الخميس، 16 شوال 1445 ، 25 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

رسالة مواساة لكل مكروب ومهموم(2)

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فقد كان الحديث في المقالة السابقة عن بعض ما يعين على تجاوز الكربات والهموم ومصائب الدنيا التي لا مفر لكل آدمي عنها ؛ وهذه المقالة استكمالاً للمقالة السابقة فأقول مستعيناً بالمعين : ومما يعين على تحمل المصائب :

اضافة اعلان

6 ـ استشعار المسلم أن ( كل قضاء فهو خير للمؤمن ) ؛فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) رواه مسلم

قال القرطبي:( قوله : عجبا لأمر المؤمن ؛ إن أمره كله له خير ) المؤمن هنا هو العالم بالله ، الراضي بأحكامه ، العامل على تصديق موعوده ، وذلك أن المؤمن المذكور إما أن يبتلى بما يضره ، أو بما يسره ، فإن كان الأول صبر واحتسب ورضي ، فحصل على خير الدنيا والآخرة وراحتهما ، وإن كان الثاني ، عرف نعمة الله عليه ومنته فيها ، فشكرها وعمل بها ، فحصل على نعيم الدنيا ونعيم الآخرة ...) فما يصيبك أيها المسلم فهو خير لك إن صبرت واحتسبت

7ــ  معرفة (حال المسلم مع الدعاء) فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ دَعَا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِدَعْوَةٍ ، إِلَّا اسْتَجَابَ ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِثْمٌ أَوْ قَطِيعَةُ رَحِمٍ - إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى خِصَالٍ ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : " اللهُ أَكْثَرُ " والمعرفة الواقعية لهذا الحديث تذهب اليأس وسوء الظن الذي يأتي للإنسان أحيانا عندما يدعو ويدعو ويلح في الدعاء ثم لا يرى استجابة ظاهرة لحاجته فيصيبه ما يصيبه من جزع وقنوط ، وقد يكون الذي اُدُّخِر له أو صُرِف عنه من الشر أفضل بكثير من قضاء حاجته

 

8 ـ ومن أعظم ما يعين على الصبر والرضا ، معرفة الثمرات العظيمة للصابر على البلاء فمن ذلك :  الثمرة الأولى : تكفير الذنوب ورفع الدرجات كما قال تعالى :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (( مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ ، وَفِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ)) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم

الثمرة الثانية: أن من علامات الإيمان الصبر عند البلاء كما قال تعالى(( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ))  قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم

وفي الحديث عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنه قَالَ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ))  .

 فهذا الحديث يبين أن عدم الصبر والجزع ليس من علامات أهل الإيمان ، بل هي من علامات الجاهلية ، فدل ذلك على أن من صبر عند البلاء فهي علامة على صدق إيمانه

الثمرة الثالثة : قوة البلاء وكثرته من علامات الإيمان

قال تعالى ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))

وذكر الطبري عن ابن إسحاق أنه قال في قوله تعالى: (" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " وتصيبوا من ثوابي الكرامة، ولم أختبركم بالشدة، وأبتليكم بالمكاره، حتى أعلم صِدق ذلك منكم بالإيمان بي، والصبر على ما أصابكم فيّ )

وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ : ((الْأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ )).

قال الحافظ ابن حجر (وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْبَلَاءَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ ، فَمَنْ كَانَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ كَانَ بَلَاؤُهُ أَشَدَّ ، وَمِنْ ثَمَّ ضُوعِفَ حَدُّ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ ، وَقِيلَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ : { مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَوِيَّ يَحْمِلُ مَا حَمَلَ ، وَالضَّعِيفَ يُرْفَقُ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ كُلَّمَا قَوِيَتِ الْمَعْرِفَةُ بِالْمُبْتَلَى هَانَ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى أَجْرِ الْبَلَاءِ فَيَهُونُ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ ، وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ دَرَجَةُ مَنْ يَرَى أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ فَيُسَلِّمُ وَلَا يَعْتَرِضُ ، وَأَرْفَعُ مِنْهُ مَنْ شَغَلَتْهُ الْمَحَبَّةُ عَنْ طَلَبِ رَفْعِ الْبَلَاءِ ، وَأَنْهَى الْمَرَاتِبِ مَنْ يَتَلَذَّذُ بِهِ لِأَنَّهُ عَنِ اخْتِيَارِهِ نَشَأَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ) .

فكلما أحب الله عبداً زاد في بلاءه ، ولذلك خيار الناس وهم الأنبياء أشد الناس بلاءاً ، وبعض الناس يظن أن كثرة البلاء بسبب بغض الله أو سخطه لهذا الشخص والتحقيق في هذه المسألة أن يقال (الله  يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- والصلحاء من عباد الله، كما قال النبي ﷺ: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب، فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) ،فالغالب على الإنسان التقصير وعدم القيام بالواجب، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعًا في الدرجات وتعظيمًا للأجور، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب.

فالحاصل أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى: ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ))وقول النبي ﷺ(( ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها))، وقوله ﷺ ((من يرد الله به خيرا يصب منه))

الثمرة الرابعة : يُكتب له ما كان يعمله في صحته كما قال تعالى ((وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ ))

قال الشيخ السعدي ({‏وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ‏}‏ فلم يصادفوا عندك شيئا ‏{‏قُلْتَ‏}‏ لهم معتذرا‏:‏ ‏{‏لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ‏}‏ فإنهم عاجزون باذلون لأنفسهم، وقد صدر منهم من الحزن والمشقة ما ذكره اللّه عنهم‏.‏

فهؤلاء لا حرج عليهم، وإذا سقط الحرج عنهم، عاد الأمر إلى أصله، وهو أن من نوى الخير، واقترن بنيته الجازمة سَعْيٌ فيما يقدر عليه، ثم لم يقدر، فإنه ينزل منزلة الفاعل التام‏).‏

ومما يدل على ذلك حديث جَابِرٍ رضي الله عنه أنه  قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزَاةٍ فَقَال النبي ﷺ: ((لقد خلفتم بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، إلا شركوكم في الأجر، قال: وهم بالمدينة قال: حبسهم العذر)) رواه مسلم

قال النووي :( فِي هَذَا الْحَدِيثِ : فَضِيلَةُ النِّيَّةِ فِي الْخَيْرِ ، وَأَنَّ مَنْ نَوَى الْغَزْوَ وَغَيْرَهَ مِنَ الطَّاعَاتِ فَعَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا أَكْثَرَ مِنَ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ ، وَتَمَنَّى كَوْنَهُ مَعَ الْغُزَاةِ وَنَحْوِهُمْ كَثُرَ ثَوَابُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ) .

فيا مريض ويا من انقطع عن عمل صالح لعذر وبنيته أن يعمل هذا العمل لو ذهب ظرفه أبشر بأجرك التام الكامل فضلاً من الله وكرماً و

فاللهم إنا نسألك صبراً ورضا ، وأن تجعل لنا وللمسلمين من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية

اقرأ أيضًا:

رسالة مواساة لكل مكروب ومهموم(1)

وللحديث بقية إن شاء الله

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

فيصل محمد الـقعيضب

الدلم

21 / 4 / 1444

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

أخبار ذات صلة