الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

صائمة.. أكيد تعبت!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تحدّثني والدة إحدى أطفالي: "البارحة ما هنئت ابنتي بنوم ولا بقيام، إذ أنها مشغولة بصيام معلمتها، فغدت تروح وتجيء على أهل البيت تجمع منهم بقايا أطعمتهم وتضعها في كيس حتى تعطيكِ إيّاها" وأردفت قائلة: "حرام معلمة إيناس تتكلم كثير وهي صائمة.. أكيد تعبت!".

اضافة اعلان

لعلّ هذه الصورة النمطية هي السائدة عند الصغار والكبار، أن على الصائم أن يهنأ بلذيذ النوم، وعلى الجميع من حوله تهيئة الظروف المواتية لينعم بالراحة لحين الإفطار، وحتى تتغير هذه الصورة كل ما علينا هو: تحسين الواقع بشكلٍ واقعي.

فلا ضيرَ من العمل في هذا الشهر المبارك، لا ضير في فتح المشاريع، وإعداد الدروس واستكمال الأفكار العِظام شريطة ألا تطغى على حياة الإنسان وألا تشغل يومه وفكره.

أكثر جيل اليوم -إلا ما رحم ربي- استأنس جانب الراحة والدَّعة، حتى إذا ما طُلب بأمرٍ ما عكس ما اعتاده، أزبد وأرعد! يزيدُ هذا الأمر في رمضان.

قصصتُ على صغاري ذكرياتي مع الدراسة في شهرِ رمضان في سنوات تعليمي الدراسية، كان تعب مؤقت، وما كان بالأمس يتعبنا، غدا في أيامه القابلة عاديًا، إذ أن من صور رحمات ربنا الرحيم بنا هو تكيّف الجسم مع الحالة التي يعيشها، فمهما كان الوضع صعبًا، لو تكرر، لتقرّر للجسم هذا التعب وسيجده روتينًا لا أكثر. يعتاد الجسم على الجوع والعطش، ثم ماذا؟

وحتى تؤتي المواعظ والدروس ثمارها، فالطفل بحاجة بداية لنماذج حقيقية، يشاهد حال المعلم في صيامه، هل تساوى مع فطره؟ هل ضاقت أخلاقه وضمرت صفاته الحميدة؟ أم أنه يعايش ذات القلب الذي أحبه؟ هذه ما تربّي في الطفل الكثير، ذلكم الحين تكون كلمات المعلم دررًا ينتفع منها الطفل.

وإني لأذكر أطفالي يوم أخبرتهم بأني نشيطة بحمد الله ثم بفضل وجبة السحور، وكان هذا مدخلنا للتعلم عن هذه السُّنة، رغم اعتقادي بمعرفة الأغلب لها، إلا أن في هذا موقف طريف، قالت إحداهن: "ترى احنا ما عندنا هذه الوجبة في البيت" ففهمتُ بأنّه بحكم الدراسة، فإن والدتها بكّرت في وقت نوم الصغيرة، وبالفعل لما حدّثتُ والدتها، ضحكت وقالت: "والله بعد كذا لن تعتقني إلى أن تتسحر معنا!".

أثناء درسنا عن تعلّم الأعمال الصالحة في رمضان، علّمتهم الدرس الذي يحتاج الواحد منا استذكاره كلّ يوم، وهو الاحتساب في كل عمل تقوم به، أن تفعل الشيء لله، حتى يرضى عنك ويعطيك الأجر، فحين تناول والدتك ما أرادت، وحين تلاعب أخيك الصغير، وحين تساعد العاملة في ترتيب سفرة الطعام، وحين تنهي طعامك كاملًا، كلها أمور نفعلها بشكل يومي، الفرق هو لمَ فعلتها؟ ذكّر نفسك بأن ما تقوم به ليس لأنه مجرد مهمة وإنما لوجه الكريم.

إنَّ ممَّا يؤثر في الأطفال- والإنسان بشكل عام- هو معرفتهم للجزاء المنتظر، سواء بفعل الأمر أو تركه، ما الذي سيترتب على فعلي لكل هذه الأعمال؟ وماذا سأخسر بتركي لها؟ لهذا نجدُ في مواطن كثيرة في القرآن تشويق المؤمنين للجنة.

لذا كانت من الأمور المستحسنة هو ذكر بعض أحاديث الصيام الوارد فيها الجزاء، شرحتُ لصغاري الحديث الشريف: " من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه" أخبرتهم بأنه مجرد شعور بالقلب، يصوم الإنسان وهو يؤمن بالله ويقول يا رب صُمت لأجلك لا انتظر ثناء ولا مديح من أحد، تخيلوا بأن كل سيئاته يمحوها الله؟ ويؤجره الله على صبره..  حملق الأطفال نحوي.. ثمّ قطعت صمت اللحظة إحداهن فقالت: " معلمة كيف شكل الأجر؟" أخبرتها بأنها الحسنات التي يكتبها الله لنا في كتابنا عنده، عند قيامنا بالأعمال الصالحات.

نهاية: أعِن طفلك لتعظيم الشهر المُبارك، وتذكر بأن الطفل انعكاس لمربّيه في البيت والمدرسة..

وكلما أحسنت القول والعمل، أشهدك المولى ذلك عليه.

أذكر أني مرة قلتُ بصوت مسموع: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين" وكان وقت لعب الأطفال، سألتني من جلستْ بجواري: "معلمة إيش هذا الكلام الغريب؟" ثم في مرة أخرى، تكرر الموقف دون قصد مع ذات الطفلة، التفتت نحوي وقالت: "أعرف ايش تقولي.. قصدك تقولي يا رب".

والحمدُ لله رب العالمين

إيناس حسين مليباري

جامعة الملك عبد العزيز| مركز الطفولة

[email protected]

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook