيه المشاركات في الاستطلاع أنهن تعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن اللاتي يعملن بها.. وعلاقة ظاهرة التحرش الجنسي بحركة التغريب في غاية الوضوح، فهي –أي حركة التغريب- تعمل وبقوة من أجل خلع حجاب المرأة، والاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل.[5]

كما لا يخفى أن التبرج والسفور سبب أساس يدفع الرجل إلى التحرش بالمرأة، إذ من النادر أن تتعرض المرأة المحتشمة للتحرش أو المعاكسة. ومن كتب عن التبرج والسفور من العلماء والباحثين يؤكِّد أنه يؤدي إلى تعرض الرجال للنساء[6]. وما حادثة فتاتي جدة عنا ببعيد!.

أيتها العفيفة..

أصونُ عرضي بمالي لا أدنسهُ لا بارك الله بعد العِرضِ في المال

3/ ارتفاع معدلات الجريمة الأخلاقية؛ فقد سُجل ارتفاع في معدلات الجرائم الأخلاقية التي يكون أحد أطرفها من النساء، ومن ذلك على سبيل المثال:

جاء في إحصائية توضح معدل جرائم الخلوة والدعارة في مدينة الرياض وحدها ما يلي:

في عام 1416هـ - 1995م سُجِّلت (637) قضية خلوة، و(74) قضية دعارة.

وفي عام 1422هـ - 2001م سُجّلت (1664) قضية خلوة، و(302) قضية دعارة.

وفي عام 1425هـ - 2004م سجلت (2331) قضية خلوة، و(455) قضية دعارة.[7]

وللعاقل[8] المقارنة بين الإحصائيات الواردة في عدد من السنوات، والتي تتصاعد وتتزايد تِباعاً كلما ازدادت في المجتمع لوثة التغريب. أنها العلاقة الطردية بين التغريب والانحلال والهدم الأخلاقي في المجتمع المسلم، مما يُنذر ببلاءٍ عريض وشرٍ مستطير، يجدرُ بالعقلاء تداركه ورأب صدوعه وتجفيف منابعه قبل اشتداد الخرق على الراقع!.

علماً أن تلك الأعداد والإحصاءات قابلة للزيادة المفتوحة التي لا يمكن التنبؤ بها الآن، كلما ابتعد المجتمع عن ثوابته ومبادئه القيمية الشرعية لهثاً لمحاكاة النموذج الغربي!. مما يتهددُ بزعزعة الأمن الاجتماعي والنفسي، وضياع الأجيال الجديدة ومسخ هوية المجتمع المسلم، وانعدام القيم الأخلاقية التي هي أساس وجود الأمم وثباتها في وجه التحديات التي تعترضها.

وليس لتلك الحركة أن تزعم أن ما ترمي إليه لا يلحق ضرراً بالمجتمع، لأنه سيتم وفق الضوابط الشرعية!!، تلك الأكذوبة الكبرى لتمرير المشروع التغريبي. فأين الضابط الشرعي في الاختلاط؟!، وما الضابط الشرعي في الخلوة بالأجنبية؟!، وما الضابط الشرعي في خلع الحجاب؟!.

(سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)

إن أولى الضوابط وأنجحها بإطلاق هو التمسك بتعاليم الشريعة الإلهية، لا الإتيان بما يناقضها ثم زعم الضابط الشرعي بعد ذلك!. فمثل ذلك الزاعم كحال من يزعم إمكانية إقامة علاقات محرمة بين الجنسين وزيادة أعداد اللقطاء في المجتمع بضوابط شرعية!، هذا لا يقوله عاقل فضلاً عن مسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر!. إن هو إلا تذويب للشريعة ونقض عُراها بزورٍ من القول.

ولعلَّ سؤالاً يُطرح في هذا الصدد:

كم هي مواقف التحرش الجنسي التي نقلتها كتب السير والتاريخ في عصر صدر الإسلام، عصر الاستمساك بالعقيدة الإسلامية والثوابت الشرعية ونظامها الأخلاقي الرفيع؟!.

ربما حوادث تُعد على أصابع اليدين!، الأمر الذي يؤكد أن المبادئ الشرعية والاستمساك بها أخذاً بالكتاب بقوة هو سياج الحماية المتين للمجتمع المسلم، والفرد المسلم على السواء.

فالمسلم في عصر صدر الإسلام –مثلاً- يعلم أن الله سبحانه وتعالى (سميع بصير)، علماً عملياً تطبيقياً فيتهذبُ سلوكه ذاتياً وتغدو مراقبته لربه نابعة من ذاته ونفسه. لا كما هو حاصل اليوم للأسف الشديد، حيث نعاني أزمة بين النظرية والتطبيق بسبب ضعف الوازع الديني والانفلات الأخلاقي والسلوكي للفرد – إلا من رحم الله-، وكل ذلك ناتج عن الجهل بالله تعالى.

والحق أن المجتمع المثالي الأول لم يحتج لعقد مؤتمرات لمناقشة قضايا التحرش أو الابتزاز أو للحد من معدلات ارتفاع الجريمة لسببٍ بسيط، وهو أنهُ استمسك بشريعةِ الرب سبحانه وتعالى وامتثلها واقعاً وتطبيقاً، فأكرمه رب الشريعة بنعمة الأمن والعِزّة والنجاة في الدنيا والعقبى.

أما الذي يُراد للمجتمع اليوم من الحركات التغريبية فهي أن يلبسوه أسمال الذِلة والبلاء العريض، لسببٍ بسيط أيضاً؛ وهو أن تلك المجتمعات الغربية ذات ثقافة وحضارة مادية كبيرة عزَّزت لديها الشعور والاعتداد بالأنا حيثُ ترى لنفسها الغَلَبة، بينما المقلّد المسكين من سائر شعوب الأرض – ومنهم بعض أبناء الإسلام- لا يزال يشعر أبداً بالهزيمة النفسية لأن التذبذب ديدنه، كالمعنى الذي حكاه القرآن في حال المنافقين (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاءِ)، فلا هو بالذي استقرت نفسه بهويته ومجده الأصيل، ولا هو بالذي تخلَّص من شعور النقص بالانتماء المزوّر والإلصاق بثقافة أجنبيةٍ عنه!.

ولكنهُ الإبهار المادي الذي سعت الثقافة الغربية للحشد له، بُغية كسر النفسية الإسلامية وتهشيمها وهزيمتها[9]، فروّجت لمصطلح "العالم الثالث"، كإشارة للضعف الحضاري والتكنولوجي والصناعي في مقابل التفوق الغربي في هذه المجالات!.

وللأسف لم يحسن أبناء الإسلام فهم هذا اللغم الفكري والتعاطي الأمثل معه فانجرفوا خلفه مستسلمين منقادين، وظهرت لدينا أبواقٌ تنطق عنه بالوكالة داخل المجتمع المسلم، قد تعزَّز لديها الشعور بالعقدة!، فسخّرت وسائل الإعلام على اختلافها لتخفيف ذلك الشعور بالدعوة إلى تقليد الغالب!.

ولو أحسن أبناء الإسلام فهم مواقعهم وفهم التشريف الإلهي لهم بأنهم أصحاب رسالة إلهية خالدة؛ لرفضوا ذلك التكريس الغربي وأعلنوها صادقة: لئن كنا دول العالم الثالث مادياً أو حسياً أو "دنيوياً"، فنحنُ دول العالم الأول روحياً ومعنوياً و"أخروياً" – وهذا المحك-. نحنُ من يُصدِّرُ الهِداية والرشاد والنجاة للعالم أجمع على أطباقِ النور والسلام.

لقد تفطن الغربُ لانعدام الجانب الروحي لديه، وما دراسات نقد العهدين القديم والجديد إلا محاولة للبحث عن الحقيقة والاستمساك بوميض الأمل بأن لديهم شريعةً إلهية صحيحة لم تزل!.

إذن التفتوا إلى هذا الجانب.. واهتموا به.. !!

ولكن أظهرت نتائج تلك الدراسات زيف وتحريف ما هم عليه من الأديان في مقابل صدق دين الإسلام[10]، فأبدعوا في دنياهم، وناصبوا [11] دين الله العداء – الكثير منهم-. وصدق الله إذ يقول: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُواً) النمل (14).

ووالذي لا إله إلا هو لو أن القرآن أُنزل إليهم وكانوا هم أهل الإسلام، لاعتزوا به أيما اعتزاز!. ولكنهُ التعصُّب الأعمى!. (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِۚ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ الله بَغْياً أَن يُنَزِّلَ الله مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) البقرة (89-90).

  • قراءة في واقع العالم الإسلامي:

في ظل تزايد حركات التغريب في العالم الإسلامي وتسارعها[12]، يُلاحظ تزايد الهدر والانحدار الأخلاقي في المجتمع المسلم –للأسف الشديد-. ولا عجب!؛ إذ الأخرى نتيجة طبيعية للأخذ بالنموذج الغربي في أسلوب المعيشة نتيجة انتشار العلمانية والشيوعية والأخذ بمبادئهما في كثير من دول العالم الإسلامي. ونؤكِّد على مفردة (المعيشة) حيث ذكرها القرآن الكريم وفرَّق بينها وبين الحياة في ذات الوقت. فقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه (124). بينما قال سبحانه وتعالى في حقَ المؤمن الممتثل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة) النحل (97).

فالعيش مفهوم حِسِّي لا يختلف فيه أولئك المعرضون - عن ذكر الله - عن الأنعام، إذ الجميع يحصل لهم ما يستمر به بقاؤهم من أسباب البقاء المادية وحاجات الجسد.

بينما الحياة الطيبة للمؤمن العامل صالحاً فتشمل جانبي الروح والحس، فتطيبُ بذلك الحياة ويسعد المرء مرتاح البال مهما قصرت معه أسباب العيش الحِسيّة إذ هو في جنةٍ من سعادة الروح لا يقومُ لها شيء.

إنها سنَّةٌ إلهية فطر الله عليها جميعَ الخلق، فلا سعادة ولا أُنس إلا بالقرب من الله تعالى ومعرفته ومحبته وعبادته وامتثال أمره واجتناب نهيه. وهذا يحس ويشعر به المرء واقعاً في حياته، فدول التقدمية والرفاهية الدنيوية باتت تسجل أعلى معدلات الانتحار وحالات الاكتئاب والقلق. بينما أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يحيون نعيماً لن يفهمه إلا من ولج أبوابه.

نلمح ذلك المعنى في حياة سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فها هو إبراهيم بن أدهم التابعي الإمام الزاهد يقول لبعض أصحابه يوماً: "لو عَلِم الملوكُ وأبناء الملوك ما نحن فيه - أي من السعادة والسرور - لجالدونا عليه بالسيوف".[13]

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- يقول: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"[14]. وقال كاشفاً عن أسباب ذلك: "من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية".[15]

فالمؤمن الصادق لن يضيرهُ شيء ولن يحيد عن منهجه الرباني حتى يلقى الله تعالى، ليبوء من سنَّ سنةً سيئة بالإثم والعقاب الوبيل!.

ثم لتلك الحركة التغريبية نوجِّهُ سؤالاً: هَبوا أن المجتمع تغرَّب كما تريدون وتأملون، ومُسخت الهويةُ الإسلامية وتبدَّلت المِلَّةُ وقرّت أعينُكم بذلك، أفأنتم خالدون أم أنكم تعتقدون الحقيقة الخالدة (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)، فبالله كيف سيكون اللقاء؟!. لقاء الربِّ -عز وجل- وقد نابذتم شريعته وعاديتم أحكامه، وأحببتم ما كرِه؟!.

(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ الله فَأَحْبَطَ أعمالهُمْ) محمد (9)

ثم ماذا بعد والكلُ إلى الرحمن عائد؟!

ولابد أن تحين ساعة توقّف الأنفاس وخروج الروح؟!. فيندم المرء ولات حين مندم.

(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إنها كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) المؤمنون (99-100)

حينها تتوالى الحسرات على ما وقع من تفريط، بل محادة المنهج الرباني تشبهاً بمن حاد الله ورسوله من قبل: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ)، فليس ديدنهم الإفساد وإنما الصدُّ عن سبيل الله، وإرادة انتشار الفاحشة في الذين آمنوا، فالجزاء مزيدٌ من العذاب والنكال –والعياذ بالله-.

هذه الكلمات.. ليست موعظة بقدر ما هي تذكير بالحقيقة الغائبة!.

أيتها الأخت المسلمة؛ أريدها منكِ قناعةً ذاتية. تمتثلين دين ربِّك حباً وطاعة وعبودية خالصة. لأنكِ المحك وعليكِ مدار الأمر. فجميع تلك الحركات التغريبية المشاقة لله ورسوله لن تُفلح مهما بلغت ما لم تمدّ إليها يد!. يقول أحد الغربيين: "يجب علينا أن نكسب المرأة، فأي يوم مدت إلينا يدها فزنا وتبدد جيش المنتصرين للدين".

وللعاقلة أوجه سؤالاً: هَبِ أنَّكِ نزعتِ حجابَكِ وخالطتِ الرجالَ وتمردتِ على شريعة خالقك، فما العمل وكيف النجاة إن دعاكِ داعي الإله.. فأجبتِ؟!.

قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"[16]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه".[17]

نبي الأمة -صلى الله عليـه وسلم- يذكر لنا أنهُ ما رأى منظراً قط إلا القبر أفظع منه يا أختي المسلمة.

رسول الله الذي خاض الحروب والغزوات ورأى فظائعها ونالهُ من جراحاتها، يخبرنا أن القبر أفظع.

رسول الله الذي اطّلع على المشاهد العظيمة في ليلة الإسراء والمعراج، يخبرنا أن القبر أفظع المناظر.

رسول الله الذي رأى في منامهِ من الوحي الشيء الكثير[18]، يخبرنا أن منظر القبر أفظع.

فمن الذين تلتمسين ودهم وثناءهم وعلائقهم بعد ذلك؟!.

ومن الذي يستحق من الخلق أن تضحِّي بعلاقتك مع ربك وحبِّك له عز وجل وطاعته والعبودية الحقة له، لأجله؟!. أهي الدنيا والانبهار بما فيها؟!.. أم الأصدقاء؟!.. أم الهوى والشهوات؟!

أيتها المؤمنة.. كوني لبيبة..

أريد منكِ قناعةً ذاتية..

ولعلي أذكر موقفاً ربما شاهدهُ الكثير، وهو أنه في أحد المباريات وبينما كانت الكاميرا تلتقط جانباً من المشجعين، إذ بأحدهم يسقط منتفضاً مضطرباً، فهرب من حوله من الخوف!!.[19]

لقد كان يحتضر، وما لبث أن لفِظ أنفاسه.. ليلقى الله.

دخل بقدميه ليُشجّع ناديه المفضّل، ثم خرج مشيعاً على الأكتاف!.

إن في هذا لمعتَبَر!.

( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَة فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أكثرهُم بِالله إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ )يوسف (105-106)

مشركون:

يشركون الهوى مع الله: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ) الفرقان (43)

يُشركون الناس مع الله: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله ) التوبة (31)

يُشركون الشيطان مع الله: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) يس (60)

يُشركون الأصنام والآلهة الأخرى مع الله: (أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللهۚ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ )الطور (43)

يشركون الدنيا مع الله: (وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جميعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )الزمر (67)

( سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )

فانبذي الهوى أيتها المؤمنة، وانبذي أولئك المستغربين، وتفيئي ظِلال الحياة الهانئة السعيدة تحت لواء شريعتنا السمحة الغراء التامة الكاملة. قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ )محمد (2)

نعود إلى العالم الإسلامي ومشاهد التغريب فيه[20]؛ يقول الأستاذ محمد حسن يوسف: "ومن مظاهر التغريب التي تصدمك في الشارع، تقليد سلوكيات الغرب وعاداتهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع. تجد البنت ترتدي الملابس على الموضة الغربية، فتمشي في الشارع شبه عارية. وقلما تجد بنتا بدون أن يصاحبها ولد[21]. فالبنت تمشي متأبطة بذراع الولد، ويتسكعان سويًّا في الطرقات. وأصبح من النادر رؤية بنت تمشي محتشمة تظهر زيها الإسلامي. بل أصبحت رؤية من ترتدي النقاب أو الخمار ومن يرتدي الجلباب ويطلق لحيته، أصبح ذلك محلاً للسخرية والتهكم".[22]

فأين المشاريع العظيمة التي خدمت الأمةَ وأعادت لها مجدها على طريقة المشروع التغريبي؟!.

لا شيء.. !

وإنما بقدر ازدياد الاختلاط المحرم والعلاقات المحرمة الشاذة والمشبوهة، بقدر ازدياد الرهائن الإنسانية من اللقطاء الذين يملؤون الشوارع أو دور الإيواء في أحسن الأحوال!. ليبقى السؤال الأكثر إلحاحاً في ظل اهتراء النفسية وتهشّمها: أين أمي وأبي، أو من أبي؟![23]. مما يُتيح فرصة أكبر لجنوح أولئك الأطفال كمحاولة للانتقام من المجتمع الذي أضاعهم وأهدر إنسانيتهم!، الأمر الذي سيتسبب في ارتفاع معدل الجريمة بمختلف أشكالها ويتهدد كيان المجتمع وبقاءه.

فهل يعي عاقل؟!

إن كانت ثقافة التوصيات والحلول التدريبية والاستشارية تركز جميعها على السواء على الجانب الوقائي أولاً قبل العلاجي. فهل ينبذ عاقل كِفاية الشريعة الإلهية في هذا الجانب الذي هو خيرٌ من العلاج، فقط لمجرد التقليد الأعمى أو اتباعاً لهوى أو لكيلا يُوصم بالتخلف والرجعية؟!.

إن الغرب ليس لديهِ ما يخسرهُ مادام خالياً من الإيمان بالدين الحق، وتبقى الذلة والصغار على من نبذ شريعة الله من بعد ما جاءته البينات!. يقول د. محمد أحمد عبدالغني في تعريفه للتغريب: "هو تذويب الأمة المحمدية، بحيث تصبح أمة ممسوخة، نسخة أخرى مكررة من الأمة الغربية الكافرة، غير أن هناك فرقاً؛ فالأمة الغربية هي الأمة القائدة الحاكمة المتصرفة، والأمم الأخرى هي الأمم التابعة الذليلة المنقادة لِما يملى عليها، فهذا هو التغريب".[24]

ويورد الأستاذ محمود حسن بعض ثمار التغريب؛ ومنها الاجتماعية والثقافية، فيقول:[25]

1/ طبَّقنا كلَّ النظريَّات الاجتماعيَّة التي نادى بها علماء الاجتماع الغربيون، وماذا جنَينا؟[26]

2/ خرَجت المرأة من بيتها سافرةً مُتبرِّجة، شارَكت الرجل في عمله، واختلطَت به في وسائل المواصلات.

3/ شرَّعت بعض الدول العربية حقَّ المرأة في أخْذ الميراث كاملاً مثل الرجل، وحقَّها في أن تُعدِّد الأزواج مثل الرجل في وقتٍ واحدٍ.

4/ طالَب العلمانيون بإخراج تصريحات رسميَّة حكوميَّة لأماكن الفجور وتعاطي الخمور، وأن يكون ذلك شيئاً عاديًّا مثل الغرب.

5/ تفكَّكت الأُسَر في المجتمعات الإسلاميَّة، بأن سار كلُّ واحدٍ في الأسرة في طريقٍ، بحُجَّة الاعتماد على النفس على غرار الأُسر في المجتمعات الغربية.

6/ الإعلام الفاسد الذي روَّج لنظريات وأبواق الغرب من الكُتَّاب والمُفكرين، وأظهَر المرأة في صورة المظلومة المقهورة من قِبَل الشريعة والرجل.

7/ نعيش منذ زمنٍ بعيد في غُربة ثقافيَّة، فقد غاب أُدباء الإسلام وظهَر أُدباء الغرب.

8/ على مستوى التعليم: أفسَد الإعلام اللغة العربية بالسخرية منها في الأفلام والمسرحيات[27]، فهُمِّشَت وأصبحت مقهورة ومُعاباً عليها، يُتَّهم مَن يتحدَّث بها بأنه رجعيٌّ ومتخلِّف، خاصة وأن معظم الكليات العلمية تَستخدم الإنجليزية، ناهيك عن المدارس الخاصة التي تَغسل عقول الأطفال من أيِّ شيءٍ فيه رائحة عروبة أو إسلام.

9/ أصبحت قراءاتنا في الأدب الغربي الذي يَلعب على وتر الغريزة والشهوات، ونسِينا الأدب العربي الرفيع.

10/ خرَج لنا جيلٌ فاقِد الهُويَّة، مُنفصل عن أصوله، مُنبهر بكلِّ ما هو غربي.

كلُّ هذا ما جنَيناه من التغريب وأبواقه!.

  • منعطَفٌ خطِر:

يقول ربنا سبحانه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً) المائدة (3)، ويقول عز وجل: (وَمن يَبتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْه وهُو فِي الآخِرةِ مِن الْخاسِرِين ) آل عمران (85). ويقول: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) العنكبوت (51)، في كل تلك المواضع وغيرها يخبرنا سبحانه وتعالى بتمام الشريعة التي أنزلها وكفايتها للبشرية؛ وكيف لا تكون كذلك وقد أنزلها الخالق سبحانه وتعالى القائل في محكم التنزيل ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك (14). فهو العليم الخبير بما يصلح به حال عباده. ومن اعتقد غير ذلك فقد أدخل نفسه منعطفاً صعباً، وبات على شفا الهَلَكة - والعياذُ بالله- فيما بينهُ وبين الله تعالى.

فلله الحمد أن اختصرت لنا الشريعة طريقَ الفلاح والنجاة وبيَّنته أوضح بيان. وأتت بأحسن الأحكام فكفتنا أموالاً طائلة وجهوداً جبَّارة ربما كانت ستُنفق في دراسات اجتماعية طويلة الأمد، لسن قوانين تحفظ الأمة والمجتمع وتقيم أمنهم، وتحفظ الأسرة والأفراد والناشئة، وترعى الأخلاق وتقوم بحراسة الفضيلة. وتهتم بجانب الوقاية ابتداء، ثم العلاج لبعض الحالات!.

إنها الشريعة الربانية التي سبقت في ذلك المضمار سبقاً تكاملياً شمولياً بشكلٍ لم تعرف له البشرية مثيلاً، فلماذا ينبذها بعض أبنائها وينتقصونها، بل ويسيئون الأدب مع ربهم تعالى بوصفهم إياها بالتخلف والرجعية؟!. كل ذلك انبهاراً وركضاً خلف حضارة زائفة وسعادةٍ موهومة أثبتت أنها بمفردها – دون الجانب الروحي- خواء؟!.

يقول د. باسم عامر: " تشير الإحصاءات المقدَّمة من منظمة الصحة العالمية إلى أنَّ نِسَبَ الانتحار الأعلى في العالم هي في دول الاتحاد السوفيتي السابق وكذلك في بعض الدول الأوروبية الغنية كفرنسا والسويد وسويسرا، فإلى ماذا تشير تلك المعلومة لمن تأملها ؟ لا بد من التنويه قبل ذلك إلى أنَّ الإنسان لا يُقدِم على الانتحار إلا إذا وصل إلى مرحلة نفسية معقَّدة وشعور كبير باليأس والإحباط..

إنَّ تسجيل أعلى نسبة انتحار في دول ترفع راية الإلحاد واللادينية - كدول الاتحاد السوفيتي السابق - وكذلك في دولٍ مشهورة بالثراء والرفاهية والترف - كالسويد: أعلى دخل فردي في العالم -، تشير إلى حقيقةٍ لا جدال فيها يفهمها أكثر الناس بشكل معكوس، وهي: أن السبيل إلى الراحة والسعادة ليس في التحرر من الدين والانسلاخ منه - الشعوب السوفيتية مثالاً -، وكذلك ليس في الوصول إلى الشبع المادي بشتى صوره وألوانه -الشعوب الأوروبية مثالاً -، والتجارب أثبتت صدق هذا الكلام وإنْ ادَّعى الناس خلاف ذلك..

إنَّ الذي يَعْلَمُ ما يُسعِدُ الإنسان ويُفرِحُ قلبَه هو الذي أوجده وصنعه وهو الله جل وعلا، فالله تعالى وليس غيره أعلم بحال الإنسان من الإنسان، فلا سبيل للإنسان الباحث عن السعادة والعيش الطيب إلا بمعرفة السبيل إلى ذلك عن طريق خالقه وفاطره سبحانه وتعالى..

فإلى ماذا دلَّنا الله تعالى – وهو أعلم بنا منَّا - لكي تتحقق الحياة السعيدة الهانئة؟

معادلةٌ ربانيةٌ يسيرةٌ إنْ حقَّقها العبد تحقَّقتْ له الحياة الطيبة، هذه المعادلة هي وَعْدُه عزَّ وجلَّ بالحياة الطيبة لمن عمل صالحاً وهو مؤمن، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )النحل (97)".[28]

والله الهـادي إلى سواء السبيل..

كتبتهُ/ مريم تيجاني

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook