الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الأزمة السكنية في المملكة.. حلول اقتصادية وموروثات شعبية

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

اضافة اعلان

بدأت ملامح أزمة الإسكان بالمملكة تتضح خلال العقد الأخير، وساهمت في تشكيل أبعادها عدة عوامل اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى الثقافة العامة والموروثات الشعبية.

وتشير التقارير المتخصصة إلى أن المملكة بحاجة إلى تطوير نحو مليون وحدة سكنية في غضون السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما يعادل نحو 20 في المائة من مجمل الوحدات السكنية المتوافرة حالياً في السعودية، التي قدرت بنحو 4.6 مليون وحدة سكنية وفقاً للنتائج الأولية، التي أظهرتها بيانات التعداد الأخير للسكان والمساكن في المملكة.

ورغم النمو الاقتصادي المتسارع إلا أن المملكة تعاني أزمة إسكانية خانقة تتمثل في عدم تملك نحو 60 في المائة من مواطنيها للمسكن، ما دعا الحكومة مؤخراً إلى سن العديد من التشريعات لحل تلك الأزمة، وإنشاء مشاريع إسكانية جديدة، والتوسع في منح الأراضي للمواطنين، وإنشاء بنك التنمية العقاري، وزيادة قيمة القرض، ودعم وزارة الإسكان بأكثر من 250 مليار إضافة إلى قيام بعض الوزارات الحكومية والجامعات بإنشاء مشاريع إسكان لمنسوبيها.

أبعاد الأزمة

يشكو كثير من الشباب من بعض المشاكل المتعلقة بمنح الأراضي التي توزعها الدولة على المواطنين، مشيرين إلى أنها عادة ما تكون غير كافية وفي مناطق نائية لا تتوافر فيها الخدمات الأساسية، فضلاً عن أن الدعم الذي تقدمه الحكومة لصندوق التنمية العقاري يعتبر محدوداً، في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء وأسعار الأراضي الواقعة في النطاق العقاري.

ويرى بعض المختصين أن نقص الشركات العقارية المتخصصة في مجال البناء والإنشاء في المملكة، أدى إلى احتكار بعض الشركات وتحكمها في أسعار البناء، والتي سعت إلى رفع أسعارها من الوحدات السكنية، حيث يعجز معها المواطنين ذوي الدخل المحدود عن دفع ما يقارب مليون ريال قيمة شراء وحدة سكنية واحدة.

ونتيجة لهذا الاحتكار والارتفاع الكبير في الأسعار، أصبحت قيمة الأرض تشكل في معظم الأحيان أكثر من 60 في المائة من قيمة الوحدة السكنية، ما جعل من قيمة الوحدة السكنية المعروضة للبيع مرتفعة للغاية، ولا تتناسب مع الدخول ما دون المتوسطة والصغيرة.

وساهم التوسع المطرد في بناء الوحدات السكنية المستقلة، وعدم اللجوء إلى التوسع الرأسي في بناء المساكن والوحدات السكنية، في تزايد حدة الأزمة، ونتيجة لاتباع هذا الأسلوب في بناء الوحدات السكنية، وللتوسع الأفقي في البناء، تكلفت الدولة وتكلف المواطن مبالغ طائلة، تمثلت في قيمة البناء، وفي تكلفة التوسع في بناء المرافق العامة وتزويد المناطق والأحياء بالخدمات الأساسية كالكهرباء، والهاتف، والمياه وإلى غير ذلك من الخدمات.

أزمة قديمة

يرى عدد من العقاريين والمستثمرين في السوق السعودية أن أزمة السكن في المملكة ليست وليدة اليوم بل هي أزمة قديمة وهي في تزايد مستمر بسبب غلاء الأسعار ومواد البناء في الفترة الماضية، إضافة إلى الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت الأسواق العالمية خلال قبل خمس سنوات، وتعثر أغلب المساهمات العقارية، وقلة المنح المخصصة للمواطنين وبعدها عن النطاق العمراني وعدم دعم وزيادة صندوق التنمية العقاري.

حلول ناجعة

يطالب الشباب (المتضرر الأكبر) الدولة بإيجاد حلول جذرية وسريعة بالتعاون مع الشركات الوطنية المتخصصة في مجال البناء والإنشاء لتوفير السكن المناسب بسعر يتناسب مع دخل الموظف، خاصة ذوي الدخل المحدود في مواقع تتوافر فيها جميع الخدمات وتكون ضمن النطاق العمراني، خاصة في الرياض، والمنطقة الغربية، والمنطقة الشرقية، التي تشهد ارتفاعاً مستمراً في أسعار الوحدات السكنية في بمختلف أحجامها.

وتتمحور حلول الأزمة الإسكانية وتضييق تلك الفجوة الكبيرة حول توفير الخدمات والبنى التحتية للأراضي الممنوحة، مع مراعاة تباين احتياجات المواطن من حيث مساحة الأرض المناسبة ومساحة المساكن، والأخذ بالتجارب الدولية الناجحة، إضافة إلى تفعيل دور الدولة في تنظيم السوق العقاري ودعم الاستقرار فيه، والاستعانة بأحدث الدراسات والبحوث لمعرفة الجديد في عالم البناء، من خلال استخدام التقنيات الجديدة والمطورة في التشييد، وتوفير الدعم الحكومي للمواطن.

ويقترح عدد من العقاريين إنشاء شركة عقارية وطنية تعقد شراكة مع صناديق الدولة الاستثمارية وتعمل في مجال بناء الوحدات السكنية، وتوزع على موظفي القطاع الحكومي وشبه الحكومي وفق عوائد ربحية تتناسب مع دخل الموظفين، كحل لأزمة المساكن في المملكة، إضافة إلى تسهيل الأنظمة والتخلي عن البيروقراطية والروتين الممل، الذي قد يجبر كثيراً من الشركات الوطنية على الاستثمار في الخارج.

ثقافة مجتمعية

يميل الشباب السعودي إلى تملك منزل خاص به، ولا يقبل في أغلب الأحيان شراء وحدات داخل عمائر سكنية مشتركة، ويرجع ذلك بالأساس إلى أسلوب التنشئة وخصوصية المجتمع السعودي التي ينفرد بها، بيد أن عدم توافر الأراضي المناسبة والقريبة من النطاق العمراني إضافة إلى غلاء أسعارها، جعلا كثيراً من الشباب -ولا سيما حديثي التخرج- يعيدون التفكير في تلك الموروثات المجتمعية، ويبحثون عن سكن ملائم في مجمعات مشتركة أو شقق في عمائر سكنية، نظراً لرخص أسعارها وكثرة المعروض منها في السوق المحلية.

التوسع الرأسي

في النهاية اقتنع المواطن بالبحث عن السكن الاقتصادي، الذي كان في الماضي لا يفكر فيه بسبب كثرة أفراد الأسرة، وهو ما يلقي عبئاً كبيراً على عاتق الدولة يتمثل في أهمية حصر عدد المواطنين الذين يقطنون شققاً سكنية أو بيوتاً مستأجرة، وأخذ كامل المعلومات اللازمة عنهم من حيث العمر وعدد أفراد الأسرة والدخل الشهري بهدف التنسيق مع البنوك والشركات المتخصصة لتوفير المسكن المناسب لهم.

ويمكن أن يشجع هذا التحول الثقافي الجهات المعنية بالمملكة على التوسع في إنشاء المجمعات السكنية المدعومة، لضبط إيقاع السوق العقارية وتوفير المسكن الملائم لمحدودي الدخل والشباب حديثي التخرج، ما يسهم في إيجاد حلول طويلة ومتوسطة المدى للقضاء على أزمة السكن نهائياً.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook