الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

نحو فهم أعمق لتنظيمات العنف المسلح

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

من يتأمل الإحصاءات التي تتعلق بإقبال الشباب وانضمامهم إلى صفوف بعض التنظيمات المسلحة العنيفة، ذات الطابع العالمي، المتجاوز للحدود القطرية، كتنظيم الدولة الإسلامية، المعروف إعلامياً باسم (داعش)، وتنظيم (القاعدة)، وغيرهما، سيجد أنها تأخذ وتيرة متصاعدة، وليس كما يتصور أنها تتناقص أو تقل بمرور الوقت وانقضاء الزمن.

اضافة اعلان

فبعض المحللين والخبراء الذين يتابعون هذه التنظيمات يزعمون أن الشباب يفرون منها، ويصدون عنها بعد حين, حين يكتشفون انحرافها وغلوها وبعدها عن سماحة الإسلام ووسطيته, ولكن هذه المسلمة باتت تحتاج إلى مراجعة في ظل ما يتوارد من إحصاءات بزيادة وتيرة المنضمين إلى تلك التنظيمات، وقدرتها على التجنيد والحشد المستمر وبلا توقف.

ومن عجب أنك تجد الفئات التي تنضم وتنخرط في صفوف تلك الجماعات والتنظيمات, هي من الفئات الأكثر تعليماً, وليست الفئات الأقل في مستواها الاجتماعي, وهذه مفارقة أخرى, جديرة بالانتباه, وتدحض فكرة سائدة من قبل أن الشباب الذين يعانون من مشكلات اجتماعية أو مالية يهربون منها إلى تلك التنظيمات العنيفة.

فالفئات الغالبة في هذه الجماعات والتنظيمات هي من الفئات الشبابية المتوسطة اجتماعياً؛ ما يعني أنها لا تواجه مشكلة مالية ولا توجد لديها مشكلات كبيرة في إشباع الحاجات والغرائز الإنسانية الضرورية, من طعام أو زواج أو مكانة اجتماعية, وهي الحاجات التي جاءت في هرم "ماسلو" باعتبارها تؤثر تأثيراً بالغاً في التوجهات وطرق التفكير والاختيارات.

كما أن هذه الفئات الشبابية هي من الفئات الأكثر تعليماً, وغالبها من خريجي الجامعات والمعاهد العليا المرموقة؛ ما يعني أن مستوى المعرفة والقدرة على التفكير واتخاذ القرار في مستوى عالٍ, وليست من الفئات المتدنية في مجالها العلمي.

بل والمفارقة الأهم هنا أنك لا تجد أكثرهم من خريجي المعاهد والكليات الشرعية, بل من خريجي الجامعات التي يمكن أن نسميها كليات مدنية بالنظر إلى طبيعة المواد الدراسية محل الاهتمام.

والمفارقة الثالثة أن فئات كبيرة من المنضمين إلى تلك التنظيمات هم من ساكني الغرب, وليسوا من بلاد العرب والمسلمين, فكانت نشأتهم وتعليمهم وصبغة حياتهم غربية حتى النخاع, ولم يعرفوا طريقاً إلى البلاد العربية والإسلامية طيلة حياتهم.

هذه المفارقة تؤكد أن المشكلة ليست في العالم العربي والإسلامي الذي يزعمون أنه يولد التطرف والعنف بطبيعته، وبنظام تعليمه، وباهتمامه المبالغ فيه بالناحية الدينية, وهي أمور لا يوجد نظير لها في الغرب, ومع ذلك كان مصدراً للشباب الراغبين في الانضمام إلى هذه التنظيمات العنيفة.

والمفارقة الرابعة أن جذب هذه التنظيمات لم يعد مقصوراً على فئة الشباب, بل تعدى الأمر إلى الفتيات كذلك, وبعضهن من ديار الغرب, ولسن من بلاد العرب والمسلمين؛ وهو ما يعني أنها باتت تمتلك خطاباً دعائياً متنوعاً له جاذبية خاصة للجنسين معاً.

كل هذه المفارقات تؤكد أننا في حاجة إلى فهم أعمق لبنية التنظيمات المسلحة, والانطلاق بأدوات فهم جديدة لمعرفها بنائها الفكري والتنظيمي, بحيث نستطيع أن نمنع شبابنا من هذه المحارق الدامية بصورة علمية ومنهجية.

فنحن نرى أن الانطلاق من المسلمات السابقة، أو تلك التي يروج لها إعلامياً وفقط لمجرد الدعاية المضادة لن يقودنا إلى معالجة صحيحة لهذا الملف شديد الخطورة على شبابنا وأمننا وإسلامنا.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook