الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

لماذا يسيء الأطفال السلوك (١)

Screenshot_4
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

إنَّ أغلب ما أُسأل عنه بصفتي معلمة هو حول المشاكل السلوكية للأطفال، ما بين طفل عنيد وآخر خجول، وثالث دائم الغضب، وعاشر يكذب كثيرًا، وعلى اختلاف المشاكل وتنوعها، إلا أن بينها روابط تجمعها، ولعلي في هذا المقال أُجيب على سؤال: " لماذا يُسيء الأطفال السلوك؟"

اضافة اعلان

ملاحظة: هذه المقالة بعيدة كل البُعد عن التعاريف، طريقتي في التوعية عن طريق الأمثلة والمواقف

يظن الكثير أن معنى توجيه السلوك يعني تعديل السلوك غير المرغوب فيه، والصحيح أن توجيه السلوك يحتمل الأمران، فبالإضافة للمعنى السابق، هو أيضًا تعزيز السلوك الصحيح.

وحتى نجيب على سؤال: لماذا يسئ الأطفال السلوك؟ دعني استعرض معك العوامل المؤثرة على سلوك الأطفال، لنسبر أغواره، ونقترب منه أكثر، فتتسع مساحة العذر له.

  • خصائص نمو الطفل:

في الجدول التالي مواقف افتراضية، والتي تلاقي في الغالب غضب المربين والمسارعة لعقاب الطفل على إساءته السلوك، يقابلها خاصية من خصائص النمو والتي لو وعيها المربي لاختلفت ردة فعله وبادر باحتواء الطفل وتفهم دوافعه.

والخصائص تشمل جميع جوانب النمو، الجسمي والعقلي والانفعالي والإيماني والحركي، فما يصلح تعليمه مثلًا لطفل الخامسة لا يصلح عرضه لطفل الثالثة وقد يحصل لبس فيما لو تعجل المربي وعرضها على الصغير قبل أن يتمّ نضجه العقلي.

أرأيت من يقتني جهاز جديد، ثم يختصر على نفسه الطرق، فيشرع بقراءة الكتيب المرفق لكيفية عمل هذا الجهاز، قبل أن يصيب ويخطئ، كذا الحال مع الطفل، كلما زاد إدراك المربي بمعرفة خصائص النمو للمرحلة العمرية للطفل، زاد تفهمه بعون الله.

  • الحالة الصحية:

هل لدى الطفل تاريخ مرضي؟ بعض الأمراض تؤثر على سلوكه، أذكر أحد الأطفال الهادئين في الصف، أكثر في الإساءة وبعد البحث والتواصل مع الأم تبيّن أنه يتناول دواء جديدًا أثّر على نشاطه!

هناك أطفال يعانون من مشاكل صحية مزمنة والآخر بشكل مؤقت كالانفلونزا، وفي كلا الحالتين عليك بالوعي والتركيز عليه بأن له ظرفًا خاصًا.

وآخر في الصف كان مصابًا بالحساسية المزمنة تجاه منتجات القمح، الأمر الذي أدى لتأثر نفسيته حين يحضر أصحابه بعض أنواع الكيك والبسكويتات التي لا تناسبه، أدى شعوره بالإحباط بأن يسيء السلوك، وحتى نحسن من الوضع أحضرنا له أكثر مِن نوع من البسكويتات التي تناسبه وفي كل مرة يتم احضار نوع لا يلائمه نعطيه البديل الذي يرضيه.

وطفلة أخرى كُسرت يدها، فصارت أكثر حساسية تجاه أفعال أصحابها، تبكي لأدنى سبب، والتصرف الأمثل هو احتواء الموقف لحين مرور الأزمة، وما يفرق هو: وعي المربي بما يحدث وفطنته لها يقلل من حدوث المشاكل.

مع الانتباه أن كثرة مراعاة الأطفال ذوي الأمراض المزمنة قد يؤدي لزيادة إساءتهم للسلوك، التوازن مطلوب.

  • النقص الحسّي:

والمقصود فيه وجود الخلل في السمع والبصر، إحداهن كانت تبكي وقت الإجابات الجماعية، وكنا نجهل السبب، ومع تكرر الموقف تبين أنها تعاني من التهاب شبه مزمن في أذنها يجعلها تحسس من الأصوات العالية.

وآخر كان يقترب من شاشة العرض أثناء الدرس، هذا السلوك قد يفسّر بأنه طفل متعدي للقوانين الصفية لكنه على الحقيقة كان يعاني من ضعف في بصره.

ومن الميدان أقول: قد يعاني الطفل من مشاكل خفية في السمع والبصر لا يعلمون الأهل عنها شيئًا، لا يتردد المعلم في إشراكهم بما يرى من أعراض صادرة من الطفل.

  • الضغط والتغيير العائلي:

ولعل هذا العامل الأكثر وضوحًا إلا أنه لا يلاقي الاهتمام المناسب من قبَل بعض الأهالي، والمقصود بالتغيير العائلي ما يحدث داخل الوسط العائلي من حالات طلاق أو وجود مولود جديد أو الانتقال لمنزل جديد أو سفر أحد الوالدين أو حتى تغير خارج المنزل أثّر على الطفل، كسفر أحد الأشخاص المقربين للطفل من خارج البيت كالخال أو العم مثلًا.

وعي الأهالي بضرورة تهيئة الطفل للوضع الجديد الذي سيحدث يساعده لتخطي الأزمة بسلام، ثم إشراكهم المدرسة بما يحدث، لينجح الأمر من الطرفين، البيت والمدرسة.

لذا كثيرًا ما أحرّص على الأمهات بضرورة إطلاعنا على ما يستجد في المنزل -مع التحفظ بالأسرار وعدم نشرها من قبل الإدارة أو المعلمة- يعين المعلمة لتخطي أشواط كثيرة من الطفل لتحسين وضعه النفسي واستقرار حالته الشعورية.

  • البيئة الصفية:

والمعني فيها هل المكان الذي يقضي فيه الطفل يومه مهيأ ومناسب لخصائصه العمرية؟

أحد المرات لوحظت حركة ونشاط فوق المعتاد في الفصل، عُوّل السبب على سوء ترتيب أثاث الفصل إذ كانت هناك مساحات فارغة مثيرة للطفل لأن يركض فيها.

هل الأدوات كافية لجميع الأطفال؟ هل أدوات المعلمة مرتفعة عن الطفل بحيث لا يسهل عليه تناولها ثم العبث بها ويصنف بأنه طفل مسيء للسلوك؟

أنصح دومًا بإعادة النظر في ترتيب الفصل والأدوات ليس من قبل المعلمة فقط وإنما يتعين فريق بأكمله، هذا الفصل الذي سيقضي الطفل فيه أكثر من خمس ساعات حري به أن ينال كل العناية.

وعلى ما تلاقيه الفصول من العناية والرعاية، إلا أنه ثمة مشاكل سلوكية تظهر بعد بدء دخول الأطفال لها، لا بأس، المهم أن يتم تدارك الوضع وتغييره لما هو أسلم.

  • الإشارات المتضاربة:

"مسموح في الروضة، ممنوع في البيت" أو العكس، هذه الأوامر المتضاربة تشوّش الطفل ولا يدري هل يتّبع أم يعصي؟ كلما كانت الجهتان أقرب من بعضهما من خلال إيصال رسائل الروضة للبيت بحيث تلقنها الأم لطفلها فلا يجد بدًا من اتباعها.

وعلى سبيل المثال، إذا مُنعت الحلوى من الروضة، لابد توضيح هذا الأمر للطفل من جهة الأم، بأن الروضة أصدرت قرار بكذا وكذا، وعلينا اتباعه، بإمكانك الاستمتاع بتناولها بعد وجبة الغداء، بهذه الطريقة يسهل للطفل اتباع القوانين دون شعوره أنه بين اتجاهين متعاكسين.

الإشارات المتضاربة تشمل أيضًا معلمات الفصل الواحد، هل قوانينهم الصفية موحّدة؟ هل سيجد الطفل عند المعلمة أ ما ستمنعه منه المعلمة ب؟

أنصح كثيرًا من الاجتماعات الدورية لشريكات الفصل، لتجديد اللوائح الخاصة بالأطفال، وإن وجد طفل مستثنى لأسباب تجدها المعلمات منطقية فيتم الاتفاق عليها.

  • عدم إشباع حاجات الطفل:

الحاجات متحكمة في سلوك الطفل، عدم إشباعها ينتج سلوك سلبي!

فالمفترض والمُنتظَر من المربي هو تفهم حاجات الطفل والبحث عن طرق لإشباعها، لا تتصادم مع الحاجات، بل احتويها. قيل: " كل سلوك خلفه حاجة لم تُشبع"

ثمة حاجات مشتركة بين العُمر الواحد، وحاجات مشتركة للجنس، فحاجة الفتيات تختلف عن الذكور، وحاجات فردية يتميز بها كل طفل.

من أمثلة حاجات الطفل المشتركة: الاهتمام، النوم، الطعام، القَبول، المساواة، في الغالب الطفل الذي لا يشعر بالعدل، فإنه لا يقول: "هذا ليس عدلًا" فهو لا يملك هذا الوعي، لكنه يشعر بعدم الإنصاف، ويعبّر عنه بإساءة السلوك من اعتداء أو تخريب.

على أن بعض الأطفال مُنحوا نباهة وقدرة على التعبير بشكل واضح بحاجاتهم، أصيل الذي بدأ بضرب أصدقاءه واحدًا تلو الآخر، حينما سألته المعلمة لمَ تفعل هذا؟ قال:

" يامعلمة فيّ شرّ نوم!"، وآخر كان لا ينتبه للدرس صباحًا، ويكثر ازعاج أصحابه ثم تبين أنه يشتدّ جوعه في هذا الوقت تحديدًا، تم تسوية الأمر بالاتفاق معه بتناوله قطعة بسكويت لحين حلول وقت الوجبة.

وأما عن معرفة المربي لحاجات الطفل الفردية وهي ما تميزه على الأغلب، فهي تنفعه للحدّ من أن يسئ السلوك.

أحد أطفالي في الصف كان بحاجة لأن تُشغل يديه طيلة وقت التعلم، يده تعمل وعقله يركز! إشباع حاجته يحد من إساءة السلوك.

كُن فطن والمح الفوارق بين حاجات الأطفال الفردية.

إيناس حسين مليباري

جامعة الملك عبد العزيز| مركز الطفولة

[email protected]

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook