السبت، 11 شوال 1445 ، 20 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

قاضٍ لـ«تواصل»: عقوبات «التحرش» قد تصل إلى تنفيذ حد الحرابة (حوار)

القاضي السابق بوزارة العدل الشيخ بندر بن عبدالعزيز العجلان
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
- موقف الشريعة الإسلامية من التحرش واضح وحازم

- عقوبات التحرش قد تصل إلى تنفيذ حد الحرابة

اضافة اعلان

- العجلان: نظام «العدل» ليس به إفراد لتلك المخالفات

تواصل- خالد الغفيري:

في الآونة الأخيرة، انتشرت على السطح حالات تحرش عدة, تسببت في مطالبات بِسَنِّ قانون يمنع التحرش, ويكون زاجراً للمتحرشين.

«تواصل» حاورت القاضي السابق بوزارة العدل الشيخ بندر بن عبدالعزيز العجلان؛ لمعرفة موقف الشريعة الإسلامية من «التحرش»، والإجراءات الرسمية تجاه هذه الظاهرة، منذ الضبط وحتى المحاكمة، وهل توجد نصوص نظامية أو قضائية للمتحرشين في نظام العدل السعودي.

وإلى تفاصيل الحوار:

ظهرت حالات تحرش في الآونة الأخيرة صاحبها مطالبات بسَنِّ قانون للتحرش، فما موقف الشريعة الإسلامية من ذلك؟

في البداية يحسن التنبيه إلى أن حالات التحرش المذكورة ليست وليدة الساعة، بل كانت موجودة منذ أزمنة متطاولة إلا أن تسليط الضوء عليها من قِبل الإعلام التقليدي أو الحديث هو الذي جعلها تبدو وكأنها نازلة جديدة لم تكن معروفة من قبل.

 أما موقف الشريعة الإسلامية من التحرش فهو واضح وحازم ونوعي في الوقت نفسه، إذ إن الشريعة الإسلامية بادرت بوضع السياج الأمني الاحتياطي قبل الوصول إلى مسرح الجنحة أو الجريمة وذلك ببتر أسبابها وقطع بواعثها بمثل قوله تعالى: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون﴾ ثم انتقلت بعد ذلك إلى مرحلة تجريم الفعل بعد وقوعه في مثل قوله تعالى: ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا﴾، وعند إشهاره وإذاعته بقوله تعالى: ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾، ثم بعد مرحلة وضع السياج الأمني الاحتياطي ومرحلة تجريم الفعل بعد وقوعه تأتي مرحلة تقرير العقوبة المناسبة لهذا الفعل وفاعله والظروف المحيطة بهما عبر ما يسمى في الشريعة الإسلامية بالحدود والتعازير في عملية تكاملية تتم وفق إطار منضبط ومتوازن.

أرجع كثيرٌ من المواطنين والمسؤولين أسباب التحرش إلى عدم وجود قانون رادع، هل هذا صحيح؟

أحترم وجهة النظر هذه، لكن من خلال تخصص قضائي وتجربة ميدانية، أقول إنها غير صحيحة، فهناك أنظمة وإجراءات واضحة وعقوبات رادعة في هذا الشأن ابتداء من القبض وانتهاء بالتنفيذ مروراً بمرحلة التحقيق والاتهام والإدانة بعد توافر الأدلة والبيانات، والمنظم لهذه العملية وتراتيبها هو نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / 2 وتاريخ 22/1/1435هـ.

كيف تمر الإجراءات الرسمية تجاه التحرش منذ الضبط وحتى المحاكمة؟

يقوم رجال الضبط بعد ورود البلاغ إليهم بالانتقال إلى مسرح الحادثة والتأكد من صحة البلاغ الوارد إليهم بخصوصها، ثم يتم ضبط المتهم ويحرر محضراً بذلك، ويُرسل إلى مركز الجهة القابضة ليتولى إجراءات إحالة المتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام التي تقوم بدورها بالتحقيق مع المتهم وجمع الأدلة والمستندات المتعلقة بالحادثة، فإذا توجه الاتهام إلى المقبوض عليه أصدر المحقق قراراً يسمى (قرار اتهام) ثم يقوم بإحالة هذا القرار -بعد المصادقة عليه من مرجعه- إلى زميله المدعي العام ليتولى إصدار (لائحة الدعوى العامة) المتضمنة طلب إثبات ما أسند إلى المتهم والحكم عليه بالعقوبة التي يراها مناسبة، ثم يقوم بإحالة هذه الدعوى العامة مع كامل أوراق المعاملة إلى المحكمة المختصة ليقول القضاء فيها كلمته بحضور المدعي العام والمتهم.

هل توجد نصوص نظامية أو قضائية للمتحرشين في نظام «العدل»؟

قضايا التحرش كغيرها من قضايا الجنح والجنايات التي لم تفرد لها نصوص نظامية خاصة بها؛ لاندراجها تحت المخالفات الشرعية التي تم تجريمها وتقرير العقوبات المناسبة لها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية المشار إليه آنفاً.

من خلال عملك السابق في القضاء، ما العقوبات التي كانت تصدر ضد المتحرشين؟

العقوبات الصادرة في هذا النوع من القضايا متنوعة وتخضع لاعتبارات متعددة وسلطة القضاء التقديرية التي توازن بين أمور كثيرة منها ما يتعلق بماهية الفعل وشناعته، ومنها ما يتعلق بحال الفاعل من حيث الظروف المشددة أو المخففة المحيطة به، فالمحصن الكبير ليس كالبكر الصغير، ومنها أيضاً ما يتعلق بمكان وقوع الحادثة وزمانها، فما يقع مثلاً داخل الحرم المكي في نهار رمضان ليس كغيره، كما أن لإشهار الجناية وإشاعتها بتصوير ونحوه أثر كبير عند تقرير العقوبة.

والعقوبات في مثل هذه القضايا تندرج تحت التعزيرات المطلقة التي يستلهم منها القضاء ما يناسبها على ضوء المعطيات المذكورة آنفاً، فتارة تكون العقوبة جلداً وتارة تكون سجناً وأخرى تكون بهما معاً، وقد يلجأ القضاء إلى عقوبات بديلة عما ذكر لاعتبارات معينة تختلف باختلاف الجناة والجنايات، أما إذا تجاوز المتحرش الخطوط الحمراء وتعدى في جنايته إلى أمور أخطر وأكبر كالاغتصاب مثلاً فإن حد الحرابة له -حينئذٍ- بالمرصاد ويُتعامل معه وفق الآية الكريمة ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾.

هل تعتقد أن عدم إعلان العقوبات في وسائل الإعلام أسهم في المطالبة بقانون للتحرش؟

لا شك أن عدم إشهار العقوبات في وسائل الإعلام، وعدم تنفيذها في أماكن وقوع الجنايات، أشعر الرأي العام بضرورة الحد من هذه المخالفات التي يتصور أنها حادثة أو طارئة، ودفعه للمطالبة بما يسمى بقانون التحرش، ولو أدى الإعلام دوره في هذا كما يجب ولو بزيارة المحاكم المختصة ونشر أحكامها لارتفع مستوى وعي العقل الجمعي أكثر واتضحت له الصورة بشكل أكبر.

برأيك هل هناك مطالب خفية وراء المطالبة بسن قانون للتحرش؟

نحسن الظن كثيراً بإخوتنا وأحبتنا المطالبين بسن هذا القانون، ونحترم بكل تأكيد وجهة نظرهم، ونقدر عدم وضوح الصورة لغير المتخصصين منهم، ونعلم أن الباعث لهم - كمسلمين - هو المحافظة على أعراضهم وحرماتهم، ونتمنى أن يقوم الإعلام بدوره المهم في هذا الجانب.

وفي الوقت نفسه نعلم أن في كل مجتمع شرذمة قليلة تطلق بين الفينة والأخرى دعوات مضللة ظاهرها حسن، وباطنها قبيح دميم، أُشربت حُبَّ ما لدى الآخرين على علاته، تحاول عابثة زعزعة ما لدينا من ثوابت وقيم، فراحت تطالب بسن هذا القانون في محاولة يائسة لتطبيع العلاقة (الرضائية) المحرمة بين الرجل والمرأة التي تتم بهدوء وبلا تحرش، وإلا فما دام أن الشريعة الإسلامية والنظم والإجراءات المتخذة لدينا قامت بدورها كما يجب في سن الإجراءات الوقائية التي تمنع ارتكاب مثل هذا الفعل وغيره ، وقامت بتجريمه بعد وقوعه، وعاقبت عليه بعد ثبوته، فما الحاجة إذن لإيجاد أمرٍ زائدٍ لا جديد فيه.

 كلمة أخيرة تختم بها هذا الحوار؟

أدعو المطالبين بسن هذا القانون إلى استيضاح الواقع، والنزول إلى الميدان، والإفادة من أهل الاختصاص، واستجلاء الصورة بشكل أوضح؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، كما أدعو الإعلاميين وذوي الاختصاص والشأن إلى القيام بدورهم المهم في هذا الجانب وكشف ما قد يلتبس على الرأي العام بكل وضوح وشفافية وواقعية.

وأقترح في نهاية هذا الحوار ما يلي:

- إيقاظ الوازع الديني لدى الجنسين في المحافل والمناهج والمجاميع.

- عدم التهاون في اتخاذ التدابير الاحترازية والوقائية كافة التي تحول دون وقوع هذه الحوادث وأمثالها، كمنع الاختلاط بين الجنسين بصوره وأشكاله وميادينه كافة، والحد من مظاهر التبرج والسفور، ومراعاة الحدود الشرعية المنظمة لعلاقة الرجل بالمرأة .

- تعزيز الثقة بقضائنا الشرعي ورجاله، واستعادة هيبة أحكامه، وهذه مسؤولية الإعلام بالدرجة الأولى.

- إشهار بعض العقوبات الصادرة بحق المتحرشين، وتنفيذها في الأماكن التي وقعت فيها.

- دعم وتكثيف رجال الضبط العاملين في الميادين وأماكن التجمعات، خصوصا رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook