الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

حياتنا.. حياة قاضٍ

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

بسم الله. فرح ذلك الشابُّ بتخرجه من كلية الشريعة بجامعة الإمام، ليبدأ أهله وذووه بتهنئته والمباركة له، وحرص هذا الشاب على استلام وثيقته بأسرع وقت ممكن، حتى لا يفوته قطار الوظائف، وبالفعل تسلم وثيقته مبكراً، وذهب إلى وزارة الخدمة المدنية للتقديم على وظيفة معلم، وتحت لهيب الشمس وشدة الحر وكثرة الزحام، قام الشاب بتسليم ملفه حاوياً متطلبات التوظيف عدا الفحص الطبي، فأخذ الشاب نموذج الفحص وأنهى فحصه بعد زحامات شديدة وأيام عديدة، ثم أراد الشاب استغلال فرصة طرح الوظائف ليتقدم على وظيفة ضابط في وزارة الحرس الوطني في قسم التوعية الدينية.

اضافة اعلان

وبعد هذا الجهد، ذهب الشاب إلى مسقط رأسه ليقضي فيها ما تبقى من الإجازة الصيفية، ثم فوجئ باتصال من زميله في الكلية، يبشره بأنه تم ترشيحه قاضياً في وزارة العدل!، فبدأ الشاب في التفكير مستغرقاً، وبدأ يسأل نفسه: كيف تم ترشيحي؟ ولماذا؟ وما المعايير التي وضعوها للترشيح؟ وهل انطبقت علي جميع هذه المعايير؟ وأسئلة أخرى دارت في خلد الشاب.

عاد الشاب إلى الرياض بعد سماع النبأ، ليذهب إلى وزارة الخدمة المدنية ويتأكد من مصير تقديمه على وظيفة معلم، ليخبره المسؤول بإيقاف قبوله كمعلم لأنه ورد إليهم خطاب وزارة العدل أو مجلس القضاء الأعلى بترشيحه قاضياً واعتماد ذلك، لينطلق الشاب على إثر ذلك إلى وزارة العدل مستفسراً ومتسائلاً عن وضعه الوظيفي، ليجيبوه بضرورة التوجه إلى مجلس القضاء الأعلى لمقابلة رئيسه، فذهب وقابل الرئيس، وبعد أخذ ورد أبدى الشاب رغبته بترك القضاء، فرفض الرئيس هذا الطلب، ليبدأ الشاب وظيفته مجبراً في القضاء، ولكنه أصرّ على إكمال دراسة الماجستير ثم ممارسة القضاء بعدها، فوافق مجلس القضاء والوزارة على ذلك.

عيّن المجلسُ الشابَّ بعد الملازمة القضائية في محافظة تبعد مسافة تزيد عن سبعمائة كيلومتر عن موطنه الرياض، وأصبح الشاب يمتاط الطائرات ذهاباً وإياباً ما بين الرياض ومحافظة العمل بشكل أسبوعي، فجمع الشاب حينها بين ثقل العمل وتعب السفر وكآبة الغربة وصرف الأموال من راتبه على تذاكر الطيران.

صبر الشاب وتحمل، ثم طلب سيارة يتنقل بها بين العمل والسكن في محافظة العمل، إلا أن وزارة العدل رفضت، ثم طلب الشاب توفير سكن له فضحك عليه زملاؤه في العمل من الطلب، وقصوا عليه قصصاً في طلبات مماثلة واجهتها وزارة العدل بالرفض والتهديد.

صبر الشاب وتحمل ولم يقدم استقالته، ثم تقدم الشاب لدراسة الدكتوراه فوافقت الجامعة على قبوله، إلا أن رئيس المجلس آنذاك رفض تفريغه من العمل للدراسة، وطالب الشاب بمساواته بزملائه ممن تمت الموافقة على تفريغهم، إلا أن الرئيس أصر على رفضه بحجة أن الشاب انقطع عن العمل، وأجاب الشاب أن الانقطاع كان لرغبته في نقله من مكان إلى مكان ليس إلا، ولكن الرئيس كرر الرفض، حينها خرج الشاب من مكتب الرئيس إلى السكرتير وحرر استقالته وأودعها في المجلس، ثم خرج تاركاً القضاء مقبلاً على دراسة الدكتوراه والمستقبل الجديد، وبعد معاناة ثلاث سنوات وافق المجلس على الاستقالة ليبدأ الشاب حياة جديدة أقل معاناة وأكثر اطمئناناً وراحة بال خارج أسوار القضاء حامداً ربه وشاكراً له.

وأختم حديثي بالقول: لقد قاوم الشاب ضغط المقربين له بالعودة للقضاء مقاومة صعبة للغاية، إلا أن هذا لم يُثنه عن قراره الذي رآه لازماً ومصيرياً في حياته، لا سيما بأنه عاش مرارة وضيقاً في العمل إلى حد يصفه الشاب بأنه لا يمكنه مقاومته.

وصلوا على النبي المختار

د. تركي بن عبدالله الطيار

محامٍ وقاضٍ سابق

[email protected]

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook